خاص بشبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
*الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف
تأتى ظروف إنعقاد (المؤتمر الوزارى الثامن لمنتدى التعاون الصينى الأفريقى “فوكاك”) فى يومى ٢٩ – ٣٠ نوفمبر ٢٠٢١، فى العاصمة السنغالية “داكار” لتعكس التحديات التى واجهت الطرفين بعد إنتشار ظروف جائحة كورونا “كوفيد-١٩”، ويعد تأسيس (منتدى التعاون الصينى الأفريقى) فى أكتوبر عام ٢٠٠٠ فى خطوة تتماشى مع متطلبات العصر، وتعكس الرغبة المشتركة للشعب الصينى والشعوب الأفريقية فى تحقيق السلام والتنمية والتعاون فى ظل الظروف الجديدة. وعلى مدار أكثر من ٢٠ عام، منذ بداية تأسيس هذا المنتدى، تطورت آلية التعاون بين الطرفين الصينى والأفريقى بإستمرار، وأحرزت منجزات هامة.
وينعقد هذا الإجتماع الوزارى الثامن لإستعراض كافة فرص التعاون الصينى الأفريقى، ولفتح آفاق جديدة للشراكة الإستراتيجية الصينية الأفريقية والتأكيد على إنشاء منطقة التجارة الحرة بين الصين وأفريقيا. وسيتعين على الجانبين العمل على وضع خطة مستقبلية للتعاون بينهما فى المرحلة المقبلة، لإرساء أسس متينة لتحقيق تطور جديد وأكبر للعلاقات الصينية الأفريقية، فيما بعد (كوفيد-١٩).
– أولاً: جدول أعمال المؤتمر الوزارى الثامن لمنتدى التعاون الصينى الأفريقى “فوكاك”
لذلك فإن أبرز النقاط التى يتضمنها جدول الأعمال، هى التعاون المثمر والدعم المستمر بين دول القارة الأفريقية والصين. فبإعتبار الصين أكبر دولة نامية فى العالم، بينما تعد أفريقيا قارة تجمع أكبر عدد من الدول النامية. فمن هنا نجد أن أبرز مجالات التعاون الحالى بين الجانبان الصينى والأفريقى، يتمثل فى:
١- تعزيز المواءمة الإستراتيجية والتنسيق السياسى ودفع التعاون الصينى الأفريقى فى بناء “الحزام والطريق”.
٢- ربط “مبادرة الحزام والطريق بأجندة ٢٠٦٣ للإتحاد الأفريقى وأجندة التنمية المستدامة ٢٠٣٠ للأمم المتحدة” مع كافة الإستراتيجيات التنموية للدول الأفريقية بشكل وثيق.
٣- إعطاء الأولوية لتنفيذ (الأهداف الثمانى للتعاون الصينى الأفريقى)، والمتمثلة فى: (التنمية الصناعية، ترابط المنشآت، تسهيل التجارة والتنمية الخضراء، بناء القدرات والصحة والتواصل الشعبى والسلم والأمن). وذلك من شأنه أن يزيد الفرص والقوة الدافعة للتعاون الصينى الأفريقى.
٤- التركيز على تعميق الشراكة الصينية الأفريقية (كجزء هام للتعاون بين الجنوب والجنوب)، وتأتى هذه العلاقات بفرص لأفريقيا كى تضفى ديناميكية جديدة للإقتصاد العالمى.
٥- ويلعب منتدى التعاون الصينى الأفريقى دوراً أكبر فى (مكافحة الفقر- رفع قدرة أفريقيا على التنمية الذاتية- تطوير الإقتصاد الأخضر- تعزيز التواصل الإنسانى بين الطرفين).
٦- يعمل الإتحاد الأفريقى بدعم من الأمم المتحدة بكل ثبات للتعاون بين الصين وأفريقيا، وبذل الجهود المشتركة مع الجانبين لتحقيق (السلام الدائم والتنمية والرخاء فى العالم وبالأخص الدول النامية).
٧- ويجمع الجانبان الصينى والأفريقى على (التعاون والكسب المشترك والتنمية المشتركة)، مع مواصلة الجانب الصينى الإلتزام بمفهوم الشفافية والعدالة والمنفعة المتبادل والعمل مع الجانب الأفريقى لدعم الثقة المتبادلة بين الصين وأفريقيا، بما يدفع علاقات الشراكة والتعاون الإستراتيجى الشامل بين الصين وأفريقيا للتقدم على نحو أكثر عمقاً وفعالية وبخطوات ثابتة ومستمرة.
وعلى هذا النحو، يمكن إعتبار أن التعاون الصينى الأفريقى كنموذج للشراكة الدولية، هو جزءاً من التعاون الدولى مع أفريقيا، يلتزم بمعايير (المنفعة المتبادلة والكسب المشترك والإنفتاح والشمول، التعلم من بعضهم البعض، توظيف المزايا لكل منهم وتوحيد الجهود، المساهمة بشكل مشترك فى السلام والتنمية فى أفريقيا). لذلك تقوم الإستراتيجية الصينية على إحترام سيادة الدول الأفريقية والإصغاء إلى آراءها والإهتمام بمواقفها والوفاء بالوعود تجاهها.
– ثانياً: أبرز مجالات التعاون الصينى الأفريقى فى إطار منتدى “فوكاك”
تتعدد مجالات التعاون بين الصين ودول القارة الأفريقية فى إطار جهود مشتركة مع “منتدى التعاون الصينى الأفريقى” الفوكاك، وأبرز مجالات التعاون الصينى الأفريقى، هى:
– أولاً: توسيع التعاون فى (مجالات الإستثمار والتمويل لمساعدة أفريقيا على تحقيق التنمية المستدامة). وفى هذا الإطار، وتعهد الصين بتوفير قروضاً قدرها ٦٠ مليار دولار للدول الأفريقية، لتطوير قطاعات البنية التحتية والزراعة والتصنيع والشركات الصغيرة والمتوسطة فى أفريقيا.
