شبكة طريق الحرير الصيني الاخبارية/
ماذا بعد انضمام مصر إلى بنك التنمية الجديد لبريكس؟
بقلم: عادل علي،
إعلامي وباحث في الشئون الصينية – مصر
قبل أيام قلائل على أفول عام 2021، وتحديدا في 29 ديسمبر، كانت الدولة المصرية على موعد مع إنجاز دبلوماسي جديد، تجلى في قبول مصر عضوا جديدا في بنك التنمية الجديد (NDB) لتكتل دول بريكس (الذراع المالي للتكتل). وبريكس تكتل اقتصادي دولي تأسس في عام 2011، ويضم في عضويته خمس دول، هي: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا، ويعمل على تشجيع التعاون الاقتصادي والتجاري والسياسي والثقافي بين الدول الأعضاء. وقد جاءت تلك الخطوة في إطار الاستراتيجية الحالية للبنك بتوسيع النطاق الجغرافي لعمله ليصبح المؤسسة التنموية الأولى لخدمة اقتصادات الدول الناشئة والبلدان النامية. ومن المعلوم أن بنك التنمية الجديد لبريكس تم افتتاحه رسميا في يوليو 2015، ويقع مقره الرئيسي في شانغهاي بالصين.
ومن دون شك، فإن هذه الخطوة تنطوي على مضامين بالغة الأهمية بالنسبة لمصر، في ضوء اعتبارات عدة، لعل من أهمها:
أولا، ما يمتلكه البنك من قدرات تمويلية هائلة، إذ يبلغ رأس ماله المصرح به 100 مليار دولار أمريكي، وهو مفتوح للاكتتاب من قبل أعضاء الأمم المتحدة. وقد وافق البنك منذ تأسيسه على نحو 80 مشروعا لأعضائه، بمحفظة إجمالية تبلغ 30 مليار دولار أمريكي.
ثانيا، ما يمتلكه البنك من خبرات دولية متقدمة يُمكن أن تساعد مصر في تلبية احتياجاتها التمويلية، وتعظيم جهودها في تطوير البنية التحتية، على نحو يسهم في تحقيق الأهداف الطموحة لمصر في مجال التنمية المستدامة.
ثالثا، أن البنك يُعد بمثابة منصة جديدة لمصر لتعزيز التعاون مع دول تكتل بريكس وغيرها من الاقتصادات الناشئة والدول النامية الأخرى في مجال البنية التحتية والتنمية المستدامة. حيث يقوم البنك بتمويل المشروعات في مجالات النقل والمياه والصرف الصحي والطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية، والبنية التحتية الاجتماعية، والتنمية الحضرية.
رابعا، أنها تعكس الثقة الكبيرة في مصر من جانب دول تكتل بريكس، خاصة في ضوء ما يتمتع به اقتصادها من قوة ومرونة وقدرة على امتصاص الصدمات وتحقيق معدلات عالية من النمو، خاصة بعد إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها الحكومة المصرية.
بالعودة إلى الوراء قليلا، وتحديدا عام 2017، وعلى خلفية مشاركة مصر كضيف – بناء على دعوة من الصين – في القمة التاسعة لتكتل بريكس، والتي عقدت بمدينة شيامن الصينية في سبتمبر 2017، تساءلت العديد من الدوائر الإعلامية والأكاديمية المصرية عن إمكانية انضمام مصر إلى عضوية تكتل بريكس، وما يرتبط بذلك من فرص وتحديات، خاصة وأن دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للمشاركة في هذه القمة، جاءت لتؤكد – من بين أمور عديدة – على مكانة مصر وما تملكه من مؤهلات اقتصادية وسياسية تؤهلها لتصبح عضوا فى بريكس.
وكما أشار وزير المالية المصري الدكتور محمد معيط، فإن انضمام مصر إلى عضوية بنك التنمية الجديد يمثل شهادة ثقة في صلابة الاقتصاد المصري من دول تكتل بريكس، لاسيما وأن رئيس البنك ماركوس ترويخو يرى مصر باعتبارها واحدة من أسرع دول العالم نموا، وتمتلك اقتصادا رائدا بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
هذه الرؤية الإيجابية من جانب المسئول الأول عن الذراع المالي لتكتل بريكس تجاه المكانة الاقتصادية الرائدة لمصر، تُعيد إلى الواجهة بشكل أكثر قوة هذه المرة التساؤلات التي سبق أن طرحتها الدوائر الإعلامية والأكاديمية المصرية بشأن إمكانية انضمام مصر إلى تكتل بريكس. وبناء عليه، فإن التساؤل المطروح هنا هو: حول ماهية الخطوة المستقبلية التالية لمصر بعد انضمامها إلى عضوية الذراع المالي لتكتل بريكس، وهو بنك التنمية الجديد؟.
