يَتمتعُ الكثيرُ من الصينيين بأعمار طويلة، فهل هناك سرٌّ وراءَ هذه الحياة الصحية الطويلة، هل لعوامل نمط حياتهم من غذاء وأنشطة اجتماعية وتفاؤل وحب للحياة ؟ أم أن السر يكمن في الجينات الوراثية التي يحملونها؟
أوضحت الدراساتُ مؤخراً أن 85 شخصا تقريباً من بين كل مليون صينى تفوق أعمارُهم الـ100عام في بلد المليار ونصف المليار نسمة وفقا لبيانات التعداد الوطني السابع في عام 2020 ،حيث وصل العدد الإجمالي لمن يبلغون من العمر 100 عام في الصين إلى 118866، ناهيك عن أولئك الذين تجاوزت أعمارهم الـ80 والـ90 عاما.دخلت الصين مرحلة “مجتمع الشيخوخة” منذ عام 1999م وتبرز مشاكلُ الشيخوخة تدريجيا في هذا البلد الذي سيتخطى ربع سكانِه سنَّ التقاعد في عام 2030، وبذلك سيتحمل عددٌ ليس بالكثير ممنِ هم في سنَّ العمل، نفقات العلاج وإعالة المسنين وستتفرع الاعتمادات المالية التي كانت تدفع التنمية الاقتصادية لتستخدم في رعاية كبار السن الذين يتزايد عددُهم مع كل ثانية تَمر.
وقد حظيتْ حياة المسنين باهتمام متزايد يوما بعد يوم في الصين لذا أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومجلس الدولة عددا من القرارات حول تعزيز حياة كبار السن في العصر الجديد، من تحسين نظام خدمة المسنين ونظام الدعم الصحي، وتعزيز المشاركة الاجتماعية لهم، والتركيز على بناء مجتمع ودودٍ يحتوى هذا العدد الكبير من الشيوخ المسنين في بلد يضع زعيمُه وقادتُه شعارَ( الشعب أولا)، بلد عنوانه الأمن والأمان والاستقرار والسلام يعيش بعيدا عن الحروب والنزاعات منذ عقود من الزمان، يسابق العالم في التنمية والرخاء والقضاء على الفقر ،لذا يعيش سكانُه في رغد من العيش هانئين معمرين في هدوء واطمئنان.
حتى نهاية عام 2021، كان هناك 267.36 مليون مُسِن تبلغُ أعمارُهم 60 عاما فما فوق في الصين، وهو ما يُمثل 18.9٪ من إجمالي السكان. كما يبلغ عدد السكان المسنين الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما فما فوق 200.56 مليون نسمة، وهو ما يمثل 14.2٪ من إجمالي السكان. وتبلغ نسبة إعالة المُسنين البالغين من العمر 65 سنة فما فوق في الصين 20.8 في المائة.
لعل الإجابة عن السؤال الخاص بسر طول أعمار الصينيين ترجع إلى عدة عوامل، أهمها النظام الغذائي المتوازن الذي يتناولونه فى وجبات خفيفة خالية من الدسم، رغم أنها تخلو من النكهة أحيانا ولا تحتاج إلى وقت طويل من التحضير والطهي ، فالمطبخ الصيني يخلو من “الأبيضين” (السكر والملح)،ويستخدم طريقة السلق في طهي الطعام بدلاً من الزيوت، كما يركز على تناول كميات كبيرة من الخضروات فالصينيون حريصون على أن تحتفظ الأطعمة التى يتناولونها بأغلبية الفيتامينات والمعادن، التي مُجملها مكَون من الأسماك و الذرة والشعير والقمح، واللوبيا وفول الصويا، والبسلة، ونسبة لصحة هذه الاطعمة، فإن هناك كثيراً من القرى والأرياف الصينية لا تعرف أمراضاً كالسرطان والسكر وهشاشة العظام وأورام الثدي والقولون، ويعمل المسنون فى هذه الأرياف فى الحقول الزراعية إلى أن يتجاوزوا الـ 90 عاماً.
ومن أهم العوامل التي تجعل الصينيين أصحاء، مواظبتهم على الرياضة كباراً وصغاراً، شيباً وشباباً، إلى درجة (الهوس).ولا تكاد تخلو الساحات والمنتزهات أو الحدائق الخضراء الجميلة في الصين من مكان مخصص للمسنين لممارسة الأنشطة الرياضية أو الرقص الجماعي المصحوب بالموسيقى الذي يميز أهل هذه البلاد خاصة الكبار منهم. واللافت أن معظمهم يتجاوزون العقد الثامن أو حتى التاسع ويظهرون انسجاماً كاملاً وغير عادي في ممارسة هذه الألعاب، وكأنهم ما زالوا شباباً.
