Monday 22nd September 2025
شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

العالم العربي شريك لا يُستغنى عنه في تطبيق الحوكمة العالمية

منذ 39 دقيقة في 22/سبتمبر/2025

شبكة طريق الحرير الإخبارية

 

العالم العربي شريك لا يُستغنى عنه في تطبيق الحوكمة العالمية

 

لي جيان يو (ناصر)

مساعد باحث في معهد الدراسات الإقليمية والدولية بجامعة صون يات سين

 

قرر المجتمع الدولي إنشاء الأمم المتحدة بعد التأمل العميق في الدروس المؤلمة للحرب العالمية الثانية قبل 80 عاما وبدأ يسلك طريقا جديدًا للحوكمة العالمية. على مدى عدة العقود الماضية، قدّم النظام الدولي الذي يتمحور حول الأمم المتحدة مساهمات تاريخية في الحفاظ على السلام والتنمية العالميين. يصادف هذا العام الذكرى الـ 80 لتأسيس الأمم المتحدة، لكن بالمقارنة مع الماضي، يشهد العالم الحالي تغيرا جذريًا لم يشهده منذ قرن، الأمر الذي يتجلى في ظهور عيوب نظام الحوكمة القديم تدريجيًا. في مواجهة السؤال العصري الجوهري الذي يهم جميع دول العالم:” أي نظام للحوكمة العالمية ينبغي بناؤه؟ وكيف يمكن إصلاح وتحسين الحوكمة العالمية؟”، طرح الصين مبادرة الحوكمة العالمية في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، داعية جميع الأطراف للعمل معًا على تعزيز الحوكمة العالمية وتحسينها. لا تتوافق المبادرة مع تطلعات الشعوب العالمية وتلبي الاحتياجات الملحة للدول العالمية في الوقت الحاضر فقط، بل تبرز أيضًا أهمية الدول العربية حتى دول الجنوب بأكملها في قضايا الحوكمة العالمية، ويوفر لها مسارا للتعاون ينسجم مع رؤيتها التنموية.

 

مبادرة الحوكمة العالمية: الخلفية المعاصرة المثيرة للقلق ومسؤولية الصين كدولة كبيرة

إن الوضع الدولي الراهن يعاني من فوضى واضطرابات متشابكة. تتعرض الأمم المتحدة ومبدأها من التعددية الأطراف للهجوم، ويتسع عجز الحوكمة العالمية باستمرار. في هذه الخلفية، تبرز العيوب الرئيسية الثلاثة في الآليات الدولية المعاصرة بشكل تدريجي: (1) تعاني دول الجنوب من نقص حاد في التمثيل على المسرح الدولي. يتطلب النهوض الجماعي لدول الأسواق الناشئة والدول النامية تعزيز تمثيل دول الجنوب العالمي وتصحيح المظالم التاريخية. (2) تتآكل سلطة الأمم المتحدة. تتعرض مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة لانتهاكات متكررة، وتواجه قرارات مجلس الأمن مقاطعة من بعض الدول، وتنتهك الإجراءات كالعقوبات الأحادية القانونَ الدولي وتقوّض النظام الدولي. (3) يعاني نظام الحوكمة العالمية من انخفاض الفاعلية. يتأخر مسار تنفيذ خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 تأخرًا شديدًا، وتتفاقم المشاكل القديمة مثل تغير المناخ والفجوة الرقمية بشكل أكثر بروزًا بينما تفتقر المجالات الجديدة كالذكاء الاصطناعي والفضاء الإلكتروني والفضاء الخارجي إلى الحوكمة الفعالية.

 

على هذا الأساس، لا تقصد مبادرة الحوكمة العالمية الصينية هدم النظام الدولي القائم أو إنشاء نظام بديل موازٍ، بل تهدف إلى دفع النظام الدولي بقيادة الأمم المتحدة نحو مزيد من العدالة والعقلانية والفعالية، بحيث يكون أكثر انسجامًا مع الوضع المتغير، ويتمتع بقدرة أكبر على مواجهة مختلف التحديات العالمية بسرعة وفعالية، ويخدم مصالح جميع الدول خاصة الدول النامية. لم تقتصر مبادرة الحوكمة العالمية، باعتبارها منتجًا عامًا جديدًا قدمته الصين للعالم، على المبادئ والأساليب والمسارات اللازمة لإصلاح الحوكمة العالمية وتحسينها، بل تقدم مثالاً حيًا آخرًا على التزام الصين الثابت بدمج مصالحها الخاصة مع المصالح العالمية، وممارسة التعددية بخطوات ملموسة، مما يظهر مسؤولية الصين كدولة كبيرة معتمدة.

