في أفريل عام 2022، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الأمن العالمي، ودعا إلى التكيف مع المشهد الدولي المتغير بعمق وبروح التضامن والتصدي للتحديات الأمنية المعقدة والمتشابكة بعقلية تحقيق الربح للجميع، وخلق مسار جديد للأمن يتسم بالسعي إلى الحوار بدلا من المواجهة، وإلى الشراكة بدلا من الانحياز، وإلى الكسب المشترك بدلا من المحصلة الصفرية.
إن المبادرة توفر الحل الصيني من أجل مواجهة التحديات الأمنية الدولية وتجسد المفاهيم والمبادئ الأساسية لمفهوم مستقبل المجتمع المشترك للبشرية، وقد حظيت المبادرة بترحيب وتأييد واسع النطاق من المجتمع الدولي بما فيه الجزائر وأكثر من 80 دولة ومنظمة دولية.
لم تطرح الصين مبادرة الأمن العالمي فحسب ، بل تتخذ أيضا إجراءات لتنفيذ هذه المبادرة الرئيسية. في فبراير هذا العام، نشرت الصين رسميا الوثيقة المفاهيمية بشأن مبادرة الأمن العالمي، حيث تفسر المفاهيم الجوهرية لمبادرة الأمن العالمي على نحو أعمق وتطرح “التمسكات الستة”، أي التمسك بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، والتمسك باحترام سيادة كافة الدول وسلامة أراضيها، والتمسك بالالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والتمسك بمراعاة الهموم الأمنية المعقولة لكافة الدول، والتمسك بحل الخلافات والنزاعات بين الدول بطريقة سلمية عبر الحوار والتفاوض، والتمسك بتوفيق الجهود لصيانة الأمن في المجالات التقليدية وغير التقليدية، يجسد ذلك عزيمة الصين الحاسمة على الحفاظ على السلم والأمن الدولين.
يقوم الجانب الصيني بنشاط بدبلوماسية الوساطة، حيث تبذل الصين جهودًا حثيثة لدفع التسوية السياسية للقضايا الساخنة، مثل المسألة النووية الإيرانية وقضايا شبه الجزيرة الكورية وسوريا وفلسطين. في مارس هذا العام، حققت محادثات بيجينغ بين السعودية وإيران نتائج هامة، حيث اتفقت السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما. وأنه تنفيذ ناجح لمبادرة الأمن العالمي، ويشكل نموذجا يحتذى به لدول المنطقة في حل النزاعات والخلافات وتحقيق حسن الجوار عبر الحوار والتشاور.
في الآونة الأخيرة، أصدرت الصين وثيقة “موقف الصين من الحل السياسي للأزمة الأوكرانية”، وأجرى الرئيس الصيني شي جينبينغ لقاءات ومكالمات مع عديد من زعماء الدول بما فيهم رئيسا روسيا وأكرانيا، كما قام الممثل الخاص للحكومة الصينية للشؤون الأوراسية، بزيارة خمس دول بما فيها أوكرانيا وبولندا وفرنسا وألمانيا وروسيا للتواصل مع جميع الأطراف بشأن الحل السياسي للأزمة الأكرانية، الأمر الذي يوضح أن الصين تعمل على الحث على التصالح والتفاوض، وتقف بثبات على جانب السلام والجانب الصحيح من التاريخ.
يقوم الجانب الصيني بنشاط بتعزيز الحوار والتبادل في مجال الأمن الدولي، تدعم الصين دول منطقة إفريقيا لعقد مؤتمر السلام الأول “بين الصين والقرن الإفريقي”، حيث توصل إلى توافق هام لتعزيز السلام والحكم الرشيد والتنمية في المنطقة، وأضاف طاقة إيجابية في الحفاظ على الأمن والاستقرار في إفريقيا.
وأقام الجانب الصيني الدورة الثانية من منتدى أمن الشرق الأوسط، حيث طرح المقترحات الأربعة لإقامة إطار أمني جديد في الشرق الأوسط، كما يعمل الجانب الصيني بنشاط على دفع التعاون والتبادل مع جميع الأطراف في كافة المجالات في منظمة شنغهاي للتعاون ومؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا وغيرها من المنصات متعددة الأطراف، حيث حشد التوافق والجهود المشتركة للمجتمع الدولي لمواجهة التحديات الأمنية.
يعمل الجانب الصيني بنشاط على التعاون مع جميع الأطراف في مجالات مكافحة الجائحة ومكافحة الإرهاب، والأمن البيولوجي والأمن السيبراني والأمن الغذائي وتغير المناخ، وغيرها من المجالات الأمنية غير التقليدية.
منذ تفشي جائحة كوفيد-19، قدمت الصين أكثر من 2.2 مليار جرعة لقاح كوفيد-19 إلى أكثر من 120 دولة ومنظمة دولية، وإن الصين اقترحت مبادرة تعاون بشأن الأمن الغذائي العالمي في اجتماع مجموعة العشرين، ودفعت التوصل إلى “استراتيجية تعاون في مجال الأمن الغذائي لمجموعة بريكس”، حيث وفر الحل الصيني للأزمة الغذائية الراهنة، كما تم افتتاح مركز الصين ودول جزر المحيط الهادئ للتعاون والحد من مخاطر الكوارث رسميًا في فبراير من هذا العام، وأنه عمل قوي آخر اتخذته الصين لمساعدة البلدان النامية على مواجهة التحديات الأمنية غير التقليدية في إطار مبادرة الأمن العالمي.
إن الصين والجزائر كلاهما دولتان ناميتان ذات تأثير كبير، وتشاركان كثيرا من المفاهيم والآراء المشتركة والمتشابهة في مجال الأمن العالمي. كلاهما تتمسك باحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، وتتمسك بالالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتتمسك بالاهتمام بالهموم الأمنية المشروعة لكافة الدول على أساس مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة ومعارضة السعي الى الأمن القومي على حساب الأمن القومي للغير، وتتمسك بالاهتمام المتساوي بالأمن والتنمية وتسعى للقضاء على التربة التي تولد انعدام الأمن بسياسات شاملة وإيجاد الحلول الأساسية وطويلة الأمد بنشاط لتحقيق الأمن المستدام، وتدعو إلى التعاون الدولي للتصدي للتحديات الأمنية غير التقليدية مثل الإرهاب والتطرف العنيف والجريمة المنظمة ﺍﻟﻌﺎﺑﺮﺓ ﻟﻠﺤﺪﻭﺩ والاتجار بالمخدرات والأمن الغذائي والأمن الطاقوي والأمن السيبراني وتغير المناخ والوقاية من الأمراض المعدية ومكافحتها.
أجرت الصين والجزائر التعاون المثمر في مجالات مكافحة الإرهاب ومكافحة الجائحة وأمن البيانات ودفع التسوية السسياسية للقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا الساخنة الإقليمية والدولية، مما قدم مساهمات الإيجابية في تعزيز السلم والأمن في العالم.
إن السلام كالهواء وأشعة الشمس، نستفيد منه ولا نلمسه، بينما لا وجود لنا بدونه. وإن مبادرة الأمن العالمي منفعة عامة دولية أخرى لما قدمتها الصين، يتعين على جميع الدول التمسك بمبدأ التشاور والتعاون والمنفعة للجميع لتنفيذها. ستصبح الجزائر عضوا غير دائم بمجلس الأمن الدولي ابتداء من العام المقبل، وإن الصين مستعدة للعمل مع جميع الدول بما فيها الجزائر على التمسك بمفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية والتمسك بتعددية الأطراف الحقيقية لتنفيذ مبادرة الأمن العالمي وتعزيز السلم والأمن في العالم.