جريدة الدستور الاردنية/
*الأكاديمي مروان سوداح
استمتعت للمرة العشرين بقراءة كتيّب رئيس دولة فلسطين، محمود عباس، بعنوان (الحركة الصهيونية في أدبيات لينين)، الصادر عن (دار الكرمل للدراسات والنشر) في دمشق، سنة 1981.
صَدرت الدراسة حين كان (أبو مازن) رئيساً لجمعية الصداقة الفلسطينية السوفييتية، ورئيساً لِ(اتحاد جمعيات الصداقة الفلسطينية مع الشعوب). تنبع أهمية الكتيب من مُعَايشة محمود عباس الواقع السوفييتي يومياً إبّان دراسته باللغة الروسية في موسكو، حيث تعرّف المؤلف على العقلية الروسية، وسَبرَ أغوارها، وأطلع بعمق على موقف روسيا من القضية الفلسطينية، وتوجهات أجنحتها ومعسكراتها السياسية والفكرية المختلفة، وأحيانا المتناقضة من «المسألة الصهيونية»، وهي «شأن مُعقّد» في روسيا، لا يرغب العامة الخوض فيها، ويَعتبرها كثيرون منهم «دُمَلاً» في خاصرة وطنهم منذ نشأتها، ومروراً بالثورة البلشفية التي لعب فيها «اتحاد البوند» وفِراخه في روسيا دوراً تآمرياً طويلاً؛ مروراً بالحقبتين السوفييتية والبيريسترويكا، والعهد البوتيني.
يُعرّج محمود عباس على الدور المُخزي لنابليون بونابرت في مساندة الصهيونية لـِ»إحياء وطن لها في فلسطين تحت الحماية المقدّسة لفرنسا المحرِرة!»، ويَكشف عن دور «المُورمونية» في تحقيق ما يُسمّى بـِ»نبوءة بعث إسرائيل» بدعم غربي، إلى إقامة أول مستعمرة زراعية يهودية عام 1850، تبعتها مستوطنات أخرى ومصالح غير مُعلنة لدول أوروبية وآسيوية وروسيا القيصرية. كل هذه الجهات ساهمت في إنهاض المنظمات الصهيونية وتأسيس الكيان الصهيوني «المنشود». لكن اليهود الصهاينة انقلبوا على الحُكم القيصري الذي ساندهم وتخلصوا منه، وفي الوقت نفسه سعوا لتصفية الدولة السوفييتية والاشتراكية، برغم نفوذهم السلطوي والاستخباري والحزبي والسياسي فيها.
يقول أبو مازن، إن الاتحاد السوفييتي بقيادة لينين وقف بقوة وحزم ضد الانتداب البريطاني على فلسطين، وإن (مؤتمر الشعوب الشرقية) المُنعقد في باكو سنة 1920، شجب في بيانه الانتداب البريطاني، أما «ثورة أكتوبر» فقد فضحت اتفاقية «سايكس بيكو» التي نصّت على تقسيم العالم العربي إلى مناطق نفوذ بين فرنسا وإنجلترا، بموافقة روسيا القيصرية.
يَستعرض محمود عباس موقف الأمين العام السوفييتي جوزيف ستالين الذي يرى «أن كل ما هو مشترك بين اليهود هو الدين وبعض مخلفات الشخصية القومية، وهذا ما لا يكفي لتكوين أمة مستقلة»، وأن الصهيونية حركة سياسية رجعية تجمع أنصارها اليهود من صِغار ومتوسطي البرجوازيين والمثقفين ورجال الأعمال والفنيين وأكثر القطاعات تخلفاً من العمال اليهود، وتهدف إلى تنظيم دولة برجوازية يهودية في فلسطين، كما ترمي إلى فصل جماهير الطبقة اليهودية العاملة عن النضال العام للبروليتاريا».
في الرؤية العميقة لمحمود عباس، أن الحركة الصهيونية سياسية رجعية، والشخصية القومية اليهودية غير متكاملة، والفصل بين جماهير العمال اليهود والبروليتاريا العالمية نوع من الانعزالية والانغلاق، والتزاوج بين الصهيونية والاشتراكية أمر مستحيل.
يؤكد محمود عباس «أن الدعاوى القومية هي غيتو من نوع جديد، وطِراز حديث، ما دام يؤدي نفس المهمة لقمع اليهود واضطهادهم وعَزلهم باستمرار وجود الأسوار العالية بينهم وبين الآخرين، وسواء أكان المُستفيد من هذا الاضطهاد والعَزل بعض زعاماتهم أو الدول الإمبريالية العالمية، أو كلاهما، فإن الخاسر الأكبر هو الإنسان اليهودي، الذي ما أن بدأ يسترد إنسانيته ويتمتع بحقوقه المدنية والسياسية، حتى انقض عليه حُراس مصالح الإمبريالية، لإعادته مرة أُخرى إلى الحظيرة.. إلى الغيتو».
شكرا لكل من طالع مقالتي هذه ووضع “لايك” عليها.. شكرا ايها القراء المهتمين بها..