شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
عبد القادر خليل*
في قلب صحراء غوبي الشاسعة، وتحديدًا في مقاطعة قانسو شمال غربي الصين، تلمع دونهوانغ كنجمة لا تُطفأ، شاهدة على قرون من التفاعل الحضاري والتبادل الثقافي الذي ربط الشرق بالغرب. لم تكن دونهوانغ مجرد محطة عبور على طريق الحرير القديم، بل كانت بوابة حضارية احتضنت المسافرين، والعلماء، والتجار، والفنانين من مختلف أرجاء العالم، وشكلت ملتقىً رائعًا للحضارات والثقافات والأديان.
دونهوانغ: درّة قانسو ومفترق الحضارات
تأسست مدينة دونهوانغ قبل أكثر من ألفي عام، وتحوّلت بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي إلى نقطة رئيسية على طريق الحرير، الذي لم يكن مجرد ممر تجاري لنقل البضائع، بل طريقًا عابرًا للثقافات والفنون والأفكار. كانت المدينة نقطة التقاء بين الصين ودول آسيا الوسطى، والشرق الأوسط، بل وحتى أوروبا، واحتضنت منذ وقت مبكر حركات دينية وفنية وفكرية متنوعة، منها البوذية التي تركت بصمتها في أرجاء المدينة، وخاصة في كهوف موقاو الشهيرة.
تُعد كهوف موقاو في دونهوانغ من أبرز الشواهد التاريخية على التفاعل الثقافي الغني، وهي مدرجة على قائمة التراث الثقافي العالمي لليونسكو. تضم هذه الكهوف أكثر من 700 كهف منحوت في الصخور، تحتوي على آلاف الجداريات والتماثيل والوثائق القديمة، مما يجعلها كنزًا لا يُقدر بثمن في تاريخ الفن والدين والمخطوط والحضارة الإنسانية.
“اكتشف دونهوانغ: نور طريق الحرير”: حدث إعلامي عالمي
وفي بحر هذا الأسبوع، تستعد دونهوانغ لاحتضان حدثٍ دولي بارز يعيد تسليط الضوء على قيمها الثقافية والتاريخية، ويعكس انفتاح الصين المتجدد على العالم من خلال الثقافة. إذ تُنظم الجولة الإعلامية الدولية بعنوان: “اكتشف دونهوانغ: نور طريق الحرير”، بمشاركة ممثلي وسائل إعلام من المجتمع الإعلامي الدولي لمدن التراث الثقافي والطبيعي العالمي.
يمثل هذا الحدث فرصة قيّمة لتعريف الإعلاميين من مختلف البلدان بالعراقة التاريخية والجمال الثقافي الفريد لدونهوانغ، ويأتي ضمن الجهود المتواصلة لتعزيز الحوار بين الحضارات، وإبراز الدور المحوري للتراث في بناء جسور التفاهم والتعاون بين الشعوب.
تتضمن الجولة زيارات ميدانية إلى مواقع أثرية بارزة مثل كهوف موقاو، وصحراء مينغشا، ومعبد الباغودا البيضاء، بالإضافة إلى لقاءات مع خبراء في الثقافة وحفظ التراث، وتغطيات حية تنقل للعالم صورة حيّة لدونهوانغ كرمز للسلام والانفتاح والتلاقي الثقافي.
كما تشكّل الجولة الإعلامية منصة لتعزيز التعاون بين المدن العالمية المدرجة على قائمة التراث العالمي، وتبادل الخبرات في مجالات حماية التراث وتوظيفه في خدمة التنمية المستدامة والسياحة الثقافية. وهي رسالة واضحة للعالم تؤكد أن دونهوانغ، كغيرها من المدن الصينية العريقة، ليست حاضنة للماضي فحسب، بل شريكة في صناعة المستقبل.
دونهوانغ.. انطباعات لا تُنسى
لقد سعدت بزيارة دونهوانغ في وقت سابق، وكانت تجربة استثنائية تركت أثرًا عميقًا في نفسي. لقد أبهرتني المدينة بجمال طبيعتها الساحرة، وتناسق عمارتها التاريخية، وثراء متاحفها، ودفء سكانها الذين يعكسون روح الضيافة الصينية الأصيلة. شعرت وأنا أتجول بين الكهوف القديمة، والأسواق الشعبية، والمراكز الثقافية، وعلى ضفاف بحيرة الهلال- أجمل وأقدم البحيرات الصغيرة, وفوق رمالها الذهبية المترامية الأطراف، وكأنني في حضن التاريخ، أتلمس ملامحه، وأستمع إلى همسات حضارات مرت من هنا، وخلّدت وجودها في الصخور واللوحات والمخطوطات.
إن دونهوانغ ليست مجرد مدينة، بل قصة حية لحضارة عريقة، ومثال حيّ على قدرة الثقافة على تجاوز الزمان والمكان، لترتبط بوجدان الإنسان في كل مكان.
أمنيات خالصة
وفي ختام هذه المقالة، لا يسعني إلا أن أعرب عن أحرّ تمنياتي بنجاح الجولة الإعلامية الدولية “اكتشف دونهوانغ: نور طريق الحرير”، وأن تحقق أهدافها في تعزيز التفاهم الثقافي، وتسليط الضوء على أهمية التراث العالمي في بناء عالم أكثر انفتاحًا وتعاونًا. أُبارك لجميع المشاركين في هذه الجولة المهمة، وأتمنى لهم تجربة ثرية وملهمة في رحاب دونهوانغ.
كما أعبّر عن شوقي لزيارة دونهوانغ مجددًا، تلك النجمة التي لا تغيب عن سماء التاريخ، وآمل أن تتاح لي الفرصة لاكتشاف المزيد من المدن الصينية المدرجة على قائمة التراث الثقافي والطبيعي العالمي، والتي تحمل كل منها قصة فريدة تستحق أن تُروى للعالم.
*عبد القادر خليل- رئيس تحرير شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية،، عضو مجلس الإدارة في الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل،، عضو الاتحاد الدولي للصُحفيين والإعلاميين أصدقاء وحُلَفَاء الصين.