شبكة طريق الحرير الإخبارية
في عالم يزداد اضطرابا بسبب الحروب الساخنة، والأزمات الإنسانية، والصراعات التجارية، احتضنت العاصمة الصينية بكين، يومي 10 و11 يوليو الجاري، “الاجتماع الوزاري لحوار الحضارات العالمية”، تحت شعار”حماية التنوع الحضاري ودعم السلام والتنمية في العالم”.
وقد شارك في الاجتماع أكثر من 600 ضيف من 140 دولة، من بينهم عدد من القادة السابقين والوزراء، إلى جانب حضور لافت من الصينولوجيين من مختلف أنحاء العالم، الذين ناقشوا قضايا التبادل والتعلّم بين الحضارات، وأهمية الدور الصيني في تعزيز السلام والتنمية عالميا.
وقال الصينولوجي الهندي فيكاس كومار سينغ إن هذا الاجتماع، الذي دعت إليه الصين، وفّر منصة مهمة للمسؤولين والباحثين من مختلف الدول للجلوس معا والتفكير بجدية في التحديات العالمية الراهنة. من جهتها، اعتبرت الصينولوجية الرومانية أندريا آما ستويون أن عقد الاجتماع في ظل الأوضاع الحرجة التي يمر بها العالم، يوفّر فرصة لتجاوز الصراعات الجيوسياسية المباشرة، والبحث عن القيم المشتركة التي تجمع البشرية، ويعكس في الوقت نفسه مسؤولية الصين في تعزيز السلام والحوار العالمي.
أما الصينولوجي الأرجنتيني إستيبان زوتيلي، فرأى أن الاجتماع قد ترجم قناعات الصين إزاء التنوع الحضاري باعتباره أساسا للتعاون وليس مصدرا للصراع، مؤكدا أن التعاون متعدد الأطراف يمكن أن يعزّز التنمية المستدامة بين الدول.
المبادرات الصينية: رؤى عالمية للتنمية والسلام
طرحت الصين في السنوات الأخيرة عددا من المبادرات العالمية التي تعكس رؤيتها لعالم يسوده السلام والتنمية والازدهار، من بينها: مبادرة الحزام والطريق، ومفهوم مجتمع المصير المشترك للبشرية، والمبادرات الثلاث الكبرى (مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية). وتمثل هذه المبادرات تجسيدا لتطلعات الصين نحو بناء عالم متناغم قائم على التعاون والتنمية المشتركة.
وفي هذا السياق، قالت الصينولوجية الفيتنامية بهام نغوغ تيوت إن هذه المبادرات تقدّم نهجا جديدا يمكن أن يساعد المجتمع الدولي على تجاوز المواجهات والنزاعات، والبحث عن أرضية مشتركة داخل إطار من التنوع يفضي إلى التعايش السلمي والتنمية طويلة الأمد.
من جانبها، ترى الصينولوجية القرغيزية مولتوفينا زلاتا أن هذه المبادرات تنطلق من رؤية تعتبر العالم أسرة واحدة، وتقوم على مبدأ التعاون والتبادل والتعلّم المتبادل بدلا من المواجهة. كما أنها تحترم خصوصيات الدول وخياراتها التنموية، وتدعو إلى شراكة قائمة على الاحترام.
أما الصينولوجي الإيراني إحسان دوست محمد، فعبّر عن أن المبادرات الصينية تستند إلى مبدأ “التشاور، والبناء المشترك، والمنافع المتبادلة”، وتدعو إلى حلّ النزاعات بالحوار، وترفض عقلية الحرب الباردة وسياسات القوة، وتؤكد على مبدأ المصير المشترك، وعلى ضرورة احترام التعددية الثقافية والسياسية.
وفيما يتعلّق بالجانب العملي، يرى الصينولوجي الأرجنتيني إستيبان زوتيلي أن هذه المبادرات توفّر حلولا صينية لتحسين الحوكمة العالمية واستيعاب التحولات الدولية، مشيرا إلى أنها تستمد جذورها من القيم الصينية التقليدية مثل التناغم والمنفعة العامة، وهو ما جعلها تلقى صدى إيجابيا في عدد كبير من دول العالم.