– ثانياً: مواصلة زيادة المساعدات لأفريقيا بما فيها المساعدات الإنسانية والطبية بعد (كوفيد-١٩)، بما يجعل الشعوب الأفريقية تستفيد من ثمار التنمية. ومن هنا ستعمل الصين على (زيادة عدد المراكز النموذجية للتكنولوجيا الزراعية فى أفريقيا، وتدريب ٣٠ ألف مواطن أفريقى) فى التخصصات المختلفة، وتوفير آلاف المنح الدراسية الحكومية، وإرسال ١٥٠٠ طبيب من بعثاتها الطبية للمساعدة فى القضاء على الأوبئة ومكافحة الأمراض المتوطنة والفيروسات فل القارة الأفريقية كوباء الأيبولا وفيروس كورونا، فضلاً عن مساعدة الدول الأفريقية فى بناء البنية التحتية للأرصاد الجوية وحماية وإدارة الغابات.
– ثالثاً: دعم عملية التكامل الأفريقى لمساعدة القارة على رفع قدرتها التنموية. فى هذا الإطار، أقامت الصين مع أفريقيا (علاقات الشراكة والتعاون فى تنفيذ مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود والأقاليم).
– رابعاً: ترسيخ الصداقة بين الشعب الصينى والشعوب الأفريقية لإرساء أسس شعبية متينة للتنمية الصينية الأفريقية المشتركة، من خلال دعوة الصين إلى إطلاق “حملة الصداقة بين الشعب الصينى والشعوب الأفريقية”، وإنشاء “مركز التبادل الإعلامى الصينى الأفريقى” فى الصين، ومواصلة تنفيذ “البرنامج الصينى الأفريقى للبحوث المشتركة”.
– خامساً: تدعيم السلام والإستقرار فى أفريقيا لتهيئة بيئة آمنة للتنمية فى أفريقيا. وذلك عبر إطلاق الصين “مبادرة الشراكة والتعاون الصينية الأفريقية لتدعيم السلام والأمن”، وقيام الحكومة الصينية بتدريب المزيد من المسؤولين للإتحاد الأفريقى فى (مجال شؤون السلام والأمن وتجنب الصراعات والتنمية وحفظ السلام).
وبناءً عليه، يمكننا الوصول إلى تحليل هام، ألا وهو أن إطلاق المبادرات التنموية الصينية الأفريقية للتعاون فى إطار “منتدى فوكاك للتعاون بين الصين وأفريقيا”، يأتى فى إطار إستراتيجية جهود التعاون بين “الجنوب-الجنوب”، كتعاون مثالى بين الطرفين الصينى الأفريقى، خاصةً مع (الدور البارز للبنوك والشركات الصينية بتمويل وبناء محطات الطاقة والسكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ، وكذلك البنية التحتية للاتصالات وكابلات الألياف الضوئية والمدن الذكية فى البلدان الأفريقية)، وإذا إستمرت تلك المبادرات الصينية فى تنفيذ أهدافها، سوف تتمكن الصين من تحفيز النمو الإقتصادى العالمى ثم الأفريقى، وتلبية الصين لإحتياجات البلاد النامية لأمد طويل.
– ثالثاً: تقييم نموذج وتجربة الإجتماع الوزارى والتعاون الصينى الأفريقى “فوكاك”
بتقييم نموذج التعاون الوزارى الصينى الأفريقى، فنجد توصل قادة الجانبين الصينى والأفريقى إلى توافق مهم حول كافة القضايا الهامة بما أطلقوه من أصوات موحدة. لذلك تكللت القم والإجتماعات الوزارية السابقة بين الصين ودول الإتحاد الأفريقى بنجاح تام وحصدت ثماراً وافرة، وسجلت صفحة تاريخية جديدة للعلاقات الصينية الإفريقية، وشكلت (معلماً عصرياً جديداً لنموذج التعاون بين الجنوب-الجنوب). ومن أهم الرسائل والإنجازات التى تحققت والخبرة المكتسبة من الإجتماعات الوزارية والقمم السابقة بين الصين وأفريقيا، هى كالآتى:
١) نجد إهتمام قادة الجانبين الصينى والأفريقى على عقد لقاءات ثنائية مكثفة أو إجتماعات وزيارات متبادلة، مع حرص عدد من قادة الدول والحكومات الأفريقية بزيارة الصين (لتبادل الآراء بشكل معمق حول العلاقات الثنائية والقضايا ذات الإهتمام المشترك، وبالأخص المتعلقة بالمسائل التجارية والإستثمارات المشتركة بين الطرفين).
٢) ورغم مضى أكثر من ٢١ عاماً على تأسيس منتدى التعاون الصينى الأفريقى، فقد جاء متماشياً مع تيار العصر وتطور مع تقدم التعاون الصينى الأفريقى، وإزداد نضجاً وإستكمالاً مع مرور الوقت، وقد أصبح (معلماً للتعاون الدولى مع أفريقيا ونموذج للتعاون بين الجنوب-الجنوب).
٣) وهنا فإن الإجتماع الوزارى الثامن لأفريقيا والصين يهدف إلى تعزيز علاقات الشراكة والتعاون الإستراتيجى الشامل بين الصين وأفريقيا من منطلق تاريخى جديد، ويفتح لها مسيرة تاريخية جديدة، بما بذل من جهود مشتركة لتفعيل وتقوية منتدى التعاون بين الصين وأفريقيا، ومن أجل (تنفيذ مخرجات قمم “فوكاك” السابقة لدعم التعاون مع بكين بشكل شامل وفعال، بما يعود بالفوائد الملموسة على شعوب الجانبين الصينى والأفريقى).
٤) وعند تقييمنا لأهم الإجراءات التى فعلتها الحكومة الصينية فى الإجتماع الوزارى الثامن، بالإضافة للإجتماعات السابقة التى جمعت الصين بالقادة الأفارقة وعلى مستوى الإجتماعات الوزارية، فنجد أنها تتمثل فى (خمسة مجالات ذات أولوية بالنسبة للصين وأفريقيا)، تدور بالأساس حول: تدعيم السلام والتنمية فى أفريقيا، دفع الشراكة الإستراتيجية الصينية الأفريقية من نوع جديد إلى الأمام.
