CGTN العربية/
منذ تطبيق الصين سياستها للإصلاح والانفتاح، انخفض عدد الفقراء في المناطق الريفية في الصين من 770 مليون نسمة في عام 1978 إلى 5.51 مليون في نهاية عام 2019، وجذبت إنجازات الصين للقضاء على الفقر اهتماما عالميا. يعد العام الجاري شوطا أخيرا ونهائيا لتحقيق أهداف ومهمات التغلب على المشاكل المستعصية للقضاء على الفقر، حيث إن مشكلة الفقر المطلقة التي ابتليت بها الأمة الصينية منذ آلاف السنين ستنتهي قريبا بشكل تاريخي.
حققت التنمية الاقتصادية في الصين نتائج ملحوظة، ولكن عمليتها صعبة للغاية. فخلال هذه السنوات، كيف تخلص مئات الملايين من المزارعين الصينيين من الفقر يا ترى؟ ما هي التجربة التي ساهمت الصين بها للعالم؟
كيف يتخلص المزارعون الصينيون من الفقر؟
في الماضي، كان الفقر في الأرياف الصينية يرجع بشكل رئيسي إلى انخفاض مستوى التنمية الاقتصادية للبلاد آنذاك.
في مطلع تأسيس الصين الجديدة، كان من الصعب أن يحصل معضم المزارعين على فرص تنمية أخرى لذا يضطر القرويون إلى العمل في زراعة الأراض، والسبب في ذلك يرجع إلى تميز الصين، بصفتها دولة زراعية، بعدد كبير من السكان ومساحة قليلة من الأراض، وعدم السماح بتوطين المزارعين في المدن ذلك الوقت.
بعد سنوات عديدة من التطور الصناعي، والتسويق والعولمة منذ إطلاق الإصلاح والانفتاح في الصين، ازدادت التنمية الاقتصادية في الصين بشكل سريع، وبدأ عدد الفقراء في الانخفاض بشكل كبير. على سبيل الذكر لا الحصر، خلال عملية التكوين لسوق القوة العاملة بشكل تدريجي، سمح للمزارعين بدخول المدينة للعمل، كما تمت إزالة الحواجز أمام المزارعين لدخول الصناعتين الثانية والثالثية، لذا حصل المزارعون على نطاق واسع من فرص التنمية والدخل.
بالنسبة إلى الصين، فإن السبب الأساسي للمنجزات المحققة في القضاء على الفقر في الوقت الراهن هو التنمية الاقتصادية المستدامة. في عام 1978، كان معدل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للصين أكثر من 300 دولار أمريكي فقط، وتجاوز عشرة آلاف دولار أمريكي بحلول عام 2019، والذي شكل أساسا اقتصاديا أكثر متانة في الصين لمعدل الفقر الريفي في انخقاض من 97.5% إلى 1.7%.
تنفيذ الانتقال من “برنامج إنمائي لتخفيف حدة الفقر ” إلى “برنامج دقيق للتخفيف من حدة الفقر “
مع تحسن مستوى التنمية الاقتصادية ومساعدة السياسات ذات الصلة، تغيرت أسباب الفقر في المناطق الريفية في الصين من الفقر بشكل عمومي إلى الفقر بشكل مختلف، وهناك اختلافات معينة في العوامل التي تسبب الفقر في مناطق مختلفة. في الوقت الحاضر، يتركز غالبية الفقراء للمناطق الريفية في مناطق القواعد الثورية القديمة ومناطق الأقليات العرقية الذاتية الحكم والمناطق الحدودية البرية والمناطق النامية. حيث إن هذه المناطق لديها أسباب متمثلة في البيئة السيئة والبنية التحتية البسيطة ومستوى التعليم المنخفض والظروف الطبية السيئة وغيرها.
تجاه المشاكل المتواجدة في هذه المناطق، تم إصدار التخطيط المعني من قبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني واحدة تلو الأخرى وشكلت تدريجيا سياسات شاملة للتخفيف من حدة الفقر والتنمية. اختار المسؤولون المحافظات الفقيرة وفقا للسياسات المعنية وقدموا دعما رئيسيا للتنمية الإقليمية. هناك العديد من الطرق للدعم بما في ذلك تعبيد الطرق وتشييد الجسور وإدخال التكنولوجيا وغيرها. بفضل سلسلة النقل والمواصلات، يحصل المزارعون على المزيد من الفرص، بما فيها التوجيه الفني، مما حقق للمنتجات الزراعية التحسين من جودتها وترقية مستواها، لتصبح أكثر تنافسية. على سبيل المثال، كانت المناطق الجبلية في جنوب مقاطعة شنشي بشمال غربي الصين، مقيدة سابقا بوسائل النقل، ولا يمكن بيع المنتجات الزراعية إلا داخل المحافظة. بعد تعبيد الطرق، أقامت العديد من القرى روابط مع الأسواق الخارجية، مما تم سهل الموارد الزراعية خارجيا، بحيث تمكن المزارعون من التخلص من الفقر بسرعة.
