جريدة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح
باحتلال 87 بالمئة من أراضي محافظة بيت لحم الفلسطينية الكنعانية العربية؛ التي وُلد السيد المسيح في أحد كهوفها قبل أكثر من ألفي سنة، تكون الصهيونية الدولية بمختلف مدارسها وفلسفاتها وادعاءاتها السياسية والدينية والأيديولوجية والدول الداعمة لها، قد أعلنت تحدياً تاريخياً ودولياً علنياً سافراً وصريحاً وشاملاً للفضاء المسيحي برمته، يشمل العالم العربي الواسع جغرافياً بدوله وحكوماته وشعوبه وأحزابه ومسلميه قبل مسيحييه، فالمسجد الأقصى وما حوله من أراضٍ وعقارات وقفية وأثرية باتت مهدَّدة، ويُصيب هذا التهديد والوعيد الصهيوني كل مسلمٍ ومواطنٍ دولي شريف على وجه البسيطة.
أصبحت بيت لحم وقُدس الأقداس وبقية فلسطين، التي تُشكّل جزءاً حَيوياً وبُنيوياً مادياً ومعنوياً من كيان كل إنسان عربي، تعاني من اغتصاب لصورتها وجوهرها، وصارت محاصرة بالمستوطنين الذين يجولون ويصولون في قلبها، ويقتطعون منه ما يَحلو لهم من أراضٍ وأشجارٍ وترابٍ، ويُلاحِقون أهلها، وتَهب قوات الاحتلال المستوطنين المحتلين الجُدد ما يُقسّمُونه بين بعضهم البعض من مواقع جغرافية مسكونة بالفلسطينيين ومؤسساتهم الإنتاجية العاملة. كذلك، يتم نهب مباني الكنائس على مرأى ومَسمَع من كل القيادات المسيحية العالمية والكهنة، وها هم المستوطنون يتطلعون بنهم إلى مسجد عمر الموَاجِه لكنيسة المهد، وهو مجاور لبيت جدي جريس موسى دبدوب؛ وجدتي ريحانة؛ والجدة «أم بطرس»، وجداتي الأُخريات اللواتي كُن يقدمن هدايا لهذا المسجد وكنيسة المهد المقابِلة له، ولكل مسجد غيره، وهي عبارة عن «تنكة» زيت زيتون نقي وطازج «نخب أول من العصرة البِكر» من أراضيهم الشاسعة الواسعة التي يستولي الاحتلال عليها، وغيرها الكثير من الهدايا.
هذه اللياقة الشعبية والتقاليد المسيحية الإسلامية في بيت لحم تؤكد اللُحمَة الأبدية لشعبنا على الأرض المُقدّسة، التي أرادها الله أيقونة سلام بوجه صراعات العالم. أنا أُؤْمِن بأن عدوان كل عدوٍ ومُحتل على أرض الله سيلقى جزاءه القاصم من عنده تعالى قبل شروع البشر بمحاسبة لقطاء الأرض المدججين بتكنولوجيات تدميرية أجنبية.
كنت أود اليوم نشر مقالة أخرى غير هذه، أتناول فيها كتاباً قديماً، نشره في 1989 أخي المناضل (سعاده صالح سوداح)، وهو كاتب ومُحلّل سياسي تاريخي شهير وأحد أفذاذ عائلتنا الكبيرة، الذي يُحافِظ بإبداعاته النشرية على ألق ومسيرة ونهج والده المرحوم (صالح)، ويَحفظ مكانته في الأعالي.
الكتاب؛ وعنوانه «أسئلة صعبة في زمن الانتفاضة والاستقلال»؛ يتحدث عن طائفة واسعة من القضايا ومنها الفلسطينية والمشروع التحرري العربي. هذا الإصدار هو الأول الذي أجده على أرفف الكتب الأردنية، وكان قد أصدره (سعاده) في نيقوسيا. لقد انشغلت عشرات السنين في البحث عن دُررٍ موثقة ورقياً لأدباء وسياسيي وكتّاب عائلة سوداح، إلا أنني لم أوفق سوى الإثنين الماضي حين وجدت هذا الكتاب الذي يزن ثقله ذهباً، في «مكتبة الأزبكية» الشهيرة القريبة من منزلي، والتي يُديرها صديقي الوطني والمثقف والكاتب الكبير حسين ياسين.
النقلات الاحتلالية الصهيوإسرائيلية في بيت لحم تتصدر نشرات الأنباء، ولزاماٌ علينا الكتابة عنها. فبيت لحم التي كنت أنتقل للعيش فيها ثلاثة أشهر كل سنة، قبل عدوان 1967، وأُقدّس كل حَجر وذرة تراب فيها، غدت مُشرّدة، يُتَاجر بها حُرّاس جهنم، وتتعرض فيها كلمة الله الآب وآثار الإيمان إلى اعتقال ودهم وتدمير.. لقد آن الآوان لِكَنس المُعتدين الذين لا يفهمون سوى لغة القوة المَسنودة بقيم العدالة والقدسية ولا يرتدون عن غَيّهم سوى بوحدتنا ووعينا وتحالفاتنا الدولية الفاعلة.