واللافت في هذا معظم الإجتماعات الوزارية والقمم السابقة بين الصين ودول القارة الأفريقية، هو الإهتمام الصيني الكبير بتنمية الموارد البشرية الأفريقية، والترحيب الصينى الكبير بإستقبال الوفود الأفريقية، ومعظم أعضائها من فئة الشباب لتدريبهم فى مجالات متنوعة، وقد (تجاوز إجمالى عدد الأفارقة الذين تلقوا تدريبات فى الصين خمسة آلاف دارس، مقارنة مع عشرات الطلاب فقط قبل تأسيس منتدى التعاون الصيني- الأفريقى).
وإذا كانت التجارة تعد أحد أهم مؤشرات تطور ومتانة العلاقة بين الطرفين الصينى والأفريقى، فإن نمو حجم التبادل التجارى بين الجانبين الصينى والأفريقى خير شاهد على الدفعة الكبيرة التي شهدتها العلاقات الصينية- الأفريقية فى السنوات الأخيرة.
– رابعاً: دور مبادرة الحزام والطريق الصينية فى تعزيز التعاون الصينى الأفريقى وأجندة التنمية فى الأسواق الأفريقية الناشئة
إن مبادرة الحزام والطريق قد (عززت النمو الإقتصادى للبلدان الأفريقية النامية، ودعمت حركة التجارة البينية الأفريقية، ودفعت الإنتعاش الإقتصادى للقارة، وساعدت كافة الدول الأفريقية على تنويع أسواقها). ويمكن تحليل أبرز إسهامات إستراتيجية الحزام والطريق الصينية التنموية للدول الأفريقية وأسواقها الناشئة والنامية، من خلال تسليط الضوء على أبرز الأدوار والإسهامات والنتائج التالية:
١) تحسين أوجه الكفاءة فى التجارة بين الدول الأفريقية من خلال (تحديث شبكة البنية التحتية لتعزيز حركة البضائع والأشخاص عبر حدودها).
٢) ساعدت مبادرة الحزام والطريق الصينية على (قيادة الصين للجهود الأفريقية والعالمية فى الدعوة للتعددية الدولية ووجود نظام تجارى متعدد الأطراف للبلدان الأفريقية الفقيرة)، مما نتج عنه فى النهاية إرتفاع وزيادة مستويات المعيشة الأفريقية، وترابط كافة المجتمعات الأفريقية وأسواقها الناشئة أمام المجتمع الدولى عالمياً.
٣) حفزت مبادرة الحزام والطريق جهود التنمية الإقتصادية فى القارة والأسواق الأفريقية، وحققت نتائج إيجابية مشتركة، من خلال (تطوير البنى التحتية، تسهيل التجارة والإستثمار، تعزيز التبادلات الشعبية بهدف تحسين الربط على النطاق العابر للقارات). حيث (قادت الصين جهود دعم الربط الأفريقى بالعالمى من خلال تطوير البنية التحتية وقطاع المواصلات وتحديث شبكات النقل)، مما مكن الدول الأفريقية على الإنفتاح والترابط ببقية العالم.
٤) وهنا نجد أن (توقيع الصين للإتفاقية التجارية بتدشين والإعلان عن منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية لربط الأسواق الأفريقية بالصين)، والتى تم الإعلان عنها فى الأول من يناير ٢٠٢١، بتوقيع ٥٤ دولة أفريقية، قد أدى إلى إنشاء أكبر كتلة تجارية فى العالم تضم ما يقرب من مليار ونصف نسمة. مما سيساعد على (ربط أفريقيا بالأسواق العالمية خاصةً ما بعد (جائحة كوفيد-١٩)، وبالتالى خلق فرص عمل وتعزيز النمو).
٥) إن تدشين الصين (مبادرة طريق الحرير الرقمى) قد ساهم بشكل إيجابى فى (نمو الإقتصاد الرقمى والمدن الذكية والإعتماد السريع لتكنولوجيات حديثة مثل التكنولوجيا المالية فى البلدان الأفريقية النامية). وهنا ستستفيد الأسواق الأفريقية من كافة الإبتكارات ذات المستوى العالمى التى طورتها الصين.
٦) ساهمت مبادرة الحزام والطريق الصينية، فى (التحول الإقتصادى الأفريقى الرقمى وتنشيط التجارة الإلكترونية داخل البلدان الأفريقية الشريكة للصين)، مما أدى لوصول البضائع الأفريقية إلى الأسواق الدولية، ومساعدة أفريقيا على تحقيق هدفها المتمثل فى (ترابط أسواقها وبنيتها التحتية وتحديث شبكة الطرق والمواصلات كجزء من الشراكات الإستثمارية والمشاريع التى أطلقتها الصين وأعلنت عنها لدعم البلدان الأفريقية).
٧) مكنت المشروعات الصينية خلال فترة جائحة (كوفيد-١٩) كافة الدول الأفريقية من تفادى الآثار السلبية لها على الإقتصاد، فضلاً عن الإستفادة من الأسواق المجاورة، مع ضمان (إستمرار وتدفق حركة السلع والأفراد داخل المناطق والأقاليم الأفريقية، وتدفق سلاسل التوريد الإقليمية، فضلاً عن حرية حركة العمالة والسلع عبر الحدود).
ومن هنا نفهم الدور الصينى العميق من خلال مبادرتها للحزام والطريق فى (إنشاء الصين وجوداً إقتصادياً قوياً فى معظم البلدان الأفريقية، والإستثمار بشكل كبير فى المجال الإقتصادى)، وإتباع الحكومة الصينية (نهجاً سياسياً مرناً داخل البلدان الأفريقية الشريكة لبكين)، فضلاً عن تدشين الصين للعديد من المشاريع التنموية القومية ذات التكلفة الكبيرة فى إطار “مبادرة الحزام والطريق الصينية”، والتى وفرت فرصاً إستثمارية حقيقية للبلدان الأفريقية.
– خامساً: التعاون الصينى الأفريقى لمكافحة (كوفيد-١٩): مصر نموذجاً
فور إنتشار جائحة (كوفيد-١٩)، تبرعت الصين بالإمدادات اللازمة لمكافحة الوباء لأكثر من ٥٠ دولة فى أفريقيا، ومنها مصر من أعضاء (منتدى التعاون الصينى الأفريقى “فوكاك”)، وساهمت الصين فى إنشاء (المركز الأفريقى لمكافحة الأمراض).
