شبكة طريق الحرير الاخبارية/
بقلم: محمد بن الحبيب،
عضو الفرع الجزائري للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكُتاب العرب أصدقاء وحلفاء الصين
العلاقات الجزائرية الصينية قديمة ومتينة وهي عريقة تاريخيا ولها محطات ضاربة في الجذور منذ الاعتراف والدعم الصيني للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية قبل الإستقلال. والذي تبعه دعم الجزائر في استعادة جمهورية الصين الشعبية عضويتها الشرعية في الأمم المتحدة ، الأمرالذي يجعل زيارة رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد المجيد تبون إلى جمهورية الصين الشعبية أمرا طبيعيا ومتسقا مع تاريخ العلاقات بين الدولتين، فما هو الجديد الذي أضفى على هذه الزيارة الكثير من الخصوصية والمتابعة الدولية والترقب؟
أعتقد أن الظرف الدولي الخاص الذي يعرف تغيرات إستراتيجية تتعلق في جوهرها في إعادة هندسة العلاقات الدولية والعوامل الأساسية التي تحكمها هو ما أعطى للطرفين التطلع الكبير إلى إمكانية تفعيل هذا الرصيد الهام والعميق من الصداقة والتقارب في الرؤى لترجتمه في الأطر السياسية والاقتصادية لصالح شعبيهما والشعوب الأخرى، باعتبار الجزائر بوابة إستراتيجية لقارة إفريقيا.
بل إن بعض المراقبين يعتبرون أن هذا الظرف ناتج أساسا عن تغيير هام في المنظومة العالمية وليس مجرد تغير في هندسة العلاقات الدولية.
ولكن هذه التغيرات لها انعكاسات على كل من الجزائر والصين بحسب موقعهما الحالي في المعادلة الدولية، وهذا ما جعل الدولتين تلتقيان في هذه القمة الثنائية مستفيدتان من المساحات الإيجابية التي تمنحها مراحل التغيير والتحول في العالم والعلاقات بين الدول.
ففي الجزائر يقود الرئيس عبد المجيد تبون إصلاحات كبيرة على الصعيد الاقتصادي تهدف إلى بناء الجزائر الجديدة، مستغلة وبكل بعقلانية ورشادة كل مقوماتها وإمكاناتها الاقتصادية و متحررة من الريع وبعائدات متنوعة مستقلة عن عائدات المحروقات. تجوهرت هذه الإصلاحات في دعم الاستثمار والتخفيف من الإجراءات ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأعمال ذات الإدماج العالي وخاصة بعد تمتع الإرادة السياسية بالكثير من الاستقلالية في المحيط الدولي وتحررها من الالتزامات التقليدية التي كانت تكبح التنمية العادلة والشاملة للبلاد. وقد نالت للجزائر بفضل ذلك تقدير دولي كبير، خاصة في العمق الافريقي ولدى الأصدقاء الإستراتيجيين كروسيا والصين.
ومن جهة أخرى فلقد أكدت جمهورية الصين الشعبية في ظل الأحداث الدولية الأخيرة أن محاولات الهيمنة والتشويش أو الوصاية على بناء العلاقات ما بين الدول وتطوير اتفاقيات وتحالفات جديدة قوية ومستقلة يمكن تجاوزها بالحكمة والسلام مادامت الحكومات تسعى لمصلحة الشعوب ومصيرها المشترك ومصالحها التي تجمعها ولا تفرقها.
حيث إن الوضوح والفعالية التي تشهدها الدول الصاعدة حديثا سواء في قارة إفريقيا أو آسيا أو أمريكا إنما تعكس تجاوز كل قوى دول الشر التي لا ترى إلا الوصاية على غيرها ولا ترى إلا رأيها. وما حكمة الصين في التعامل مع تداعيات وباء كرونا ومستوى المسؤولية الذي أبدته برؤية للعالم المشترك في التحديات والحلول، أو موقفها في التعامل مع أزمة الحرب في أوكرانيا، الرامي إلى الدفع بما يحقق السلام وعدم التأجيج والنفخ في نيران الحرب، وذلك بالالتزامها بالحياد والموضوعية بفضل حكمة قيادتها الرشيدة على يد الرئيس شي جين بينغ.
كل ذلك يدفع بالطمأنينة ويؤكد على نشوء واقع جديد ومناخ دولي فسيح يسمح للدول التي تطمح إلى تحقيق التنمية وتعزيز حق شعوبها في الرفاهية والحياة الكريمة.
تعد جمهورية الصين الشعبية ثاني أقوى اقتصاديات في العالم و قريبا ستتصدر العالم، لتكون في آفاق 2030 القوة الاقتصادية الأولى. فهي تتمع بهذا القدر من الكفاءة لتولي الريادة في النظام العالمي الجديد.
الصين بالنسبة لدولة الجزائر الجديدة المتطلعة بإصلاحاتها، هي الوجهة الأنسب والأنفع دون منازع لإعطاء ديناميكية وفعالية لتلك الإصلاحات، وقد عبر بذلك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في لقائه مع التلفزيون الصيني خلال زيارته للصين، أن جمهورية الصين الشعبية اليوم هي واحدة من الدول العظمى في العالم بجدارة وما يميزها أنها تحترم الآخر ولا تبني علاقاتها وشراكاتها بالإملاءات الفوقية ولا تطمح لذلك ولا للهيمنة.
ولهذا فإن أهمية مخرجات هذه الزيارة التاريخية للرئيس الجزائري إلى جمهورية الصين الشعبية وما تجلبه من اهتمام ومتابعة واسعة النطاق، تكمن في التزامن التاريخي أيضا بين التغيرات الحاصلة في العلاقات الدولية التي يتجدد تشكيلها وتصاعد الالتفاف حول المبادرة الصينية “الحزام والطريق” والإعلان الجزائري الصريح عن التحالف الإستراتيجي الصينيوجزائري والذي تريد أن تعززه بإصلاحات عميقة في الجزائر وأن تخدمه بإحياء الدور الجزائري في قارة إفريقيا وهو ما سيعطي لمبادرة “الحزام والطريق” دفعا قويا على المستوى الافريقي.
إن التبادل التجاري الجزائري الصيني الذي قد ي 9 ملايير دولار في نهاية هذه السنة؛ يدل على مستوى العلاقات القوي بين الدولتين حاليا. ولكن بلوغ الاستثمارات الصينية 39 مليار دولار المعلن عنها في هذه الزيارة الهامة هو بمثابة بداية جديدة واعطاء خصوصية لهذه الزيارة التي تم عقد الاتفاق فيها بين عدة قطاعات وزارية على غرار التجارة وترقية الصادرات والصناعة، الطاقة والمناجم، والتعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الداخلية.. الخ.
والتي ستشمل تأهيل البنى التحتية الجزائرية وتعزيزها بمشاريع هامة على صعيد الموانئ والسكك الحديدية ومشاريع شراكة في إستغلال الطاقة والمعادن كما الحال بالمشروع الواحد في الحديد والصلب بمنجم غار جميلات بالجنوب الغربي الجزائري.
إن الصداقة الوطيدة بين الجزائروالصين، الممتدة في التاريخ تعد بحد ذاتها رصيدا قويا للبلدين في خدمة شعبيهما ومن خلالهما خدمة عدة شعوب خاصة الشعوب الإفريقية التي تعتبر الجزائر الجسر الجغرافي والسياسي للقارة وهذا ما يفسر الحكمة الصينية في هذا الدعم والاحتضان الكبير الذي عبرت عنه الصين في هذه الزيارة الهامة وهو ما سنلمس نتائجه في السنوات القليلة القادمة.