شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم: جعفر خضور
عند الحديث عن جمهورية الصين الشعبيّة التي يقودها الحزب الشيوعيّ الصينيّ منذ قرن ونيف، تتحرّض في العقل أسئلة كثيرة، في غمرة الغوص بين البدايات وخلفياتها، وكذلك التأسيس والإنجازات، ما يدفعك لتتبُّع الخطى حتى تشفي تعطّش معرفتك، كي لا تضيع بين التناقضات التي تضعك أمام سؤال آخر مُقارِن بين من وُظفّها و طوّعها لصالحه، وبين من انهار بسببها.
بالطبع، نتحدث هنا عن الشيوعية الماركسية، والتي يأخذها الحزب الشيوعيّ الصينيّ دليلاً لعمله، ولنكن أدقّ، الماركسية – اللينينة نسبةً لمفجّر الثورة “البلشفية” (الأغلبية)، التي أطاحت بنظام القياصرة في روسيا عام 1917، ويستجلب السؤال المُقارِن أهميته من البحث عن سرّ نجاح الحزب أولاً والذي أسس لصعود الصين وجعلها مُهيّئة لزعامة العالم ثانياً.
لا يمكن فصل تفوّق الحزب الشيوعي الصيني عن المراحل الدّامية والتطورات المتنامية التي مرَّ فيها، سواء تلك السابقة لتأسيسه أو التي قادها هو في خوض معاركه، فما قبل حرب الأفيون عام 1840 ليس كما بعدها، والتناقضات المستنتجة من الحرب العالمية الأولى، والاتفاقات اللامتكافئة التي أُبرمت مع القوى الغربية الرأسمالية، كلّ ذلك كانَ محرّضاً لثوراتٍ خاضها الحزب بشجاعة وقدّم فيها الملايين من شهداء الجيش الأحمر، ومنها، الحملة الشمالية، والحرب الثورية الزراعية، وحرب المقاومة ضد العدوان الياباني، وحرب التحرير، لتنتشل الصين من واقعٍ شبه مستعمر وفقير، إلى عصرٍ جديد تكون الريادة فيه لها، منذ تأسيسها عام 1949.
على مدار المائة عام الماضية، نما الحزب الشيوعي الصيني من حزب صغير يضم ما يزيد قليلاً عن 50 عضواً إلى أكبر حزب حاكم في العالم، مع أكثر من 95 مليون عضو في بلد يزيد عدد سكانه عن 1.4 مليار نسمة.
يتركّز نجاح الحزب الشيوعي في أنه حزب من الشعب وللشعب، اعتماده على توطيد التحالف بين الفلاحين والعمّال، والانطلاق من الواقع، والاعتماد على النفس، والاقتصاد في النفقة، والعمل المُجِدّ وأنَّ كل شيء من أجل الشعب، وهذا ما ورد في دستوره، ينصبّ عمله لتحقيق الهدف النهائي وهو تحقيق الشيوعية واستئصال جذور الرأسمالية وسدّ منافذ التهديدات التي قد تلحَق بالصين من هذا الباب، والقضاء على استغلال الإنسان للإنسان حتى تتحرر البشرية جمعاء وهذا نقيض الرأسمالية التي كافح للقضاء عليها والقائمة على استغلال الطبيعة البشرية لحساب أرباب العمل والمال، ويعتمد في تنظيمه على المركزية الديمقراطية ومبدأ الاندماج الثلاثي بين المسنين والكهول والشباب، في سبيل تعزيز الانضباط والتقيد بمبدأ القيادة الجماعية مع المسؤولية الفردية.