كما تسلمت معظم البلدان الأفريقية العديد من (المساعدات الصينية لمواجهة مرض فيروس كورونا الجديد، والتى جاءت فى شكل تبرعات حكومية أو خاصة، سواء من عدد من حكومات المقاطعات والبلديات الصينية والمنظمات والشركات الصينية)، والتى تبرعت بكميات من الكمامات والبدل الواقية وكواشف الفيروس ونظام فحص بالأشعة المقطعية للرئتين بالذكاء الإصطناعى، وغيرها. ويمكن التعرف على أهم أوجه التعاون الصينية مع مصر والأجانب الأفريقى للتغلب على إنخفاض النمو ونقص الإمدادات الناتجة عن ضغط جائحة كورونا، وذلك على النحو الآتى:
١) أرسلت الصين (١٤٨ خبيراً طبياً لمكافحة الوباء إلى ١١ دولة أفريقية لدعم الدول الأفريقية فى مكافحة وباء فيروس كورونا الجديد)، كما عقد الخبراء من الجانبين إجتماعات عبر الفيديو.
٢) عقدت الحكومة الصينية لقاءات وإجتماعات مكثفة لمساعدة بلدان القارة الأفريقية فى التغلب على أوجه القصور بعد إنتشار الجائحة، ومن أهمها (قمة بكين لمنتدى التعاون الصينى- الأفريقى والقمة الصينية- الأفريقية الإستثنائية حول التضامن ضد “كوفيد-١٩” فى بكين)، وذلك تأكيداً على دور الصين فى السعى دائماً من أجل مشاركة بناء “مستقبل المصير المشترك للبشرية”، حيث كانت تواصل مساعدة البلدان الأفريقية عبر إرسال فرق الخبراء، وتوفير وتيسير شراء المستلزمات الطبية اللازمة.
٣) بالإضافة إلى ذلك، فقد (سافر أكثر من ٤٠ فريقاً طبياً صينياً لمساعدة أفريقيا بالعمل النشط فى عدد من المناطق والأقاليم المحلية، حيث نفذ خبراء الصين ما يقرب من ٤٠٠ نشاط تدريبى لإكتساب مهارات مختلفة لمواجهة ظروف الجائحة)، ولتبادل الخبرات فى مكافحة الوباء مع الجانب الأفريقى، وقام الخبراء الصينيون بتدريب أكثر من ٢٠ ألف موظف محلى، وفقاً لما أعلنت عنه البيانات الرسمية الصادرة من الجانبين.
٤) وأكد الرئيس الصينى “شى جين بينغ” إلى أن الصين (وفرت لقاحات لنحو ٤٠ دولة أفريقية ومنها مصر)، كما دعت الصين الدول الكبرى للوفاء بإلتزاماتها فى مساعدة دول القارة الأفريقية مع (دعوة الرئيس “شى” لقادة مجموعة دول العشرين الإقتصادية الكبرى فى المشاركة فى توفير اللقاحات للقارة الأفريقية وتخفيف عبء الجائحة)، خاصةً وأن بعض الدول المتقدمة قامت بتأمين لقاحات لما يصل للنحو٨٠% من سكانها.
٥) وجاءت مبادرة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى (تخفيف عبء الديون عن كاهل الدول الأفريقية الفقيرة بعد “كوفيد-١٩”)، عبر إعلان الرئيس “شى” بأن (الصين نفذت بالكامل مبادرة مجموعة العشرين لتعليق خدمة الديون لمساعدة الدول الأفقر فى الإستجابة لظروف الجائحة)، بالإضافة إلى (توصل الصين إلى إتفاقيات لتخفيف أعباء الديون مع ١٦ دولة أفريقية بقيمة إجمالية تتجاوز مليار ونصف دولار)، كما تم التوقيع على مزيد من الإتفاقيات مع العديد من الدول الأخرى.
٦) كما جاءت دعوة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” إلى (تبنى الجانب الصينى لمبادرة الشراكة لدعم تنمية أفريقيا تشرف عليها الأمم المتحدة)، وأعلن عنها وزير الخارجية الصينى “وانغ يى” أثناء ترأسه لمناقشة مفتوحة إفتراضية عبر الفيديو لمجلس الأمن الدولى فى شهر مايو ٢٠٢١، حيث (دعت الصين المجتمع الدولى إلى تقديم المزيد من المساعدة بشأن الإمدادات والأدوية والتكنولوجيا والتمويل لمكافحة الوباء فى البلدان الأفريقية النامية)، لا سيما من خلال سبل مختلفة ومتنوعة، تشمل: (المساعدة غير المستردة، المشتريات التفضيلية، نقل التكنولوجيا، الإنتاج التعاونى)، وذلك لضمان إمكانية الحصول على اللقاحات بتكلفة ميسورة فى أفريقيا.
٧) وكان اللافت هنا هو (دعوة الصين للمجتمع الدولى لتوفير الدعم لأفريقيا فى مجالات مكافحة الوباء، وإعادة الإعمار فى فترة ما بعد الوباء، والتجارة والإستثمار، وتخفيف أعباء الديون، والأمن الغذائى، والحد من الفقر وتخفيف حدته، ومعالجة تغير المناخ، فضلاً عن التصنيع)، كما أعربت بكين عن التعاون والتنسيق مع العديد من الدول والمنظمات الدولية المعنية، وخاصةً شركاء التعاون التقليديين لأفريقيا، للإنضمام إلى هذه المبادرة، فى إطار (الإلتزام الصينى بمبادىء القيادة الأفريقية والمساواة والإنفتاح على القارة وأسواقها الناشئة، وتعزيز التنسيق والتعاون، والإلتزام بالتعددية الحقيقية).
٨) وعلى الجانب المصرى، فقد شهد التعاون المصرى – الصينى فى مجال الصحة خلال فترة جائحة كورونا تنامياً وتصاعداً كبيراً، وبشكل متعدد ومتنوع عبر (إرسال الصين لثلاث شحنات على دفعات كمساعدات من الصين للشعب المصرى مع حرص وزيرة الصحة المصرية على زيارة الصين لإعلان التضامن المصرى معها).