الثقافة الصينية: نحو عالم أكثر شمولا وتسامحا
تُعد الثقافة الصينية التقليدية أحد المحاور الرئيسة التي يوليها الصينولوجيون اهتماما خاصا، ليس فقط لقيمتها الإنسانية، بل أيضا لأنها تمثل الإطار القيمي لدولة تُعد ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وموطنا لخُمس سكان العالم. ويرى كثيرون أن الثقافة الصينية ليست مجرد مدخل لفهم الصين، بل هي أيضا مصدر حكمة يمكن أن يسهم في معالجة التحديات العالمية.
وفي هذا الصدد، قال فيكاس كومار: “إن العالم اليوم يعاني من غياب الثقة والاحترام، وإذا أردنا سلاما حقيقيا، فإن الثقافة الصينية التقليدية لديها الكثير لتقدّمه في هذا السياق، لا سيما فيما يتعلق بالاحترام والثقة المتبادلة.”
وتشير مولتوفينا زلاتا إلى أن مفاهيم مثل “الاعتدال” و”لي” (الاحترام ومساعدة الآخرين)، يمكن أن تساهم في بناء جسور الثقة بين الثقافات والحد من النزاعات، إذا ما حظيت هذه القيم بمزيد من الاهتمام على الصعيد الدولي.
ويؤكد إحسان دوست محمد أن الثقافة الصينية تدعو إلى كسب ودّ الآخرين بالفضيلة، وتولي أهمية كبيرة للأخلاق، وترفع شعار “التناغم رغم الاختلاف”، مستشهدا بمقولة كونفوشيوس: “لا تُكره الآخرين على ما لا ترضاه لنفسك”.
أما أندريا آما ستويون، فقد ركزت على أهمية قيم العائلة الصينية والتضامن المجتمعي، مشيرة إلى أنها ليست مجرد تقاليد تاريخية، بل يتم دعمها من قبل المؤسسات الثقافية والتعليمية، وتُعتبر جزءا من الصالح العام، مما يجعلها نموذجًا قابلاً للتأمل في وقت تعاني فيه مجتمعات عديدة من التفكك والنسبية الأخلاقية.
الصينولوجيون: جسر لفهم متبادل بين الصين والعالم
مع تنامي الدور الصيني على الساحة الدولية، تبرز الحاجة المتزايدة لفهم الصين من جهة، وفهم العالم من جهة أخرى. وهنا يأتي دور الصينولوجيين كجسر حيوي للتواصل بين الحضارات، يتجاوز حدود البحث الأكاديمي ليصبح رسالة إنسانية في التقريب بين الشعوب.
وتعبّر الصينولوجية الفيتنامية بهام نغوغ تيوت عن شعورها بالمسؤولية، قائلة: “نحن لا ندرس اللغة والتاريخ والفلسفة الصينية فحسب، بل نبني أيضا جسورا من التفاهم بين الصين والعالم. ومن خلال تشابه الصين وفيتنام في العديد من الجوانب الثقافية، يمكن أن يشكّل الحوار أرضية للتواصل العقلاني والصداقة.”
وفي السياق ذاته، يشير فيكاس كومار إلى أهمية مشاركة الصينولوجيين في مختلف قنوات الحوار، نظرا لفهمهم العميق للثقافة والتاريخ وطبيعة المجتمع الصيني. ويرى أن عليهم المساهمة في تصحيح المفاهيم الخاطئة، والتقريب بين الشعوب، وهو ما يؤثر بدوره على السياسات العامة، ويعزز العلاقات الدولية المستندة إلى الفهم والاحترام المتبادل.
يعكس الاجتماع الوزاري لحوار الحضارات العالمية رؤية الصين لبناء عالم أكثر تنوعا وشراكة وسلاما. وقد أبرزت مساهمات الصينولوجيين أهمية الفهم المتبادل كركيزة للتقارب بين الشعوب. وبينما تتزايد التحديات العالمية، تظل الثقافة والحوار الحضاري من أهم مفاتيح مستقبل أكثر إنصافا وتعاونا.
*مصدر: صحيفة الشعب اليومية أونلاين.