 

المساهمات التاريخية للدول العربية في الحوكمة العالمية

يتطلب تنفيذ أي خطة مشاركة جميع الأطراف المتعلقة، وتلزم مشاركة دول الجنوب العالمي خاصة الدول العربية في تنفيذ مبادرات الحوكمة العالمية بفعالية. ولا يترتب هذا على المساهمات البارزة الماضية التي قدمتها الدول العربية في الحوكمة العالمية فحسب، بل على احتياجات التنمية الحالية التي تواجهها الدول العربية أيضاً.

 

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلت الدول العربية تلعب دوراً حيوياً في الحوكمة العالمية، ويتجلى هذا الدور في طرح الدول العربية مبادرات جوهرية ووجهات نظر فريدة، وتقديمها مساهمات جوهرية في شؤون إقليمية حتى قضايا عالمية متعددة.

 

في عام 1955، شاركت دول عربية، مثل مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية ولبنان والعراق، في مؤتمر باندونغ بنشاط. وخلال عملية المؤتمر، دافع الرئيس المصري جمال عبد الناصر مع قادة عرب آخرين بشكل فعال عن الاستقلال الوطني ومحاربة الاستعمارية والهيمنة الإمبراطورية، وعزز التعاون والتضامن بين الدول الآسيوية والأفريقية، مما أدخل تطلعات العالم العربي نحو التنمية المستقلة في نظام الحوكمة الدولي.

 

في عام 1973، لعبت المملكة العربية السعودية، إلى جانب أعضاء آخرين في أوبك، دورًا محوريًا في أزمة النفط. أعلنت أوبك حظرًا نفطيًا ورفعت أسعاره بشكل حاد ردًا على الدعم الغربي لإسرائيل في حرب أكتوبر. كان لهذه الخطوة تأثير كبير على الاقتصادات الغربية، مما أجبرها على إعادة النظر في سياساتها المتعلقة بالطاقة وعلاقاتها مع الدول المنتجة للنفط. وقد عزز نجاح الإجراءات لأوبك بشكل كبير مكانة الدول العربية حتى دول الجنوب العالمي في المفاوضات الاقتصادية العالمية، كما أثار نقاشًا عالميًا حول إنشاء “نظام اقتصادي دولي جديد”، ودفع دول الشمال إلى إعطاء الأولوية للحوار والتعاون مع دول من الجنوب العالمي.

 

في عام 2001، أصبحت مكافحة الإرهاب العالمي قضية ملحة للمجتمع الدولي بعد هجمات 11 سبتمبر. وبدأت الدول العربية تشارك بنشاط في أعمال لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن واستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، وعززت تنفيذ أجندة مكافحة الإرهاب العالمية. بالإضافة إلى ذلك، قد أدلى القادة العرب في جلسات الجمعية العامة بتصريحات عديدة دعوا فيها إلى تطبيق الحوكمة الدولية الشاملة واحترام السيادة الوطنية ومكافحة الأيديولوجيات المتطرفة. لم تُوفّر المشاركات العربية الدعمَ الأساسي لمكافحة الإرهاب الدولي فحسب، بل لعبت أيضًا دورًا حاسمًا في تطوير القانون الدولي، ومراقبة النظام المالي، والحركات العابرة للحدود الوطنية لمكافحة التطرف الإلكتروني. ولا ريب في أن هذه الأمثلة تُظهر أن المشاركة العربية الماضية في الحوكمة العالمية هي عميقة ومثمرة ومتعددة الأبعاد.

 