في ضوء المعطيات الجديدة، يمكن القول بكل ثقة إن انضمام مصر كعضو جديد إلى بنك التنمية الجديد لدول بريكس، يُعد خطوة مرحلية مهمة على طريق الانضمام إلى التكتل الأساسي وهو تكتل بريكس، لاسيما وأن مصر تمتلك كافة المقومات التي تُرجح مسألة انضمامها لتكتل بريكس من ناحية، ناهيك عن الاعتبارات المرتبطة بمكانة التكتل على الساحة الدولية في الوقت الراهن.
فمن جهة، تمتلك مصر الشروط اللازمة التي تؤهلها للانضمام إلى عضوية بريكس. فطبقا لتحليل نشرته الهيئة العامة المصرية للاستعلامات على موقعها الإلكتروني، فإن تكتل بريكس لم يضع شروطا محددة للعضوية أو معايير واضحة لانضمام دول أخرى إليه، فقد بدأت المفاوضات الخاصة بالتكتل بأربع دول عام 2006، ثم انضمت إليه جنوب أفريقيا عام 2010 بعد مفاوضات بين الطرفين.
بيد أنه بالنظر إلى ظروف نشأة التكتل، وأهدافه، وخصائص دوله، فإنه يمكن القول إن مصر تُعد أكثر الدول المؤهلة التي تنطبق عليها معايير الحصول على عضوية بريكس، استنادا لمؤشرات عديدة، من بينها:
أولا، أن مصر تمثل إضافة مهمة للتكتل على الصُعد السياسية والاستراتيجية والجغرافية، خاصة مع تزايد اهتمام دول بريكس بالجوانب السياسية وسعيها لتدعيم الاستقرار والمساهمة في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين. ففي ظل ما تحظى به مصر من موقع جغرافي ومكانة سياسية، فإنها تمثل أهمية بالغة وتحقق توازنا جغرافيا واستراتيجيا لتكتل بريكس الذي يضم الهند والصين في الشرق، والبرازيل في أقصى الغرب، وروسيا في الشمال الشرقي، وجنوب أفريقيا في أقصى الجنوب، في حين تقع مصر في قلب العالم وهي طرف محوري في تفاعلات منطقة الشرق الأوسط بأهميتها الاقتصادية والسياسية للعالم، وملتقى طرق مواصلاته واتصالاته، وتوجد بها قناة السويس أهم الممرات الملاحية الدولية. وهي أيضا مدخل القارة الأفريقية وعضو في معظم التجمعات الأفريقية. كما أنها أيضا بوابة لأوروبا من خلال تعاون مشترك أمني وسياسي في حوض البحر المتوسط وتربطها اتفاقية شراكة اقتصادية وتكنولوجية وتجارية مع الاتحاد الأوروبي.
ثانيا، ما تحظى به مصر من مكانة رائدة ودورا محوريا في عالمها العربي وأمتها الإسلامية، فضلا عن مساهماتها الحضارية والثقافية على المستوى الإنساني في كل العصور. خاصة وأن تكتل بريكس يبدي اهتماما ملحوظا بالجوانب الثقافية وبالتعاون بين الهويات الثقافية المتنوعة في العالم والتي تمثل دول بريكس عددا مهما منها.
ثالثا، على الصعيد الاقتصادي، فإن مصر أصبحت اليوم مؤهلة لعضوية التكتل بنجاحات ومؤشرات عديدة، بعدما حققت مستويات ملموسة من الأمن والاستقرار، وبدأت برنامجها للإصلاح الاقتصادي، والذي بدأت أثاره الإيجابية تظهر على أرض الواقع وتحظى بثقة المؤسسات الاقتصادية والمالية والتجارية العالمية، التي ترى أن مصر تملك اقتصادا بازغا واعدا. ومن المعلوم أن تكتل بريكس نشأ بالأساس بين دول الاقتصاديات الصاعدة، وهو الوصف الذي ينطبق على مصر في الوقت الراهن.
رابعا، امتلاك مصر علاقات قوية ومتميزة مع الدول الأعضاء بتكتل بريكس، وهو ما يمثل رصيدا مهما ينبغي أن تعول عليه مصر وتتوقع استثماره في موقف كل منها إزاء فكرة انضمام مصر إلى التكتل.
وعلى الجانب المقابل، فقد بات تكتل بريكس يحظى بمكانة مهمة متزايدة على المستوى العالمي، ولاسيما في سياق الاقتصاد العالمي، حيث تغطي دوله الخمس مجتمعة 26 في المائة من مساحة كوكب الأرض، و42 في المائة من عدد سكان العالم، فضلا عن 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهي إمكانيات تضع دول البريكس في وضع جيد للعب دور مهم في التنمية العالمية، وخصوصاً في الدول النامية، لاسيما وأن هذه الدول تتوزع على جميع المناطق الرئيسية في العالم النامي.