٩) وتمثلت أهم صور التعاون بين مصر والصين فى (إتفاقية التعاون والشراكة بين شركتى “فاكسيرا” المصرية و “سينوفاك” الصينية بما يجعل مصر مركزاً إقليمياً مهماً لتصنيع اللقاحات)، بل وأحد الأذرع القوية لإنتاج اللقاحات فى المنطقة العربية والقارة الأفريقية.
٩) وقد ترجمت الصين مساعدتها لمصر عملياً من خلال (إرسال الحكومة الصينية للمواد الخام لإنتاج قرابة ١٠٠ مليون جرعة بنهاية عام ٢٠٢١)، بالإضافة إلى إستمرار الشراكة بين شركتى (سينوفاك وفاكسيرا) كثمرة للتعاون فى القضاء على فيروس مرض “كوفيد-١٩” بين الجانبين الصينى والمصرى.
١٠) كما جاءت (الموافقة الصينية على الطلب المصرى للتعاون فى جعل مصر مركزاً لصناعة اللقاحات الصينية)، ومساعدة للصين للحكومة المصرية فى مجال (توطين تكنولوجيا لقاحات كورونا فى القاهرة وجعلها مركز لتصدير اللقاح إلى الأسواق الأفريقية والدول المجاورة)، خاصة فيما يتعلق بإنتاج المواد الخام.
١١) ويبقى الأبرز هنا هو ما أعلنه السفير الصينى بالقاهرة السيد/ لى تشيانغ عبر مؤتمر صحفى (بإستمرار عمل كافة المشروعات الصينية فى مصر خلال فترة الجائحة لضمان إستمرار النمو الإقتصادى لمصر)، مما أدى إلى توسع الشركات الصينية استثماراتها فى مصر، وإعلانه إرتفاع حجم الإستثمارات الصينية المباشرة إلى ٣٤.٦% خلال فترة جائحة “كوفيد-١٩” ليبلغ حوالى ٧٢ مليون دولار.
١٢) كما إستمر عمل الشركات الصينية فى مصر خلال فترة فيروس كورونا، والتى إنتهت من إكمال الهيكل الرئيسى لأربع مبانى فى (العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة)، بما فيها أعلى ناطحة سحاب فى أفريقيا، ومن المتوقع أن يتم بناء أربع مبانى جديدة بخبرة صينية.
١٣) وجاء تأكيد السفير الصينى بالقاهرة “لى تشيانغ” حول (تحقيق منطقة التعاون الصينى المصرى “تيدا” بالعين السخنة لمبيعات بقيمة تتجاوز ٢.٣ مليار دولار بنهاية سبتمبر ٢٠٢٠، بينما سددت ضرائب للحكومة المصرية بلعت ١٧٠ مليون دولار بجانب توفير العديد من فرص العمل للشاب المصرى خلال فترة الجائحة)، حيث يعمل بها نحو ٩٦ مؤسسة وشركة صينية حققت إستثمارات بقيمة مليار ونصف جنيه.
ومن هنا، نفهم حرص الصين على تعزيز التضامن والتوافق الأفريقى الصينى فى مكافحة إنتشار جائحة كورونا، ومنح قوة دفع جديدة للتعاون بين الجانبين فى ظل التطورات الحالية، والأهم هو التضامن والتعاون الصينى الأفريقى، مع (حرص الصين على نقل خبراتها لبناء قدرات الدول الأفريقية الأكثر إحتياجاً لمساعدتها على تخطى أزمة الوباء). مع دعوة الصين القادة الأفارقة لعقد قمم إستثنائية وإيلاء الأولوية لحماية القطاع الطبى فى القارة الأفريقية عبر (آلية التمويل الكافى لضمان توافر المستلزمات الطبية والوقائية اللازمة، فضلاً عن المساعدة الصينية فى مجال بناء المستشفيات الأفريقية وتجهيزها)، لا سيما فى ظل محدودية الموارد المتاحة.
– سادساً: المبادرة الأمريكية لعالم أفضل والفرق بينها وبين “مبادرة الحزام والطريق الصينية”
أعلن قادة دول (مجموعة السبع الإقتصادية الكبرى بزعامة واشنطن) خلال قمتهم المنعقدة نهاية يوليو ٢٠٢١ فى مدينة “كورنوال” فى بريطانيا عن إطلاق مبادرة عالمية طموحة تسمى “إعادة بناء عالم أفضل”. وتعرف دولياً، بإسم: Build Back Better World (B3W)
وتهدف مبادرة “إعادة بناء عالم أفضل” إلى (تلبية المتطلبات التمويلية الهائلة لإحتياجات البنية التحتية). وتبرز أهم الفوارق والإختلافات بين (المبادرة الصينية للحزام والطريق والمبادرة الأمريكية لبناء عالم أفضل)، من خلال:
١) الإهتمام الصينى الكثيف بعمل (مبادرات تنموية غير مشروطة سياسياً بعكس الأداة الأمريكية التى تضع أهداف وشروط سياسية كشرط لعمل المشروعات أو الإمداد بالقروض، فضلاً عن إهتمام الصين بمشروعات البنية التحتية والمجتمعية)، وذلك هو السبب الأكثر وضوحًا وشهرة فى مبادرة “الحزام والطريق”، حيث أظهرت الخرائط شبكات الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب الصينية الممتدة مع الدول الشريكة، بالإضافة إلى التعاون فى (مجال التقنيات الرقمية والمؤسسات التعليمية والإجتماعية والخدمات الأمنية)، مما يخلق شبكة من العلاقات التى ستستمر فى المستقبل، وذلك بعكس الحالة أو المبادرة الأمريكية.
٢) نجد أنه فى الوقت الذى (أغفل فيه قادة الدول السبع الإقتصادية الكبرى وضع خطط إستراتيجية طويلة الأجل فى مبادرتهم لعالم أفضل لخدمة الشعوب الفقيرة والنامية)، إلا أن الرؤية الخاصة بـ “الحزام والطريق” قد تجلت بشكل أكثر وضوحاً من خلال إنتشار العديد من المبادرات الأخرى التنموية الممتدة معها، والتى تضم “طريق الحرير” لمشروعاتها، مثل: (مبادرة طريق الحرير الصحى لمكافحة “كوفيد-١٩”، وإطلاق مبادرة “الحرير الرقمى”، والمعروفة بإسم (طريق حرير المعلومات) The Information Silk.