مبادرة الحوكمة العالمية: حلول جديدة للعالم العربي اليوم

يواجه العالم العربي في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بحكم موقعه الجيوسياسي الفريد، وضعًا معقدًا ومتقلبًا. على الصعيد السياسي، يتفاقم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتعجز قرارات الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار عن التنفيذ الفعلي مرارا وتكرارا، ولم تُسفر الدورات من محادثات السلام عن نتائج حاسمة. إلى جانب ذلك، تعاني بعض الدول العربية من مشاكل داخلية وخارجية متشابكة، إذ تضطر إلى معالجة تناقضات سياسية داخلية وصراعات عسكرية خارجية في نفس الوقت. على الصعيد الاقتصادي، يؤدي اختلاف الأوضاع الاقتصادية للدول العربية إلى تنوع المشاكل التنموية لها. من جهة، لا تزال بعض الدول العربية النامية تتورط في فقر مدقع وتفتقر إلى بيئة سلمية ومساعدات دولية ضرورية لتوفير ظروف صالحة لتنمية الاقتصاد. من جهة أخرى، تدخل بعض الدول العربية المتقدمة مرحلة حاسمة من إعادة الهيكلة الاقتصادية، وتواجه مهمة معقدة تتمثل في الموازنة بين التنمية المستدامة وضمان الإيرادات المالية والاستقرار الاقتصادي على مدى قصيرة. على الصعيد الاجتماعي، تتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة يوما تلو يوم، وتعجز المساعدات الدولية الكافية عن الدخول إلى المناطق المتضررة.  يواجه سكان غزة الجوع والمرض والموت في كل لحظة تحت الحصار. علاوة على ذلك، تتسبب النزاعات الإقليمية المستمرة في نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين إلى الدول المجاورة، مما يزيد من الأعباء الاجتماعية المحلية ويثير التوترات بين الفئات المختلفة.

 

لا شك في أن العالم العربي الآن يواجه تحديات كبيرة في الحوكمة العالمية، لكن مبادرة الحوكمة العالمية، وخاصة المفاهيم الأساسية الخمسة، لا تجسد منطق الصين ونهجها تجاه الشؤون العالمية فحسب، بل تقدم أيضاً حلاً صينياً لمعالجة مشاكل الحوكمة العربية مع احترام سيادتها وبما يتماشى مع احتياجات شعوبها التنموية.

 

المفهوم الأول: الالتزام بالمساواة في السيادة. هذا هو الشرط الأساسي للحوكمة العالمية. إن مبدأ المساواة في السيادة هو أهم قاعدة تنظّم العلاقات بين الدول، والمبدأ الأساسي المشترك الذي تتبعه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.

 

المفهوم الثاني: الالتزام بسيادة القانون الدولي. هذا هو الضمان الأساسي للحوكمة العالمية. إن المقاصد والمبادئ لميثاق الأمم المتحدة هي قواعد أساسية معترف بها عالميًا في تنظيم العلاقات الدولية، لذلك يجب الدفاع عنها بثبات لا يتزعزع.

 

المفهوم الثالث: الالتزام بتعددية الأطراف. هذا هو المسار الأساسي للحوكمة العالمية والمفهوم المحوري الداعم النظام الدولي القائم.

 

المفهوم الرابع: الالتزام بوضع الشعب في المقام الأول. هذا هو التوجه القيمي للحوكمة العالمية. إن الشعوب من جميع البلدان هم المشاركون والمستفيدون الأساسيون من الحوكمة العالمية.

 

المفهوم الخامس: الالتزام بتحقيق نتائج ملموسة. هذا هو مبدأ مهم للحوكمة العالمية. تتوقف فعالية الحوكمة العالمية على ما إذا كانت تحل المشاكل العملية.

 

بالنسبة للدول العربية التي تأسست عبر التحرر من الحكم الاستعماري والهيمنة الإمبريالية، المساواة في السيادة هي كانت هدفا في الماضي لنضال شعوبها الساعي إلى مقاومة العدوان والحصول على الاستقلال القومي، وتكون في اليوم حجر الزاوية لكل دولة للحفاظ على مكانتها في المجتمع الدولي. لكن في مجموعة من القضايا الدولية بما في ذلك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على الرغم من دعوت الدول العربية المستمرة لحل النزاعات من خلال الحوار والتشاور الدولي ورفض التدخل الخارجي، لا يزال العالم العربي يواجه التأثير السلبي الذي تفرضها بعض الدول الغربية بالأحادية والمعيار المزدوج والسلوك المهيمن. بالمقارنة مع ذلك، تؤكد الصين باستمرار على أن يتوجب على جميع الدول الالتزام بالقانون الدولي والقواعد الدولية على قدم المساواة، ومعارضة الهيمنة الإمبريالية والأحادية. وعلى النقيض من منطق اللعبة الصفرية الذي يفضله العالم الغربي، تدعم الصين باستمرار أن الحوكمة العالمية يجب خدمة الشعوب من أنحاء العالم، وأن يحق للشعوب من العالم العربي الاستفادة منها. من أجل تحقيق الهدف هذا، يؤكد كل من الصين والدول العربية على ضرورة معالجة القضايا العملية، بما فيها التحول الاقتصادي وخلق فرص العمل والحد من اللاجئين وتنمية الطاقة الخضراء، وإيجاد حلول مقبولة ومستدامة لجميع الأطراف من خلال التواصل والتشاور الدوليين، مما تحويل الحوكمة الدولية من مبادرات إلى واقع.