كذلك، نجحت دول البريكس على مدى السنوات التي مضت منذ إنشاء هذه الآلية، في تحقيق إنجازات عديدة، فرفعت تصنيفاتها في الاقتصاد العالمي، فطبقا لأرقام عام 2019، جاء الاقتصاد الصيني في المرتبة الثانية عالميا، بإجمالي ناتج محلي بلغت قيمته 99.09 تريليون يوان (حوالي 14.38 تريليون دولار أمريكي)، وجاء الاقتصاد الهندي في المرتبة الخامسة عالميا بإجمالي ناتج محلي بلغت قيمته 2.94 تريليون دولار أمريكي، أما الاقتصاد البرازيلي، فقد احتل المرتبة التاسعة عالميا بإجمالي ناتج محلي بلغت قيمته 1.85 تريليون دولار أمريكي، وجاء الاقتصاد الروسي في المرتبة الحادية عشرة عالميا بإجمالي ناتج محلي بلغت قيمته 1.64 تريليون دولار أمريكي، في حين جاءت جنوب أفريقيا في المرتبة التاسعة عشرة عالميا اقتصاديا بناتج محلي إجمالي بلغت قيمته 358.8 مليار دولار أمريكي.
ومنذ إنشاء البريكس في عام 2009، عززت الدول الخمس مشاركتها في الاقتصاد العالمي. مدفوعة من الصين والهند، بلغ إجمالي الناتج المحلي لبلدان البريكس 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (21 تريليون دولار أمريكي)، وبلغت حصة البريكس في التجارة الدولية حوالي 20٪ (6.7 تريليون دولار أمريكي) في عام 2020. على مدى السنوات الخمس الماضية، قامت دول البريكس بتوسيع نطاق التعاون الشامل فيما بينها، لاسيما في القطاعات الاقتصادية والتجارية. فقد نمت الصادرات بين دول البريكس بنسبة 45٪، وزادت حصة الصادرات البينية من إجمالي التجارة الدولية للبريكس من 7.7٪ إلى 10٪. كما نما الناتج المحلي الإجمالي للدول الخمس بشكل أسرع من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ومجموعة السبع بمتوسط سنوي بلغ 5.31٪، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وبالإضافة إلى فعاليته الاقتصادية، فإن تكتل بريكس يمتلك تأثيرا سياسيا كبيرا على الصعيد الدولي، يتجلى في مواقف دوله القوية تجاه العديد من الأزمات الدولية، والتي تعكس في طياتها موقفا رافضا للعديد من ممارسات وسلوكيات السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. علاوة على القدرة العسكرية لدول التكتل، وخاصة الصين وروسيا والهند، وامتلاكها القوة النووية، مما ساهم في تحقيق التوازن العسكري وإبعاد شبح الحرب وتعزيز نهج السلم والأمن في العلاقات الدولية.
بناء على المعطيات السابقة، فإنه ينتظر مصر في حالة انضمامها إلى عضوية تكتل بريكس العديد من المكاسب والفرص، لاسيما على صعيد التنمية والتجارة والاستثمار. حيث يشير واقع الحال أن مصر ستكون مستفيدة من هذا الانضمام، وخاصة من الناحيتين الاقتصادية والسياسية على المستويين الداخلي والخارجي، وذلك من ناحية الإمكانيات والخبرات التنموية المتوفرة لدول التكتل ولدى مصر أيضا. وهذا مطلوب في إطار سعي مصر الدائم لتنويع وتوسيع حجم علاقاتها الخارجية، وهو الأمر الذي من شأنه تقوية دورها الاقتصادي والسياسي، وهو الهدف الذي يتحقق بصورة كبيرة من خلال الانضمام للتكتلات الدولية والإقليمية.
ولتحقيق الأهداف السابقة، فإن على مصر العمل على تسريع وتيرة استكمال الإجراءات الخاصة بقبول عضويتها في بنك التنمية الجديد لبريكس، من خلال مصادقة السلطات التشريعية على اتفاقية الانضمام للبنك، لجعل عضويتها في البنك سارية المفعول، ما يجعلها تستفيد من الإمكانات التمويلية الضخمة للبنك في عملية التنمية الجارية بها. وبالتوازي مع تلك الخطوة، من الأهمية بمكان أن تعمل الدبلوماسية المصرية على وضع هدف الانضمام إلى تكتل بريكس كأولوية قصوى ضمن أجندة تحركاتها الخارجية في سياق علاقاتها مع دول بريكس، ولاسيما الصين وروسيا، باعتبارهما دولتين كبريين ومؤثرتين في التكتل، وتحظى مصر بعلاقات شراكة استراتيجية متميزة معهما، يمكن التعويل عليها وتوظيفها، بما يصب في خدمة هدف انضمام مصر لتكتل بريكس، وذلك على غرار ما قامت به الدبلوماسية المصرية بمحاولة الانضمام إلى منظمة شانغهاي للتعاون، وهو ما توج مؤخرا بموافقة المنظمة على ضم مصر كشريك حوار إلى عضويتها.
خلاصة القول، إن انضمام مصر إلى عضوية تكتل بريكس – في حال تحققه – من شأنه أن يؤدي إلى تعظيم التعاون بين الجانبين، ويحقق في الآن ذاته مكاسب وفوائد مشتركة لكل من مصر وبريكس. ويمثل قبول عضوية مصر في بنك التنمية الجديد لبريكس خطوة إيجابية مهمة بصدد العمل على تحقيق هذا الهدف.