٣) ففى الوقت الذى تجاهلت فيه واشنطن وحلفاؤها مصالح الدول النامية، إلا أن الصين قد أسهمت فى (قيادة المبادرات التنموية العالمية خاصةً طريق الحرير الصحى لمساعدة الدول المتضررة من إنتشار الجائحة)، وهى المبادرة التى ذكرت لأول مرة فى (الكتاب الأبيض للسياسة الصينية فى عام ٢٠١٥)، وأعلن الرئيس الصينى “شى جين بينغ” رسمياً عن “طريق الحرير الصحى” الذى تم تقديمه فى خطاب عام ٢٠١٦، والذى ألقاه الرئيس الصينى فى دولة أوزبكستان، فضلاً عن الطريق الجديد والمبادرة الصينية الأحدث، المعروفة بإسم “طريق الحرير القطبى” Polar Silk Road. والمعروف أيضاً بإسم “طريق الحرير الجليدى“، والذى يمتد عبر القطب الشمالى، وتم تسليط الضوء عليه لأول مرة فى عام ٢٠١٨.
٤) وإيماناً من الصين لقيادة الجهود التنموية العالمية بعكس تجاهل “مبادرة عالم أفضل” لها، فقد تمثل فى قيادة الصين لدعوات مجال “حوكمة المناخ والبيئة“، لذلك شرعت الحكومة الصينية فى تدشين “صندوق طريق الحرير الأخضر“، والذى أنشأه مستثمرون صينيون لتعزيز (المشروعات الصينية التى تراعي المعايير البيئية)، والأحدث هنا والأكثر تطوراً هو الإعلان الصينى عن “طريق الحرير الفضائى”، وهو تطوير لنظام “بيدو” Beidou الصينى والخاص بتكنولوجيا الذكاء الإصطناعى، وغيرها .
٥) وهنا نجد أنه فى الوقت الذى تتزايد فيه رغبة الصين فى دعم وتحديث كافة البلدان الأفريقية والفقيرة، إلا أن المبادرة الأمريكية المزعومة بأنها بديل للخطة الصينية، فقد جاء إهتمام الصين بمشروعات (نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية الصينية)، ومن المقرَر أن يتم إستخدامه وتطويره صينياً كبديل لخدمات نظام “جى بى إس”GPS .
٦) ويتبنى بايدن مشروع “إعادة البناء بشكل أفضل من أجل العالم”، والذى أكد أنه يسعى للتركيز على المناخ والصحة والقطاع الرقمى ومكافحة التباين الإجتماعى، لأن مبادرة “الحزام والطريق” – كما ذكر مساعدون للرئيس الأمريكى “بايدن” – تحولت من سلسلة مشروعات غير متصلة للبنية التحتية، إلى حجر الزاوية فى إستراتيجية السياسة الخارجية لبكين، ودعمت المبادرة الصين بمواد خام وروابط تجارية ونفوذ جيوسياسى، لذلك يريد البيت الأبيض الإنخراط فى مشاريع ذات معايير بيئية وعمالية أكبر من تلك التى تمولها الصين، وبشفافية كاملة فيما يتعلق بالشروط المالية. وربما تلك النقطة التى أثارتها واشنطن تجاه الصين تأتى بدون (تقديم الولايات المتحدة الأمريكية لدلائل ملموسة على صحة تلك الإتهامات للصين، فضلاً عن فشل واشنطن فى إختراق عمق القارة الأفريقية مقارنةً بالجانب الصينى).
٧) وتتهم التقارير الأمريكية بكين بأنها (كانت السبب فى تراجع نفوذها فى القارة الأفريقية، كما أن الولايات المتحدة تواجه الكثير من العقبات والتحديات لإستعادة نفوذها مرة أخرى فى دول أمريكا اللاتينية، التى تعتبر الصين الشريك التجارى والمستثمر الهام والحيوى بالمنطقة الأفريقية واللاتينية). فعلى سبيل المثال، إرتفعت التجارة الثنائية بين البرازيل – أكبر إقتصاد فى أمريكا الجنوبية – والصين من مليارى دولار فى عام ٢٠٠٠ إلى ١٠٠ مليار دولار فى عام ٢٠٢٠. وربما هذا فى حد ذاته (يدعم مصداقية الصين بمشروعاتها التنموية لخدمة الشعوب الأفريقية والنامية عكس الرفض الأفريقى واللاتينى مثلاً للنفوذ والتغلغل الأمريكى فى دولهم).
٨) ويبقى الأهم تحليلياً عندى، هو أن علاقة مبادرة الحزام والطريق الصينية بالبلدان الأفريقية يدعم “دعوة الصين والرئيس الصينى “شى جين بينغ” نحو عالم متعدد الأطراف والأقطاب”، لذلك جاء إتفاق الصين مع هذه الدول الأفريقية دعمهم لتعددية الأقطاب بالعالم وهو ما ترفضه الولايات المتحدة الأمريكية)، بينما ترحب دول أفريقيا والعالم النامى بالأساس بمبادرة الحزام والطريق التى تلبى إحتياجات التنمية الإقتصادية فى دولهم، وهو ما ستعجز المبادرة الأمريكية المزعومة عن تلبيته.
٩) كما تمثل المبادرة الصينية للحزام والطريق (تمهيداً لطريق تعاون الصين عبر الباسفيك لربط الصين وأمريكا اللاتينية بشكل أوثق، من خلال طريق الحرير البحرى للقرن الـ ٢١ من الصين إلى أمريكا اللاتينية، وهو ما تعارضه الولايات المتحدة الأمريكية بشدة)، والذى يقلل من وقت السفر بينهما، ويعمل على تطوير البنى التحتية والترابط، والإستثمار فى أعمال الموانئ والممرات المحيطية بين الأطلنطى والباسفيك. مما (جعل دول أمريكا اللاتينية والكاريبى تعتبر أن التعاون مع بكين فرصة إستثمارية هائلة وتدعيماً لخطط التنمية الإقتصادية والإجتماعية كما تحسن من قدرة المنطقة التنافسية).
١٠) وجدير بالذكر، بأن ما يميز (المبادرة الصينية للحزام والطريق عن مبادرة عالم أفضل الأمريكية، هو “شعبيتها الجارفة عالمياً”)، خاصةً إذا ما علمنا بأن أكثر من ١٠٠ دولة إنضمت لمبادرة بكين، مما جعلها أقوى سياسياً ودبلوماسياً. فقد (وقعت الصين وثائق تعاون بشأن بناء الحزام والطريق مع ١٧١ دولة ومنطقة حول العالم، وبلغت قيمة التجارة بين الصين والدول الواقعة على طول الحزام والطريق حوالى ١.٣٥ تريليون دولار فى عام ٢٠٢٠، بما يمثل ٢٩.١% من إجمالى قيمة التجارة الخارجية للصين، وهو ما ستعجز الولايات المتحدة الأمريكية عن توفيره فى ظل الأزمة الإقتصادية الراهنة بعكس الصين). كما بلغ التعاون الإستثمارى بينهما حوالى ١٧.٧ مليار دولار، وذكرت وزارة التجارة الصينية أن شركات دول “الحزام والطريق” قد أنشأت ٤٢٩٤ مؤسسة لها فى الصين، بقيمة إستثمارية بلغت ٨.٢٧ مليار دولار.
١١) بل وجاءت (إعترافات جهات أمريكية معروفة بالدور التنموى للصين فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية)، فمثلاً جاء تقرير لـ “مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى“، مؤكداً أنه: “منذ إطلاق مبادرة “الحزام والطريق” فى عام ٢٠١٣، قامت البنوك والشركات الصينية بتمويل وبناء محطات الطاقة والسكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ، وكذلك البنية التحتية للإتصالات وكابلات الألياف الضوئية والمدن الذكية حول العالم، وإذا إستمرت المبادرة فى تنفيذ مخططاتها، سوف تتمكن الصين من تحفيز النمو الإقتصادى العالمى، وتلبية إحتياجات البلاد النامية لأمد طويل“. وهذه شهادة أمريكية وإعتراف واضح لقوة مبادرة الحزام والطريق الصينية ومشروعاتها التنموية حول العالم.
١٢) ويبقى الإشارة هنا بأن (المحاولات الأمريكية لطرح مبادرات تنموية بديلة للحزام والطريق الصينية هو نوع من التنافس السياسى الأمريكى مع الصين، لذلك فالسؤال هنا: لماذا لم تقدم الولايات المتحدة الأمريكية لمشروعات تنموية حقيقية على مدار السنوات الطويلة الماضية)، لذا نفهم بأن مبادرة الحزام والطريق تعد أكبر برنامج للبنية التحتية فى العالم، وبالفعل باتت تمثل تحدياً اقتصادياً وسياسياً لواشنطن. ويرى الخبراء أن إنشغال الولايات المتحدة بأزماتها المالية والإقتصادية، ساهم بشكل كبير فى منح الفرصة للصين فى بسط ومد نفوذها الاقتصادى والتنموى بين دول العالم. وتأتى مبادرة “إعادة بناء أفضل للعالم” ضمن مبادرات أمريكية أخرى لمحاولة التصدى ومواجهة الصين، مثل (إتفاقية أوكوس الأمنية الدفاعية مع بريطانيا وأستراليا، وكذلك إنعقاد أول إجتماع لمجموعة “كواد الرباعية” مع قادة الهند واليابان واستراليا). كما تسعى “إدارة بايدن” لإجراء مباحثات ثنائية مع الدول من أجل الترويج للمبادرة الأمريكية، ومؤخراً تم إجراء محادثات مع رئيس الوزراء الهندى (ناريندرا مودى)، خاصة وأن الهند قد رفضت الإنضمام إلى مبادرة الحزام والطريق بسبب نزاعات حدودية مع الصين. لذلك نفهم (إستهداف الولايات المتحدة الأمريكية للدول ذات الخلاف مع الصين لإستقطابها لمبادرتها البديلة، بعكس إنفتاح مبادرة الحزام والطريق الصينية على العالم كله).
وبناءً عليه نصل إلى تحليل هام مفاده، بأن مصطلح “إعادة بناء أفضل بالمفهوم الأمريكى ” يتجاهل ويغفل القيام بمبادرات تنموية لخدمة الشعوب، فعالم أفضل، هى (مبادرة سياسية أمريكية أكثر منها تنموية مثل مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية). وهنا يتضح لنا بأن المبادرة الأمريكية لعالم أفضل يظهر بها كثيراً (التأثر بشعارات وسياسات كل من الرئيس الأمريكى “جو بايدن”، ورئيس الوزراء البريطانى “بوريس جونسون”)، فإعادة البناء بشكل أفضل هو شعار الحملة الأمريكية، ولكن بدون وضع خطط محددة متفق عليها أو جدول زمنى للجميع.
– سابعاً: مبادرة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” للتنمية العالمية، وقيادة الصين للجهود الأممية لدفع التنمية والشركات فى العالم النامى وأفريقيا
جاء إقتراح الرئيس الصينى “شى جين بينغ” خلال كلمته أمام الجلسة الإفتراضية فى (المناقشة العامة للدورة الـ ٧٦ للجمعية العامة للأمم المتحدة)، يوم الثلاثاء الموافق ٢١ سبتمبر ٢٠٢١، بإطلاق “مبادرة التنمية العالمية” لتوجيه التنمية العالمية نحو مرحلة جديدة من النمو المتوازن والمنسق والشامل في مواجهة الصدمات الشديدة لمرض (كوفيد-١٩). وجاءت مبادرة التنمية العالمية الصينية داعمة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية حول العالم، حيث أن الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ”، قد إستند على عدد من المحفزات الداعمة لها، كالآتى:
١) تقوم مبادرة التنمية العالمية التى أطلقها الرفيق “شى جين بينغ” على تنشيط الإقتصاد والسعى إلى (تحقيق تنمية عالمية أكثر قوة وإخضرار وتوزان).
٢) كذلك جاءت دعوة الرئيس “شى” إلى (الإلتزام بتحقيق التنمية كأولوية من أجل تعزيز التنمية العالمية).
٣) وجاء إقتراح الرئيس الصينى “شى جين بينغ” بأن (توضع التنمية على رأس جدول أعمال السياسات الكلية العالمية، وأن تعزز تنسيق السياسات بين الإقتصادات الرئيسية، ويضمن إستمرارية السياسات وإتساقها وإستدامتها).
٤) وسعى الرئيس “شى” لدعوة دول العالم بحاجتنا إلى (تعزيز شراكات تنمية عالمية أكثر إنصافاً وتوازناً، ولتحقيق المزيد من التضافر بين عمليات التعاون الإنمائى متعددة الأطراف، وإسراع وتيرة تنفيذ أجندة الأمم المتحدة ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة).
٥) لذلك جاء تشديد الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” بضرورة (الإلتزام بنهج يركز على الشعوب، مع حماية وتحسين سبل معيشة الشعوب والأمم، وحماية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال التنمية).
٦) وربط الرئيس “شى” مبادرته للتنمية العالمية بمبادرة “الحزام والطريق”، بإيجاد المشترك بينهما، ألا وهو (مواصلة الإلتزام بتحقيق الفوائد للجميع، والإهتمام بالإحتياجات الخاصة للبلدان النامية).
٧) وكان الجديد فى المبادرة الأممية والدولية للرئيس “شى جين بينغ”، هى تسلطيه الضوء على (أهمية التنمية المدفوعة بالإبتكار والتناغم بين الإنسان والطبيعة).
٨) وإيماناً من الحكومة الصينية والرئيس “شى“، بأهمية الصين عالمياً لدعم جهود المجتمع الدولى فى (قضية التغيرات المناخية العالمية)، لذا جاء دعوة الرفيق “شى” بوضع خطة تهدف إلى (سعى الصين للوصول إلى ذروة إنبعاثات ثانى أكسيد الكربون قبل عام ٢٠٣٠، وتحقيق الحياد الكربونى قبل عام ٢٠٦٠)، بتأكيده على دعم الصين وقيادته لكافة الجهود العالمية لتحقيق هذه الأهداف الخاصة بالحفاظ على البيئة العالمية من خطر التغيرات المناخية والإنبعاثات السامة.
٩) وحرصاً من الصين على قيادة كافة المبادرات التنموية العالمية، لذلك جاء تأكيد الرئيس “شى” حول (دعم الصين للدول النامية الأخرى فى تطوير طاقة خضراء ومنخفضة الكربون، متعهداً بعدم بناء الصين لأية مشاريع طاقة جديدة تعمل بالفحم فى الخارج).
١٠) وجاءت دعوة الرئيس “شى” للمجتمع الدولى بقيادة الصين من أجل (مواصلة الإلتزام بالإجراءات الموجهة نحو تحقيق النتائج وبناء مجتمع مستقبل مشترك للتنمية العالمية).
١١) وعملياً، فقد وضعت حكومة الصين بعض المؤشرات والأسس والمعايير الإرشادية لقيادة الجهود التنموية العالمية، بدعوة الرئيس “شى جين بينغ” إلى تحقيق وإنجاز الآتى:
“حاجة العالم إلى زيادة المدخلات فى التنمية، وتعزيز التعاون على أساس منح الأولوية لمجالات التخفيف من حدة الفقر، وتحقيق الأمن الغذائى، والإستجابة لجائحة (كوفيد-١٩) وتوفير اللقاحات، وتمويل التنمية، وتغير المناخ والتنمية الخضراء، والتصنيع، والإقتصاد الرقمى والإرتباطية من بين مجالات أخرى، إلى جانب تسريع تنفيذ أجندة الأمم المتحدة ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة”
ومن هنا نفهم بأن (مبادرة التنمية العالمية التى أطلقها الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” تتوافق مع مبادرة الحزام والطريق الصينية التنموية، وتسهم فى بناء مستقبل أفضل للبشرية)، وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” بتأكيده على أن:
“مبادرة التنمية العالمية” التي اقترحها الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لها أهمية كبيرة فى تعزيز المساواة العالمية وتوازن التنمية المستدامة، مؤكداً دعم الأمم المتحدة للمبادرة الصينية للرئيس “شى” بشكل كامل، مع رغبة الأمم المتحدة فى تعزيز التعاون مع الصين فى تحقيق وقيادة تلك المبادرة التنموية العالمية”
وكدليل عملى على نجاح المبادرة الصينية العالمية للتنمية، فقد جاء تأكيد المتحدث بإسم وزارة الخارجية الصينية “وانغ ون بين” عبر مؤتمر صحفى، بتأكيده على:
“أن عشرات الدول والعديد من المنظمات الدولية قد أعربت بوضوح عن دعمها لمبادرة التنمية العالمية الصينية أو إتخذت موفقاً إيجابياً بشأنها”
وفى إعتقادى الشخصى، بأن ذلك فى حد ذاته (يعد نجاحاً حقيقياً لجهود الصين فى قيادة مستقبل التنمية العالمية، وصياغتها لمستقبل البشرية ودعمها لكافة الإستراتيجيات التنموية للدول الأفريقية والنامية، من خلال العمل والتنسيق مع الجهود التنموية الأممية للأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية المعنية، فضلاً عن رعاية ودعم الصين لجهود المجتمع المدنى الأفريقى والعالمى لتنفيذ أجندة الأمم المتحدة التنموية ٢٠٣٠، لمواكبة كافة التطورات العالمية، تنفيذاً للدعوة الصينية للرئيس “شى جين بينغ”، بتشاركنا جميعاً فى المستقبل)، ودعماً لتلك المبادرة الأممية الصينية، لذلك جاء تركيز كافة الخطابات الصينية للرئيس “شى جين بينغ” على دعم الصين للجهود الأممية التنموية، بما يخدم (تعزيز المساواة العالمية وتوازن التنمية المستدامة بالتعاون الصينى مع الأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية والمجتمع المدنى حول العالم)، بما يدعم بشكل نهائى (المبادرة الصينية للحزام والطريق والعمل لصالح كافة الشعوب الفقيرة والنامية وعلى رأسها البلدان الأفريقية، بما يقود الصين لتعزيز البناء المشترك والإنفتاح والشمول والمصير المشترك للبشرية)، وذلك وفقاً لما دعت إليه القيادة الصينية وقيادات الحزب الشيوعى الصينى.
https://arabic.cgtn.com/n/BfJEA-CcA-GcA/GfeIEA/index.html