شبكة طريق الحرير الصيني الاخبارية/
عن جريدة الأنباط الأردنية/
“النهضة”.. أبِدايَةً صهيونية لتفتيت العَرب إلى 100 عَرب؟!
بقلم: الأكاديمي مروان سوداح
لم أتراجع عن رأيي يومًا، بأن التَّعَنُّت الإثيوبي لاستكمال بناء سَد النهضة سيِّئُ الصِّيت والسُّمْعَة، ورَفْض أديس أبابا للوساطات الدولية للتفاهم السِلمي والتعاون المُنفتح والصَريح في إطار البيت الإفريقي مع جمهورية مصر العربية في الشأن المائي، واحتكار الإثيوبيين لمِياه النيل لحِرمان مِصر والسودان منها، إنما يَدخل في خانة مصالح المُحَافظين الجُدد في الولايات المُتحدة الأمريكية، الذين عَمِلوا ونسّقوا منذ أكثر من نصف قرن سويًا مع قادة البيت الأبيض، وهنري كيسينجر، وبرنارد لويس، وهنغتون، وغيرهم من الطُغَمِ الصهيونية، لتجديد مُخَطَّطِاتهم “لتتوَاءَم” مع احتياجات “العَصر الصهيوني”، واستِنبَاطًا لآليات تفتيتية جديدة سريعة ومتلاحقة للوطن العربي لتحويله إلى كانتونات ودويلات أبَويّة وشَرَاذِم عُشر قومية وطائفية إسلامية ومسيحية، لا تكون قادرة حتى على دفع رواتب موظفي إدارات هذه التركيبات الهزيلة والمُتَصَارِعة.
العَالم العربي مَرَّ وما زال يَمر بأصعب مراحله التاريخية التي يَدخل الأجنبي الاستعماري والحركة الصهيونية الدولية من خلالها إلى بيتنا لتقسيمه وتهميشه، كوضعٍ أمثل للتوسعيين الجُدد لتغيير الأنظمة العربية بالقوة والانقلابات والثورات والثورات المضادة تارةً، وفي تشجيع المواطنين اليائسين على تنظيم التظاهرات والقلائل أيًّا كانت أهدافها ومراميها تارة ثانية، ولتفريخ ودَسِ شتّى أشكال العصابات المسلحة في ثالثة، لتتزايد أعداد الأطراف الدولية والإقليمية التي تنظر بنهمٍ هَيِمَنِي إلى الكَعكَة العربية الكبيرة والمترامية الأطراف والمساحات الأرضية والفضائية، المُمتَدة من ماء الخليج إلى أمواج المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، لتنقلب أرضنا بالتدريج إلى مَدخلٍ أمثل وأسهل للتغَلغُل السريع في صميم البُنيان العربي بحِرابِ القوى التوسعية الخارجية.
الدويلة الصهيونية في فلسطين كيان صغير المساحة وقليل المُستوطنين، وهذا أحد الأسباب التي تجعله يستمر بالتآمر على العرب لتقسيمنا أرضًا وبشرًا وواقعًا ومستقبلًا، لنغدو أجسادًا قزمية وكيانات خائرة القوى، يَنخرها السوس الأجنبي الإمبريالي والصهيوني. أما إثيوبيا الدولة الكبيرة المَسَاحَة والكثيرة السكان، قياسًا بدول العالم الأُخرى، فتتطلع هي الأخرى بشغف لتقسيم البلدان العربية، ما يُتِيح لها التحكّم بالمِياه والتطوّر العربي الزراعي والصناعي، ويجعلها قيّمًا على إدارة شؤون عديدة في المنطقة؛ هذا إن تم هذه المشروع؛ لتتقاسم أديس أبابا الغنائم مع حليفتها الصهيونية التي حوّلت إثيوبيا إلى قاعدة عسكرية “إسرائيلية” ضاربة، تُشرِفُ على مدخل البحر الأحمر والمِلاحة الدولية فيه والدول العربية المُشَاطِئة له، ومن غير المُستَبعَد أن تَفرِض إثيوبيا خواتٍ مالية على السفن والأشخاص العَابرين نحو البحر الأحمر لتسمين ميزانيتها، وملء جيوب قادتها بالمَال والذهب الأصفر، وربما شرعت بفرضها!
أذكرُ، أن مناهِجنا المدرسية السابقة، كانت تشدّد دومًا على ضَرورة الوِحدة العربية، وحماية المياه العربية، وبخاصة أنهار الأُردن، واليرموك، والعوجا، والنيل، والفرات، ودجلة، والعاصي، والحاصباني، ونهر بانياس الجولان وغيرها، من أهداف الصهاينة ومساعيهم المتواصلة لتفتيت العالم العربي، إذ أننا كنّا نطالع وكان يَشرح لنا أساتذة التاريخ أيضًا، عن المخططات الأجنبية والصهيونية لشرذمة العرب شرقيين وغربيين، شماليين وجنوبيين، مُسلمين ومَسيحيين، طَوائف ومَذاهب ومِللًا ونِحلًا، ويُحذرون من القَادم، الذي وللأسف قد حلَّ بيننا، تقسيمًا لنا بالطول والعرض وبالقطَّاعي الأصَغَر المُهَلهَل، وَتمَّ دَسَّ السموم فيِنَا وبيِنَنا فصِرنَا نتباهى ونَعتز بالهويات المناطقية والجهوية..
أما نَهر النِّيل العظيم، فهو اليوم الهدف الأول لمحاولة تمزيق العرب من خلال الضغط على مِصر لتُسَلّم “بوساطة!” تل أبيب مع إثيوبيا، إذ تَحْلَم الصهيونيات الدينية والسياسية، وغيرها من أشكال وأنواع الصهيونيات، أن تغدو “الإدارات الإسرائيلية” والحركة الصهيونية العالمية هي الحَكم الوحيد في قضايا المَاء والتراب والهواء في منطقتنا. ومن جهة أخرى، يتفق كَثْرةٌ من الكتّاب المِصريين والناطقين بالضاد، أن تل أبيب تُسارع من خلال إثيوبيا لتصير وسيطًا مُعتمَدًا في الأزمة المائية بين القاهرة وأديس أبابا، وصولًا إلى اعتماد دورها الرئيس بين دول المنطقة في خلافاتها، وهو لعَمْرِي الهدف الأساسي القديم الذي نصّت عليه أدبيات الصهيونيات الدولية و”العَملية” والدينية منذ نشأتها في جمعيات “أحباء صهيون”، و “بوعالي تسيون”، وما يُسمّى بِ “جمعيات وروابط الرأي العام السوفييتي (اليهودية) لمناهَضة الصهيونية”، من أتباع المَقبور الجنرال دراغونسكي، ومَن لَفَّ لَفَّهُ من اللوبي الإسراصهيوني إبّان النظام السوفييتي.
ـ حذارِ ثم حذارِ مِمَّا يَجري اليوم في دهاليز السياسة الدولية لتكبيل العرب دولًا وأمةً وقراراتٍ استقلالية.