شبكة طريق الحرير الإخبارية/
باكو، 4 فبراير، (أذرتاج)
في نهاية القرن التاسع عشر كانت في باكو عدة مدارس للنساء منها مدرسة القديسة نينا وجمنازيوم ماريا. لكن هذه المدارس العلمانية كانت تدرس باللغة الروسية. ولم تكن مدرسة موجودة في باكو، وحتى في الشرق الإسلامي بأسره حينذاك تدرّس للبنات المسلمات العلوم العلمانية باللغة المحلية.
وفكرة إنشاء هذه المدرسة في باكو جاءت من لدن صاحب المشاريع الكبيرة وصاحب حقول النفط الحاج زين العابدين تقييف.
كان هذه الشخصية الكبيرة يتفهم مدى دور المرأة المتعلمة في تربية إنسان مثقف. فتوجه برسالة إلى القيصر الروسي آلكساندر الثالث للاستئذان بافتتاح مدرسة للبنات في باكو، لكنه رفض هذه الفكرة. وانتظر تقييف حتى تتويج ابنه نيكولاي الثاني قيصرا لروسيا.
فأرسل إلى الملكة آلكساندر فيدوروفنا هدية ثمينة وطلب منها المساعدة في مسألة افتتاح مدرسة للبنات المسلمات في باكو ووعد بإطلاق اسمها على هذه المدرسة. بعد مرور عامين تلقى تقييف الإذن لهذا العمل النبيل.
لكن تقييف واجه في هذه المرة ضغوطا قوية من قبل المتدينين المتطرفين ورجال الدين الذين كانوا يعارضون تعليم البنات المسلمات في المدارس. وجد تقييف طريقا معقولا لإقناعهم على أهمية التعليم في هذه المدرسة وأرسل مبعوثه بالهدايا القيمة إلى رجالات الدين البارزين في العتبات المقدسة في العراق وفي البلدان الإسلامية الأخرى لإحضار كتابة منهم تشير إلى أهمية مدرسة في حياة النساء. بعد حصوله على الكتابة قدمها إلى الملالي المحليين وبدأ إنشاء المدرسة.
لتنفيذ هذا المشروع دعا المعماري البولندي الشهير يوسف قوسلافسكي. بدأت أعمال الإنشاء عام 1898 وأنجزت المدرسة نهاية عام 1900.
استجاب المبنى لكل المتطلبات الضرورية للمدرسة حينذاك. كانت في الطابق الأول غرف الدرس ومختبرات ومكتبة غنية مع قاعة المطالعة وغرفة الاستقبال. وجميع غرف الدرس كانت مزودة بالمعدات والأشياء اللازمة مثل الخرائط والحيوانات والطيور المحنطة ومجسم الكرة الأرضية وغيرها.
كانت تقع في الطابق الثاني مطعم وغرف للنوم وغرف للمدرسات ونائبة المديرة والطبيبة ومصلى.
أما الحمام ونقطة طبية وغسالة وغيرها من الخدمات فكانت في فناء المبنى وسط حديقة جميلة.
في المدرسة التي كانت تختلف تماما عن الكتاتيب القديمة التقليدية وكانت مدرسة جديدة من نوعها في الشرق الإسلامي عموما كانت تعلم البنات الأمور المنزلية والحرف اليدوية والخياطة الى جانب العلوم. أصبحت خريجات هذه المدرسة كوادر رئيسية – المدرسات الأوليات في البلد. بعد ذلك واصلت الكثير منهن دراساتهن لتصبحن طبيبات وخبيرات في الاقتصاد وفي عمل المكتبات وعالمات ورسامات.
في أيام عيد نيروز وعيد الأضحى كانت التلاميذ يقمن معرضا لاعمالهن اليدوية. وكان يدعى اليه أقربائهن ويجلسون حول مائدة الطعام ويتفقدون المدرسة. وكل ذلك سبب في زيادة شهرة مدرسة البنات المسلمات في القوقاز وخارجها.
في السنوات الأولى من الدراسة كانت البنات ترتدين الحجاب، فيما بعد تم استبدال هذا بالزي المدرسي الخاص وبالزي المكرس للأعياد والفعاليات الخاصة.
في الأعياد كانت البنات تزورون السينما أو مسرح تقييف. بعد تفرج المسرحيات كانت البنات يكتبن آراءهن عنها.
قصارى القول، كانت البنات تتلقين معارف شاملة. كانت السيدة سونا زوجة تقييف تأتي أحيانا الى المدرسة لتفقد سير الأمور فيها.
كلمات قالها الحاج زين العابدين تقييف في حديثها مع البنات مهمة وقائمة في كل الأزمنة: “بناتي، تعلمن بكل دأب، إن السعادة في الدراسة. افهمن أن المعرفة ثروة كبيرة”.
يقع معهد المخطوطات الأذربيجاني حاليا في مبنى هذه المدرسة.