يهدف الحزب إلى تحقيق الشيوعية والاشتراكية، وهو ما أكّده المؤتمر الوطني الأول للحزب، انطلاقاً من الواقع وتطبيق المبادئ بروحٍ مبدعةٍ لحل المشكلات التي تعترض طريق نضاله، وهنا، يظهر الذكاء الصينيّ إذما قارنّا بين دليل عمله وأساسه النظري الذي يرشد تفكيره وهو “الماركسية – اللينينية” في الصين إضافةً للدراسة الجدّية لأفكار ما وتسي تونغ، وبين روسيا، والماركسية بشكلٍ عام، حيث أنَّ الماركسية تقول: “يجب أن نبقى اشتراكيين حتى نصل تدريجياً إلى الشيوعية”. وبالرغم من الخيط الرفيع الفاصل بين الشيوعية والاشتراكية، في مجال تأمين ما يحتاجه الفرد بنسبة مساهمته، وبين تأمين ما هو بحاجته، تتجه الصين الشيوعية لتحقيق الاشتراكية، قبل 7 أشهر تقريباً، قرر الحزب في إطار رؤيته المستقبلية تلخيص للأفكار والممارسات المتعلقة بثورة الصين وبناء الأمة، وتمت الموافقة على القرار في الجلسة السادسة للجنة المركزية الـ19، ويأتي هذا القرار في وقتٍ تسير فيه الصين لتحقيق الهدف المتمركز على أن تصبح الصين دولة اشتراكية حديثة بحلول تاريخ 2049، في روسيا فشلت تجربة الشيوعية وأودت بالاتحاد السوفياتيّ للانهيار من الداخل نتيجة عدم تطبيق الشيوعية بالشكل الموائم، ويقال أنه قبل سقوط الاتحاد السوفياتي بقليل، كان 20% من سكانه يعيشون في فقر على الرغم من مضي أكثر من 70 عامًا من حكم الشيوعية، وبرز ضعفه آنذاك في إهماله للزراعة وتوجهه لشراء الآلات حتى يرفد الصناعات الثقيلة، ولكن الصين دعّمت أساساً هامّاً يوثق عُرى العلاقة بين طبقة الفلاحين والعمال وكيف لا وهو حزب “البروليتاريا” والفلاحين، رغم أن الدراسات الماركسية وصفت الفلاحين بالرجعية وبأنهم تيار مناهض للثورة.
والأساس هو : “القاعدة الزراعية و القيادة الصناعية .
يلتزم الحزب منذ استلامه للسلطة بأهدافه الكبرى، ويقسّمها لأهداف فرعية تخدم الرؤية الصينية بعيدة الأمد، وسر نجاح الحزب في التكيف مع المستقبل، وعمله المتواصل للتقدم في تقنية الإنتاج وتحسين حياة الشعب بصورة تدريجية، وتوحيد الاتجاه السياسي نحو هدفٍ واحد يعمل على تحقيقه للسمو بالأمة الصينية وهو ما يمنع كثرة وجهات النظر المختلفة التي تجعل أفراد الشعب في حالة من الخناق وتعيق السير نحو الأمام سواء على المستوى الداخلي من خلال التطور، أو على المستوى الخارجي للوقوف في وجه الأعداء، فالصين بلدٌ متعدد القوميات، وتهدف لتعزيز اتحاد وصداقة القوميات والإسراع بتطورها الاقتصادي والثقافي يقول أحد الشباب العرب ممن زارو الصين: عندما تحاول أن تسأل أحد من أفراد الشعب الصيني عن انتماءه لأي فلسفة صينية وأيها يفضّل تتبادر الإجابة على ألسنتهم.. “أنا انتمي إلى الصين كلّها، أنا انتمي للحزب الشيوعي إنه يمثلّنا”.
ويمكن القول أنَّ ما عدا الحزب الشيوعيّ الصينيّ يسهم في تنفيذ السياسة العامة للدولة، لا في وضعها، وهنا تسهم البنية الفكرية للإنسان تآلفاً لبنى المجتمع الفكرية التي توجه الفكر الماليّ والتطوريّ، باختصار، عقلية الحزب الشيوعي الصيني هي : { حدّد الهدف وسرّ نحوه وأمّن وسائل تحقيق هذا الهدف }. وأمّا الهدف المتربّع على عرش الأولويات تحت قيادة موحّدة هو تجديد شباب الأمة الصينية.
تتميز السياسة الصينية بالقدرة على التوفيق في التقاطع ما بين المصلحة والإيدولوجيا، مع الحفاظ على التعاطي السلميّ مع مجمل التطورات الدولية العالمية ومنها العربية، ويتجلّى ذلك من خلال دعمها للمبادرات السلمية الحوارية بين الأطراف المتنازعة وهذا على خلاف مكمن عمل سياسة الولايات المتحدة الأميركية التي تُحارب كل الدول الغير متجاوبة مع سياساتها الخادمة للجماعات الضاغطة في مراكز صنع القرار الأميركي وهذا ما يدخل ضمن اللاهوت السياسيّ لها والعقيدة الناظمة لعملها، وهو ما يندرج ضمن استراتيجيتها : ” أمريكا أولاً “.
سياسـة الانفتـاح الاقتصـادي عام 1978 :
ساهمت سياسة الانفتاح في نمو اقتصاد الصين، وتحقيقها لأهداف الرفاه الاجتماعي، متبعةً سياسة خارجية براغماتية، وبفضل سياسات الإصلاح تم فتح الباب أمام الشركات الخاصة والحكومية للاستثمار في الأسواق الداخلية والخارجية بشكل أكبر، وهي تلعب وظائف عدّة في الاقتصاد الصيني، ومنها:
إنقاذ السوق عند الفشل، طرق مجالات يعزف عنها القطاع الخاص، وتحسين القدرة التنافسية للإنتاج المحلي، ودورٌ انتقالي بين الاقتصاد الموجه والحرّ.
كما وأدمجت شركات القطاع الخاص بالصناعات الثقيلة وعزز ذلك الملكية المشتركة التي تكسر احتكار الدّولة لبعض الصناعات ويؤمن لها موطئ قدم في السوق العالمية بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، ففي عام 2013 انتجت الصين نصف مليون سيارة للسوق الصينية والعالمية.
تتعدد مستويات النظام الاقتصادي الصيني حيث يتواجد، نظام للاقتصاد الصناعي والمناطقي والريفي والحضاري، ونظام للملكية المختلطة، وكلّها تراعي توزيع الدخل الوطني نحو تحقيق الازدهار، ونجحت سياسة الانفتاح في إخراج أكثر من 700 مليون فقير صيني من حالة الفقر، ولم يبق سوى 20 مليون فقير في الصين، ورسم الحزب الشيوعي الصيني خطة طموحة لتخليص هؤلاء من الفقر مع نهاية عام 2021، وهي الذكرى المئوية لتأسيس الحزب.
الاشـتراكية ذات الخصائـص الصينيـة :
يعتبر شي جينبينغ أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الحديث تقوم على الاستمرار في نهج أسلافه من زعماء الحزب، مع التركيز على استمرار وتعميق عملية الإصلاح الشاملة ولاسيما في القطاعات الاقتصادية والإدارية، واعتماد الأفكار العلمية لتحقيق الابتكارات التكنولوجية، مع الحفاظ على بيئة خضراء مستدامة، وأفق مفتوح ومتاح للجميع للتنمية، والتشديد على القيم الأخلاقية والمناقبية الاجتماعية ارتكازاً على مفاهيم الماركسية والشيوعية والاشتراكية ذات الخصائص الصينية، والتعايش الآمن مع الطبيعة عبر اعتماد مفاهيم الطاقات المتجددة والحفاظ على البيئة والإسهام في الأمن المناخي العالمي، وتعزيز الأمن الوطني الصيني، ورسم مصير مشترك بين الشعب الصيني وسائر شعوب العالم في بيئة عالمية خالية من الحروب، وتعزيز الانضباط الحزبي في صفوف أعضاء الحزب الشيوعي الصيني.
إنجازات صـينية عانقت الفضـاء، وخطوات متقدمـة في حفـظ السلام ومواجهة الجائحة العالمية :
تشير الدراسات إلى أن الصين حققت قفزات غير عادية إلى حد أنها أصبحت الآن منافسا كاملا للولايات المتحدة في كل من التقنيات التأسيسية المهمة في القرن الـ21، مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه المواصلات وعلوم المعلومات اللاسلكية والكمية والتكنولوجيا الحيوية والطاقة الخضراء.
وبالفعل تقدمت الصين في بعض هذه المجالات وتخطت الولايات المتحدة، في حين أن سعيها مستمر للوصول للريادة في بقية المجالات التي لا تزال الريادة فيها للولايات المتحدة.
تعتبر الصين ثاني أكبر مساهم في عمليات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة والدولة التي تضم أكبر عدد من قوات حفظ السلام من الأعضاء الدائمين،
قدمت ما يقارب ملياري دولار أميركي لمساعدة البلدان النامية المتضررة من وباء كورونا، ومساعدات مالية لأكثر من 50 دولة و 13 منظمة دولية في إطار مواجهة الوباء.
استبقت الصين حل لكارثة قاتلة تهدد البشرية وهي المجاعة عندما قرأت المستقبل بشكل جيد قبل 3 سنوات، فاليوم نحن أمام قرارات إيقاف لتصدير الحبوب من روسيا والهند وأوكرانيا، أي أمام مجاعة حتمية، وبرزت قراءة الصين في تخزينها ما يكفي لإطعام مليار ونصف لمدة 10 سنوات.
أيضاً، نرى اليوم تبنٍ لاستراتيجية الصين في مواجهة وباء كورونا من قبل كوريا الشمالية.
مبادرة الحزام والطريق مفتاح علاقات الصين مع الدول العربية :
لا يمكن إغفال مبادرة الحزام والطريق والتي يمكن القول أنها لم تَعُد مبادرة فقط بقدر ما أصبحت برنامج عمل في مناخ تفرضه طبيعة السياسات الدّولية، وهي ستمكّن الصين من لعب دور محوري على صعيد الاقتصاد العالميّ، المبادرة إحياء لطريق الحرير الذي كان ينطلق من الصين وبالأخصّ قبيلة “هان” والذي مرّ فيه الحرير الصيني، كما أنه صلة الوصل بين القارات الثلاث، ولعلَّ من أكثر الدول عربياً التي تغذّت من المبادرة السعودية والإمارات، حيث وصل مستوى التعاون لتوقيع 30 اتفاقية اقتصادية وبنسبة 28 مليار دولار، وبلغ حجم التعاون الصيني – الإماراتي لدرجة وجود 6 آلاف شركة صينية.
و في هذا السياق، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين 100 تريليون يوان صيني (حوالي 16 تريليون دولار أمريكي)، وتجاوز نصيب الفرد للناتج المحلي الإجمالي 10 آلاف دولار.
تربط الصين وسورية علاقات تاريخية على مدار 6 عقود وتزيد، كان بادئها اتفاقية تعاون اقتصادي عام 1955، إضافة لتوريد صواريخ تحدياً لعقوبات غربية أميركية فُرضت عليها، ووقع الجانبان العديد من الاتفاقيات منها: اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة، والاتفاق على تقديم قرض بقيمة مائة مليون يوان لمدة عشر سنوات، لاستخدامه في تمويل مشاريع بترولية ومعامل إنتاج الغزل في مدينة حماة السورية عام 1996. كما قدمت الحكومة الصينية عدة منح بقيمة عشرين مليون يوان على شكل هبات لا ترد خلال عام 1999. وشهد التبادل التجاري بين البلدين تطوراً ملحوظاً، فارتفع من سبعين مليون دولار أميركي عام 1989 إلى مائة وخمسين مليون دولار أميركي في عام 2000.
واليوم الموقف الصيني من الحرب على سورية الذي يدرك طبيعة الحرب عليها ومن أطرافها، والإسناد السياسي لها عبر استخدام حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن.
برأيي، وبعد الاطلاع الموسّع على التاريخ الصيني العظيم والكبير والتطور المتنامي بإطراد، وفي نفس الوقت الرغبة الصينية في مدّ جسور من التواصل مع الدول العربية للمساهمة في الاستفادة من تجربة الحزب الشيوعي الصيني الموحد، الذي يسعى لمساعدة العالم لا السيطرة عليه، يجب إفراد مجالات أكبر للتعاون مع الصين، وفي سورية نحن بحاجة كبرى للتعاون معها ولا سيما في ملف إعادة الإعمار، صحيح أن الازدهار بحاجة إلى استقرار، إلى أن مساحات جغرافية كبيرة اليوم مستقرة ويمكن البناء فيها وعليها، فسورية ضرورة للصين كما الصين ضرورة لسورية، على مستوى التعاون والأفق المستقبليّ، فسورية جزء لا يتجزء من طريق الحرير أولاً، وخروجها من الحرب عليها يسمح لها بلعب دور مهم، في ظلّ مناخ يوحي بصعود أصدقاءها على خشبة المسرح العالمي، واقترح هنا :
وأخيراً، التحية للحزب الشيوعي الصيني الموحد الذي انتشل الصين من مغبات الفقر واليأس وجعلها رقماً صعباً وعنواناً للتوازن الدولي والعالمي المصدِّر للسلام والخير لشعوب الأرض قاطبة والذي أعادَ أمجاد الأمة الصينية قبل 4 آلاف سنة قبل الميلاد، عندما تبحّرت في تاريخ الصين وحزبها عرفت لماذا أنَّ أطرافاً غربية ترتّب خططاً لمحاربة الشيوعية وتيقّنت من ذلك، فكان الجوهر أنه أينما حلّت الشيوعية وتطبّقت بعقلانية واتزان كبيرين هددت مصالح الرأسمالية العالمية التي تحتل الدول وتهجّر الشعوب حتى تحقق آمالها وتطلّعاتها ولو على حساب عظام الجماجم البشرية.
**ملاحظة المحرر: تعكس المقالة الرأي الشخصي للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة طريق الحرير الصيني الاخبارية.