في عام 2014، وبناء على الإنجازات التي حققتها البلاد والمشاكل التي كشفت عنها خلال عملية التخفيف من حدة الفقر سابقا، اقترحت الحكومة المركزية برنامجا دقيقا للتخفيف من حدة الفقر، والذي ركز على مساعدة الأسر الفقيرة بشكل مباشر، وتحليل متعمق لأسباب الفقر للأسر والقرى الفقيرة، ووضع خطط مساعدة محددة وفقا للظروف الفعلية.
بالإضافة إلى ذلك، يركز “البرنامج الدقيق للتخفيف من حدة الفقر” أيضا على تخفيف الفقر من خلال التعليم. وفقا لدراسة أجراها البنك الدولي، وباستخدام خط الفقر للبنك الدولي كمعيار، فإذا كانت للقوة العاملة في الأسرة أقل من ست سنوات من التعليم، فإن معدل المعاناة من الفقر يكون أكبر من 16%؛ وإذا زادت فترة التعليم بمقدار ثلاث سنوات، سينخفض معدل الفقر إلى 7%؛ وإذا كانت فترة التعليم من تسع إلى 12 سنة، سينخفض معدل الفقر إلى 2.5%؛ وإذا تجاوزت فترة التعليم 12 عاما، فلن يكون هناك فقر تقريبا.
إن مشروع تخفيف الفقر من خلال التعليم له دور أساسي، ويعد مفتاحا لتخلص من الفقر بشكل مستقر كما أنه وسيلة مهمة لمنع انتقال الفقر بين الأجيال.
لذلك، فيما يتعلق بالتخفيف من حدة الفقر من خلال التعليم، تطلب الدولة السيطرة على معدل إيقاف دراسات الطلاب وضمان معدل الالتحاق بالمدارس. في الوقت الحاضر، بلغ معدل الالتحاق بالمدارس في العديد من المحافظات الفقيرة 100%، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره في الماضي. هكذا يكون التحسن التعليمي كافيا للمساعدة في حل مشكلة الفقر في الأسرة.
على الرغم من أن التخفيف من حدة الفقر من خلال التعليم هو استثمار بطيء وشاق وطويل الأجل، إلا أن تأثيره أساسي، فهو يسمح لعدد متزايد من الأطفال في المناطق الفقيرة بإتقان المعرفة وتغيير مصيرهم وإفادة أسرهم.
إستراتيجية النهوض بالأرياف
يعد عام 2020 عاما أخيرا لضمان تحقيق أهداف ومهمات التغلب على المشاكل المستعصية للقضاء على الفقر، ولا شك في أن الصين ستحقق هدفها الأول في الذكرى المئوية، أي إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل عند الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني في عام 2021. فكيف يمكن للصين أن توطد من نتائجها بعد القضاء على الفقر المطلق؟
ذلك يتطلب تنفيذ إستراتيجية النهوض بالأرياف والتي تتماشى مع برنامج التغلب على المشاكل المستعصية للقضاء على الفقر، وبموجب ترتيب إستراتيجية “الخطوات الثلاث” للنهوض بالأرياف (هدفها هو أنه بحلول عام 2050، سيتم النهوض بالأرياف بشكل شامل، حيث أن تحقيق قوة الزراعة وجمال الأرياف وثراء الفلاحين بشكل كامل)، لحل المشاكل بحسب خصائصها الموجودة في كل مرحلة إستراتيجية.
خلال تنفيذ النهوض بالأرياف، تجدر الإشارة إلى أن معظم المناطق الريفية والمزارعين لا يزال يتعين عليهم حل مشكلة الضمان الأساسي أولا، والعامل الهام في هذه المشكلة هو ضمان الأرض.
باعتبارها “طريق التراجع” للمزارعين لدخول المدينة، فإن الزراعة صغيرة النمط القائمة على الزراعة الأسرية لا توفر المساكن للمزارعين فحسب، ولكنها تضمن دخل المزارعين من الأرض أيضا. وكذلك بسبب تواجد “طريق التراجع”، أصبحت الصين الدولة الوحيدة في العالم النامي التي لا يوجد بها أحياء فقيرة واسعة النطاق في المناطق الحضرية. طالما يمكن للمزارعين الاندماج مع الأرض، يتواجد هناك الضمان الأساسي، وأي صعوبات واجهتها الصين خلال تنميتها يمكن أن تكون “متغيرا سلميا”، والتي لعبت دورا كبيرا في الاستقرار الاجتماعي للصين.
في عام 2020، ستحقق الصين انتصارها النهائي في معركة التغلب على المشاكل المستعصية للقضاء على الفقر، حيث إن مشكلة الفقر المطلق والتي ابتليت بها الأمة الصينية منذ آلاف السنين ستنتهي قريبا بشكل تاريخي.