 

آفاق مستقبلية: التعاون الصيني العربي يعزز التكامل العميق لنظام الحوكمة العالمية

في مواجهة التحديات العالمية والتناقضات الهيكلية في الحوكمة، تتيح مبادرة الحوكمة العالمية آفاقًا جديدة لكيفية تطبيق التعاون المستقبلي بين الصين والدول العربية.

 

على الصعيد الاقتصادي، تُوفر مبادرة الحزام والطريق منصةً للتواصل المعمّق بين الصين والدول العربية، حيث تندمج الدول العربية بنشاط في هذا الإطار وتساهم في تطوير آليات الحوكمة الإقليمية. بالتفصيل، تعمل الصين والدول العربية على تعزيز الحوكمة الأمنية والاقتصادية الإقليمية المنسقة من خلال مشاريع الإعمار والإنشاء المشتركة مثل الموانئ والطرق والبنية التحتية الرقمية، مما يُرسخ نموذجًا جديدًا لنظام الحوكمة العالمية. لا يساعد هذا النمط من التعاون على تعزيز قدرات الحوكمة الإقليمية في المنطقة العربية فحسب، بل يُلهم أيضًا منظومة الحوكمة العالمية برؤى وخبرات الدول النامية.

 

على الصعيد السياسي، تُعمّق الصين والدول العربية التعاون متعدد الأطراف لتعزيز صوت الدول من الجنوب العالمي ودفع تحسين نظام قواعد الحوكمة العالمية. في مواجهة الظلم الهيكلي لنظام الحوكمة العالمية الحالي الذي تهيمن عليه الدول المتقدمة الغربية، تضافر الصين والدول العربية جهودها بنشاط لتعزيز صوت الدول النامية ومشاركتها في قضايا الحوكمة العالمية من خلال إصدار مبادرات مشتركة، وإنشاء آليات كالقمة الصينية العربية، مما يسهم في إصلاح نظام الحوكمة العالمية. إلى جانب ذلك، تدعم الصين الدول العربية في جهودها لزيادة تمثيلها في المنظمات الدولية، وتدعو مع الدول العربية إلى أن تتطور نظام الحوكمة العالمية وقواعدها نحو احترام المطالب المعقولة للدول النامية بشكل أفضل من أجل التقدم معا تدريجيًا إلى نظام جديد من الحوكمة المتعدد الأقطاب وأكثر إنصافًا وعقلانية.

 

على الصعيد الثقافي، تؤكد كل من الصين والدول العربية على التعايش السلمي والاستفادة المتبادلة بين الحضارات المختلفة. ويمكن للصين والدول العربية في المستقبل مواصلة تعزيز الحوار والتعاون بين الثقافات والحضارات في إطار اليونسكو والمنظمات الدولية الأخرى، والاستضافة المشتركة لمنتديات الحوار بين الحضارات لدعم مفهوم الثقافات العالمية بدلا من نظرية صراع الحضارات، بحيث يوفر المزيد من الرعاية الإنسانية والآراء المشتركة في نظام الحوكمة العالمية.

 

من المتوقع أن يتطلب تحسين نظام الحوكمة العالمية في المستقبل مشاركات فاعلة من العالم العربي. وفي ظلّ الوضع المعقد والمتقلب، لا تُعدّ الدول العربية مساهمةً هامّةً في قضايا الحوكمة العالمية فحسب، بل تُعدّ أيضاً شريكاً لا غنى عنها في عملية حلّ أي مشكلة عالمية تمس التنمية البشرية المشتركة. لذلك، تود الصين أن تواصل التعاون مع العالم العربيّ، مقدّمةً حكمتها وقوتها في سبيل بناء عالمٍ أكثر سلاماً وعدلاً وازدهاراً.

 

بواسطة: khelil

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

إقتباسات كلاسيكية للرئيس شي جين بينغ

في مئوية تأسيس الحزب الشيوعي الصيني

أخبار أذربيجان

الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكُتاب العرب أصدقاء الصين

أنا سفير لبلدي لدى جمهورية الصين الشعبية

مبادرة الحزام والطريق

حقائق تايوان

حقائق شينجيانغ

حقائق هونغ كونغ

سياحة وثقافة

هيا نتعرف على الصين

أولمبياد بكين 2022

الدورتان السنويتان 2020-2024

النشر في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

الإحصائيات


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *