خالد رافع الفضلي*
الفيلسوف الطاوي تشوانغ تزو (莊子)
*الجزءالثاني من المقال
في السياسة
بقدر ما انتقد تشوانغ تزو مرارًا وتكرارًا أخلاقيات معاصريه باعتبارهم فاعلين عديمي الجدوى، كان موقفه المعادي رد فعل واضح ضد الكونفوشيين المتعجرفين والأصوات العديدة الأخرى التي تنافست في وقت من الأوقات مع بعضها البعض في تقديم العلاجات السياسية والعلاجات الاجتماعية. من خلال سعيهم إلى جلب النظام الهرمي إلى المجتمع والحث على الإيثار وإعادة تعريف المصطلحات، التي لطالما اعتبرها تشوانغ تزو قلب للحقائق ولا يوجد في داخلها مضمون حقيقي بل سراب يغري الظمآن بالأماني؛ وكان تشوانغ تزو معارضًا تمامًا لمثل هذه الأنشطة وكان يهتف بالملكية المشاعية، ويدعو الناس الى أعادة النظر في ” المقدس و المعرفة “، انطلاقاُ من نسبية المعرفة والحقيقة، والمُلك هو ببساطة نوع من “التعصب”. وجعل قوانيين الطاو تعمل وفقاً لما تراه. ومع ذلك، في معارضة المفكرين المعاصرين له، لم يكن مهتم كثيراً في الخوض في غمار نقاشات عقيمة مملة معهم. تجدر الإشارة إلى أنه لا يزال مصدرًا مهمًا للغاية لدراسة العديد من مدارس الفكر الأخرى الأقل شهرة في الصين القديمة. وفي العديد من الحالات، توفر تعليقاته على بعض معاصريه المعلومات الوحيدة المتاحة عن فلسفاتهم.
كيف نحقق السعادة القصوى
في الحياة اليومية، تعمل مدرسة الفكر الطاوية المحدثة، على أنها تأثير موازن دائم على العقل الصيني، حيث توفر قدرًا من الحكمة العملية. فهي دائماً تحض على أن تعيش الإنسانية كجزء من الطبيعة مع كل الأشياء الأخرى في الطبيعة، وأن تكف عن السعي غير المجدي لرؤية الكون وقراءته وتحليله في التجريد، وأن يتوقف الناس عن الخلط بين الألغاز غير المجدية التي خلقها الآخرون. لذا يرى تشوانغ تزو أن يكون العقل صفحة بيضاء خاليً من التحيزات الفكرية التي تستوطنه، “دعواه بالكاد تشابه رسالة جون لوك التي وجهها الى العقل البشري ولكنها أكثر دقة؛ “نظرة مادية بدت لجون لوك خلت من التقسيم الثلاثي للأنسان: اولاً العقل البيولوجي(الفيزيقي) وثانياً النفس(الميتافيزيقي) وثالثاً الجزء الغيبي الذي هو خارج حدود الأنسان ويتعاطاه بشكل فطري وبدهي”. وبالتالي يمكن للناس رؤية تشابه كل الأشياء. فإن الأشياء الفردية والكبيرة ستكون واحدة، وسيشعر الناس أن الكون بداخلها. كل ما يفعلونه أو لا يفعلونه لن يسبب أي قلق. سيكونون بذلك أحرارًا في التحرك في الكون. وعند بلوغهم هذه المرحلة، تكون سعادة هؤلاء الأشخاص حقيقية وسامية، لأنه لا يوجد شيء عندهم لا يتفق مع الطبيعة. نوع السعادة القصوى الذي يتحدث عنه تشوانغ تزو أيضًا هو نتيجة للتحرر العاطفي. بعد أن تحررت عاطفياً، لم يعد المرء يرى أي سبب للقلق أو الحزن. هذه هي الحرية الكاملة المتوقعة في نسيج الزمان والمكان التي يصفها ويعبرعنها في قصصه عن سعادة الشخص الحقيقي الذي يرحل بعقله نحو الطاو فهو وحده القادر على زرع السعادة الحرة، وهذا “يرقى إلى رؤية صوفية يصعب تفسيرها بشكل عقلاني”.
إن الحرية المثالية التي تحقق السعادة تكمن في ثلاثة أشياء: التحرر الفكري من التحيزات الإنسانية والقيود التي من صنع الإنسان، والتحرير العاطفي من خلال فهم شامل لطريقة حياة جميع الناس، وأخيرا التحرر التام عندما لا يشعر المرء بأي قيود لأن المرء يجب أن يقبل كل مسار طبيعي للأحداث.
تشوانغ تزو ونيتشه
يصعب فهم تشوانغ تزو ونيتشه لأنهما يمتلكان نوايا عميقة للغاية، وترفل نصوصهم بسوء فهم من معارضيهم ومؤيديهم، وترتسم الوحدة في ثنايا حياتهم الكئيبة، وتعتلي روحهما أعلى بكثير من فضاءات الناس، استنادًا إلى أفكاره الفلسفية العميقة فأن تشوانغ تزو رجل يبحث عن الحقيقة من العالم، ويتبع القيمة الروحية للحياة بكل إخلاص، ويرى أن الشخص وحده هو الذي يبني معنى وقيمة للحياة بتجاوز روحه الداخلية التي يقابلها “السوبرمان” بالمفهوم النيتشوي بالمعنى الأكثر صراحة هو “مواجهة الجسد”. بينما محور تفكير نيتشه هو معنى الوجود الإنساني، ويتضح ذلك عندما أعلن موت كل مقدس وأيقظ الناس ” وهي فرضية تفكيره وليست أبحاثه الشاقة”. لقد تحول إلى فيلسوف يوناني قديم وذهب للبحث عن الحقيقة التي اعتبرها نوع من الخطاء، وهوبذك يتفق ويتسق مع تشوانغ تزو أن الحقيقة وهم، وهي متجزئه في الكون.
اخيراً، إنه يشبه إلى حد ما هرقليطس في اليونان القديمة، معتقدًا أن كل شيء يتدفق وأيضاً بروتاجوراس أن العالم لا يمكن إدراكه، وأن الإدراك البشري هو المعيار لكل شيء، وأنه يجب علينا إزالة جميع الصور النمطية؛ لأن العالم لاأدري في اشلأساس. وينكر بشدة الواقع، لذا فهو ينفي الفارق الأساسي بين كل شيء ومعارضة جميع النظم الاجتماعية، والتخلي عن المعرفة الثقافية لأن المعرفة ليست إدراكًا لمادة العالم، لكنها ذاكرة العالم المثالي.
# نموذج نيتشه سوبرمان ظهر فعلاً من نبلاء اليونان القديمة والفلاسفة قبل سقراط الذين فهموا لاهوت رافائيل.
*المصادر
1- ناكاجيما، تاكاهيرو؛ آميس. تشوانغ تزو والأسماك السعيدة.
2- تشاي، ديفيد. تشوانغ تزو القادم من اللاشيء.
3- وانغ تشيوان. مبدأ المتعة والسعادة الكاملة والأخلاق في جاك لاكان و تشوانغ تزو.
4- الطاوية والصينية التقليدية والروح الثقافية الحرجة. شبكة المعرفة الصينية.
5- لين، شوين فو. تشوانغ تزو.
6- هسو، كاي يو. تشوانغ تزو.
7- كوانغ مينغ وو. تشوانغ تزو: الفيلسوف العالمي في اللعب.
نبذة عن الكاتب*
خالد رافع الفضلي، أستاذ باحث في الفلسفة، ومتخصص بالشؤون الصينية ، ومستشار رئيس الاتحاد الإكتروني الدولي للقلمين العرب أصدقاء الصين ، للعلاقات الاردنية الصينية.