أضف إلى ذلك، أن أغلبهم يُواظب على النوم في فترة القيلولة ويميل للنوم والاستبقاظ باكرا. كما أنهم يتميزّون بهدوء وبرود الأعصاب وعدم التوتر مما يُخفف من ضغوطاتهم النفسية، ويعيش معظمهم حياة زوجية سعيدة خالية من النكد والأكدار. فقد احتفل زوجان صينيان قبل سنوات بمقاطعة (قويتشو) بجنوب غرب الصين بمرور 90 عاماً على زواجهما، وعندما سئلا عن سر طول زواجهما وعمرهما الذي فاق المائة بعشرة أعوام، أجابا قائلين: (العمل الجاد والرضا بالنصيب والتفاهم) .
كثيراً ما يُداعبني بعض الأصدقاء الصينيين عندما نتحدثُ مازحين عن تقدم سنوات العمر، بقولهم :إنَّ مرحلة الشباب عندهم حتى سن الستين، وحقيقة هناك حياة حافلة بالعطاء والنشاط للكثيرين منهم بعد سن التقاعد، الذي يظنُه الكثيرُمن العرب وبعض الشعوب الأخرى بداية النهاية لحياتِهم..
ومن أهم العادات الصحية الفريدة التى يداوم عليها الصينيون شرب الشاى الأخضر، هذا المشروب السحري الذي يوقف زحف الشيخوخة، ويحمي من السرطان، ويقلّل من ارتفاع الكوليسترول، ويخفّف ضغط الدم والسكر، ويعد أحد أسرار رشاقة النساء الصينيات خاصة.
ومما قرأتُ من قبل “أن هناك رجلا صينيا اسمه لي تسيون أدعى أنه كان يبلغ من العمر 256 عاماً وقت وفاتِه، ودَعَمَ آخرون كثر تلك الرواية، فعلى سبيل المثال، في مطلع القرن العشرين أقسم جيرانُه أن أجدادهم تذكروه في شبابهم، وأنه كان بالفعل رجلاً مسناً في ذلك الوقت. لكن مع ذلك ليست هناك أدلة واضحة تؤيد تلك الرواية”.
وعندما طلبوا منه تقديم نصيحة لمن يريد أن يعمر في حياته قال :- “حافظ على قلب هادئ، واجلس مثل سلحفاة، وامشِ بخفة مثل الحمام، ونم مثل الكلب” هذه نصيحة الصيني لي تسينون، للتمتع بعمر مديد. وقد كان هذا الرجل بالنسبة للكثيرين أفضل من يُعطي نصائح بهذا الخصوص، فقد عاش أكثر من قرنين ونصف القرن ، تمتع خلالها بصحة جيدة؛ ليكون بذلك الرجل الأطول عمراً عند وفاته وفاته عام 1933 مع ذلك هناك شكوك حول عمر هذا المسنّ الصيني، إذ يعتقد البعض أنه ليس الأطول عمراً في العالم كما يدّعي فهناك من هو أطول عمرا منه في التاريخ. ووفقاً لما ورد فقد تزوّج الرجل 24 امرأة -جميعهن تُوفين قبله، إلا زوجته الأخيرة- وكان لديه 180 حفيداً يمتدون لـ11 جيلاً.
إذاً عزيزي القارئ، فالتقاليد العريقة ونمط الحياة له دور فعال في المحافظة على صحة الصينيين وإطالة أعمارهم التي فاق بعضها الـ 125 عاماً في (قوانغشى) ومايقرب منها في ماكاو وشنغهاى وغيرها من المدن والمقاطعات الصينية، مما يلقي بأعباء كبيرة على الحكومة الصينية لمضاعفة جهودها لرعاية كبار السن وحماية حقوقهم، فهل نحتذي بالتجربة المعيشية الصينية لنرتقي بأعمارنا؟
ولابد من التذكير إنَّ العمر الحقيقي للإنسان لا يُقاس بعدد السنوات التي يعيشها وإنَّما بقدر ما يقدم من عطاء ومساهمات لمجتمعه وللبشرية، وما أجمل أن يجتمع هذان العنصران طول العمر والعطاء في الإنسان الذي يسعى دائما للبقاء، فالأعمار بيد الله، أطال الله عمري وأعماركم جميعا.
*الكاتب: أسامة مختار
خبير بمجموعة الصين للإعلام – بكين
**خاص بموقع الصين بعيون عربية.