*القناة العربية لشبكة تلفزيون الصين الدولية/
مع الإنجازات المتزايدة التي تحققها مجهودات الصين في معركتها ضد الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، تسعى الحكومة الصينية في الوقت الراهن إلى إعادة تعديل أعمالها من أجل تحقيق التوازن بين مساعي مكافحة الوباء وبين التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل مناسب، مما يساعد على تقليل آثار الوباء وتحقيق الأهداف الوطنية في جميع مناحي الحياة لعام 2020. ونتيجة لذلك، بدأت الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في الانتعاش في معظم أنحاء البلاد باستثناء مقاطعة هوبي في وسط الصين وحاضرتها ووهان، بؤرة تفشي الفيروس.
في حين استمرار ديناميات الصين في المعركة المستمرة ضد الوباء في جذب انتباه العالم، إن المجتمع الدولي كان أكثر قلقا بشأن الآثار الاقتصادية للوباء على الصين والعالم بأسره. والرغم من التحديات الكثيرة التي يواجهها اقتصاد الصين ومجتمعه، يميل الشعب الصيني إلى رؤية النقاط الإيجابية لوباء “كوفيد-19” على الإصلاح والتنمية طويلة المدى. فإلى أي مدى سيحفز الوباء إصلاح الصين لنظامها الاقتصادي وتوسيع انفتاحها في الأجلين المتوسط والطويل؟
التنمية عالية الجودة
قد يساهم تفشي الفيروس في تعزيز الإجماع الوطني على التنمية عالية الجودة، التي كان طرحها منذ فترة طويلة في الصين. وفي مكافحة الصين ضد الوباء، تعكس جهودها الحثيثة الرامية إلى تحقيق التوازن بين الأمن العام والتنمية الاقتصادية قرار القيادة المركزية لتعزيز بناء نظام اقتصادي حديث وتحسين الهيكل الصناعي وتحقيق التنمية المستدامة. وقد تعد الآثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن الوباء حافزا مهما لتشكيل إجماع وطني على التنمية عالية الجودة، مما يمهد الطريق لإصلاحات اجتماعية واقتصادية أعمق في الصين.
قدرة الصين على الحوكمة
بالنسبة لدولة كبيرة من حيث عدد السكان، لا توفر القدرة القوية على التنظيم الاجتماعي والتعبئة ضمانا مؤسسيا ضد مختلف حالات الطوارئ الاجتماعية، بل هي عنصر أساسي في القدرة التنافسية للنظام الوطني الصيني. فمن خلال إجراءات الوقاية من الفيروس والسيطرة عليه، قد عززت الصين قدراتها على الحوكمة الوطنية وعلى مواجهة المخاطر الاجتماعية والاقتصادية.
من الصعب على أي دولة أن توحد مواردها بالكامل من أجل تنفيذ سياسات منسقة خلال فترة قصيرة مثل ما فعلته الصين في الفترة الأخيرة. عندما توقفت الصين عن أعمالها الاقتصادية بشكل مؤقت، استجاب الشعب الصيني تلقائيا بمحاولة البقاء في المنزل طوال الوقت والحفاظ على نظام اجتماعي جيد بغض النظر عن رغباتهم الشخصية، مما يدل على ثقتهم القوية في الحكومة ودعمها لقيادتها في المعركة ضد الوباء.
وبدوره، قد أثبتت الحكومة الصينية أنها جديرة بالثقة من خلال حشد الموارد الوطنية بفعالية للمناطق الأكثر تضررا، وتحسين عمل وكالات المعونة، وبناء العديد من المستشفيات المؤقتة في غضون أسابيع، وفصل المسؤولين الحكوميين العاجزين عن إكمال المهام المطلوبة على الفور وغيرها.
في غضون ذلك، تشير خطورة الوباء في بعض الأماكن إلى أن هناك الكثير مما يجب فعله قبل إنشاء نظام حوكمة وطني حديث بقدرة حوكمة كافية على المستويين المركزي والمحلي. نظرا لأن الكائن الحي سيطور بشكل طبيعي الأجسام المضادة للفيروسات، ستكون أي كارثة طبيعية أو وباء فرصة لتحسين نظام الحوكمة الاجتماعية والمساعدة في مواجهة التحديات المستقبلية.
في الواقع، بفضل الجهود الاجتماعية المشتركة لمكافحة الوباء، قد تعززت قدرات الصين في الحوكمة الاجتماعية بشكل أكبر، حيث تم إطلاق إصلاحات عميقة في مراقبة ومكافحة الأوبئة والإغاثة في حالات الكوارث وحشد وإدارة وتوزيع المساعدات. وفي أماكن أخرى، كما يتم ابتكار سياسات متعددة. على سبيل المثال، يُعتمد نظام “الحكومة الإلكترونية” وسياسات تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال التجارية على نطاق واسع خلال الوباء، والتي كانت الحكومة الصينية تعمل من أجلها في السنوات الماضية، مما يسهل عملية الموافقة الحكومية للمؤسسات والجمهور إلى حد كبير.
الاقتصاد الرقمي
بصفته محركا رئيسيا للتنمية الاقتصادية الصينية، يشكل الاقتصاد الرقمي 34.8% من الاقتصاد الوطني في عام 2018، وقد تم توظيفه فيما يقرب من 60% من الشركات الصينية، بما في ذلك تلك الموجودة في قطاع العقارات.
لتلبية مطالب جديدة في مكافحة الوباء، من المتوقع أن يتطور الاقتصاد الرقمي الصيني سريعا في المستقبل القريب. على سبيل المثال، نُقلت كميات كبيرة من الإمدادات الطبية والضروريات اليومية إلى مستشفيات بووهان بواسطة روبوتات ذكية على وضع “اتصال غير بشري”. وبالمثل، تزداد الطلبات في تقنيات ذكية بشكل سريع مثل التداول عبر الفيديو، والعلاج الطبي عن بعد، والتعلم الإلكتروني عن بعد، واختبار البيانات الضخمة، وكل ذلك يفضي إلى أتمتة المؤسسات وإضفاء الطابع الذكي عليها.
الهيكل الاقتصادي
يساعد الوباء أيضا على تحسين الهيكل الاقتصادي الصيني وتخصيص الأصول العامة. بسبب الوباء، تتمتع الشركات والجمهور بوعي أفضل حول الشكوك الاقتصادية وبالتالي قد تبدأ في دفع المزيد في قطاعي التأمين والاستثمار وقطاعات أخرى، والتي ستقلل من خلالها الصين اعتمادها على ما يسمى “الاقتصاد العقاري” الذي دام عقدا من الزمن.
علاوة عن ذلك، بسبب توجيه تفشي الوباء ضربة شديدة على شبكات التنقل والخدمات اللوجستية في جميع أنحاء الصين، فقد أولت الشركات الصينية اهتماما أكبر لاستقرار سلاسل التوريد وسلاستها. ومع التطور السريع للتصنيع في المقاطعات الداخلية، من المرجح أن تعزيز استقرارية سلاسل التوريد الإقليمية مع مزيد من تدابير طرحها على الطاولة ودخولها حيز التنفيذ.