لقد اعتادت فوجيان أن تكون مركزًا مهمًا وبوابة طريق الحرير البحري، وملتقى للتعايش السلمي بين الحضارات والثقافات والأديان المختلفة التي جعلت منها متحفا طبيعيا لديانات العالم. وتعتبر تشيوانتشو نقطة مهمة لتبادل البضائع الصينية منذ أكثر من ألف عام، وتمثل تراثا ثقافيا بحريا عالميا فريدا من نوعه قبل “عصر الملاحة الكبرى” و”عصر الاكتشافات”، كما أن لميناء تشيوانتشو العتيق قيمة بارزة للبشرية جمعاء. ويبقى متحف “عالم القوارب الصينية” في تشيوانتشو شاهدا تاريخيا على التراث البحري للشعب الصيني ومركزا للتجارة البحرية العالمية في الصين خلال عهد أسرتي سونغ ويوان. وعن ميناء تشيوانتشو قال الرحالة الإيطالي ماركو بولو: “هناك جبال من التوابل والأحجار الكريمة والأخشاب الثمينة والزخارف الذهبية والفضية في السوق.” كما تركت الرحلات البحرية للأدميرال الصيني تشنغ خه، والذي عرف باسم “أسطورة الملاحة الشرقية” علامة تاريخية فارقة في تشيوانتشو.
ويمكن أن نرى من خلال الآثار العديدة للسفن الغارقة قبالة سواحل المنطقة مدى تأثيرها في التاريخ البحري للعالم باعتبارها نافذة للحضارة البحرية، ونقطة انطلاق طريق الحرير البحري الذي أطلق عليه أيضاً اسم ” طريق الخزف الصيني”، الذي لا تزال آثاره عالقة في “بيت الخزف” في مدينة ده هوا بفوجيان، عاصمة السيراميك في العالم، والذي جمع بين فن الخزف وفن المعماري، يمكن من خلاله اكتشاف جمال الخزف وفنون صناعته الموروثة منذ آلاف السنين. وقد كان خزف ده هوا منتج تصدير مهم على “طريق الحرير البحري” منذ عهد أسرتي سونغ ويوان، حيث كانت أواني الخزف الصيني نوعا ثانيا من الصادرات الصينية بكميات هائلة بعد الحرير، ولا يخلوا بيت في العالم منه.
كما لا تقتصر أثر طريق الحرير البحري في الخزف فحسب، بل تعتبر الهندسة المعمارية وسيلة نقل مهمة وجسر للتبادل الحضاري، حيث يُظهر “جسر آنبينغ” الواقع في مدينة تشيوانتشو الذي يُعتبر أطول جسر حجري عبر البحر في الصين التقنية الفريدة لبناء الجسور، باستخدام الألواح الخشبية التي غرست في الطمي كقواعد للجسر ووضع الجرانيت على القواعد التي بني عليها الجسر. وقد تم بناؤه لأول مرة في عام 1138 واكتمل في عام 1152 من قبل الرهبان ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين والسكان المحليين. كما غيّر الجسر وضع النقل المحلي الذي يعتمد بشكل أساسي على القوارب، وحسّن بشكل كبير من كفاءة النقل، ولعب دورًا مهمًا في تعزيز الرخاء التجاري.
بالإضافة إلى الجسور القديمة، تعتبر قرية دايمي المعروفة باسم “القرية المائية القديمة”، والملقبة باسم “قرية ثقافية تاريخية شهيرة بمقاطعة فوجيان” و”قرية ثقافية تاريخية شهيرة بالصين” على التوالي، وتتميز ببيوتها القديمة المبنية بالطوب الأحمر رمز الثقافة المعمارية، وجزءًا مهمًا من التراث الثقافي في مقاطعة فوجيان، وهي تحفة فنية تظهر تناغم النسب في الطبيعة والفن والعمارة في المنطقة.
وليس بعيدا، تقف المعدات الكبيرة شامخة تحكي قصة صناعة السفن في فوتشو بفوجيان، حيث شهدت المنطقة أول حوض حديث لبناء السفن في الصين، وأول مدرسة بحرية حديثة في الصين، وأول طائرة في الصين، وأول محرك بخاري عملي في الصين. وقد شهد مرفأ في ميناء ماوي بفوتشو خلال منصف القرن التاسع عشر، رسو سفن حربية وتجارية جاءت من مختلف البلدان، وهو أول حوض سفن حديث للصين، وأكبر حوض لبناء السفن في الشرق الأقصى.
كما تشتهر المنطقة بمعبد تشاوتشونغ التذكاري، المعرف أيضا بمتحف معركة ماجيانغ البحرية، تكريما للشهداء الذين لقوا حذفهم في معركة ماجيانغ، ولا يزال حتى اليوم تتفادى العديد من النساء الى المعبد للصلاة على أرواح الشهداء.
وإن إحياء الرؤى والأرواح المتجسدة في طريق الحرير البحري القديم لقب طريق الفخار والخزف البحري وطريق التوابل البحري في إطار مبادرة “الحزام والطريق” له أهمية كبيرة لجميع الشعوب التي تعيش في المنطقة والعالم كله. ويعد بناء “الحزام والطريق” طريقا للتعاون والكسب المشترك تدعم التنمية المشتركة وتحقق الازدهار المشترك، وطريقا للسلام والصداقة تعزز التفاهم والثقة والتواصل على مستويات مختلفة. اليوم، باعتبارها منطقة ذات تاريخ طويل من التبادلات الخارجية، ومحورية لطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، تستقبل مقاطعة فوجيان مرحلة جديدة من التنمية المنفتحة في إطار ” الحزام والطريق”، حيث تسعى المقاطعة لبناء ممر شامل في طريق الحرير البحري يجمع بين التبادلات البحرية والبرية والجوية والمعلوماتية.
كما تعمل على تعزيز التبادلات رفيعة المستوى مع الدول والمناطق المشاركة في بناء ” الحزام والطريق”، ويعد مشروع إنتاج البتروكيماويات الصيني ـ السعودي في مدينة تشيوانتشو أضخم مشروع استثماري صيني أجنبي في مقاطعة فوجيان، ومحطّة مهمة في التعاون بين البلدين في إطار مبادرة “الحزام والطريق” يدفع بصناعة البتروكيماويات في فوجيان للتطور قدما، وتشكيل مزايا جديدة على مستوى التعاون والمنافسة الدوليين. وتشارك الشركات الصينية في العديد من المشاريع المشتركة الأخرى في إطار ” الحزام والطريق”، بما في ذلك “المجمع الصناعي الصيني ـ الإندونيسي”، ومركز صناعة الاقتصاد الرقمي العالمي للأغذية جينغدونغ يوانغونغ، ومركز عرض تجارة الأغذية الدولية في مدينة فوتشينغ، التي يتمتع مطبخها بأطباق متنوعة بتنوع الثقافات عبر العالم.