شبكة طريق الحرير الإخبارية/ خاص/
عبد القادر خليل*
قدّم السفير الصيني في الجزائر السيد دونغ قوانغلي عرضاً شاملاً استعرض فيه رؤية بلاده للحوكمة في مسار التنمية، وملامح “الخطة الخمسية الخامسة عشرة للصين”، إضافة إلى تقييم موسّع لواقع العلاقات الصينية-الجزائرية وآفاقها المستقبلية، وذلك خلال ندوة صحفية احتضنتها سفارة الصين بالجزائر لأبرز وسائل الإعلام الجزائرية، وأكد السفير أن الصين ماضية في “مشاركة فرص التنمية مع العالم”، وفي مقدمتها الدول الإفريقية والعربية، وعلى رأسها الجزائر.
حوكمة الصين: نجاح قائم على الاستقرار والرؤية بعيدة المدى
استهل السفير حديثه بالتأكيد على أن السرّ وراء “نجاح التجربة الصينية” يكمن في اعتماد نهج تنموي يتناسب مع خصوصيات الصين، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني. وأوضح أن الصين استطاعت خلال عقود قليلة تحقيق قفزة تاريخية نوعية من بلد فقير إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مشيراً إلى ارتفاع الناتج الداخلي الخام من 80 مليار يوان عند تأسيس الجمهورية إلى 140 ألف مليار يوان اليوم، مع متوسط دخل يفوق 13 ألف دولار للفرد، متجاوزًا المتوسط العالمي ومقتربًا من عتبة الدول ذات الدخل المرتفع. وبفضل السيادة الرشيدة في قيادة البلاد استطاع الحزب الشيوعي الصيني أن يحقق إنجازات غير مسبوقة في البلاد، انطلاقا التحرر من فترات الاستعمار والاستعباد والتخلص من الفقر والحرمان إلى بناء شامل لمجتمع رغيد الحياة ينعم بالرفاهية والازدهار، ضمن إستراتيجية تنموية جريئة، مكنت من تحقيق نتائج وفيرة للابتكار والإنتاج العلمي والتكنولوجي عالي الجودة، في جميع القطاعات الحيوية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة الجديدة…
وأوضح السيد دونغلي أن وضع الشعب في مركز العملية التنموية هو “العلامة الفارقة” للحزب الشيوعي الصيني، وسيبقى دائما الشعب في المقام الأول بالنسبة للقيادة الصينية، مستشهداً بإنجاز القضاء على الفقر المدقع خلال فترة وجيزة، الذي شارك فيه أكثر من ثلاثة ملايين موظف ميداني من أعضاء الحزب، ودفع فيه أكثر من 1800 مسؤول حياتهم ثمناً، خلال تأديتهم لمهامهم الإنسانية النبيلة في تلك المناطق التي تعاني من الفقر والحرمان.
كما شدد على مبدأ “الثورة الذاتية للحزب”، الذي يمثّل – حسب قوله – أحد أسرار تجنب الصين لدورات الانحطاط السياسي. وأشار إلى الإجراءات الصارمة لمحاربة الفساد وتعزيز الحوكمة الحديثة في الدولة والمجتمع.
الخطة الخمسية الـ15: تركيز على الجودة والابتكار والرفاه الاجتماعي
أوضح السفير أن “الخطة الخمسية الـ15”، التي صادق عليها مؤخراً الاجتماع الرابع للجنة المركزية للحزب الشيوعي، تحدد الاتجاهات الكبرى للصين خلال السنوات الخمس المقبلة، وتشمل:
– تعزيز التنمية عالية الجودة مع التركيز على التصنيع المتقدم والأسواق الداخلية والانفتاح الخارجي.
– جعل الابتكار محركاً أساسياً عبر تعميم مبادرة “+AI” وتوسيع رقمنة الاقتصاد والمجتمع.
– تحسين معيشة السكان من خلال الاستثمار في التشغيل، التعليم، الضمان الاجتماعي، الصحة، السكن ورعاية كبار السن والأطفال.
– توسيع الانفتاح الاقتصادي وإزالة العراقيل أمام بناء سوق وطنية موحدة.
– المضي نحو تنمية خضراء وآمنة وتعزيز القدرات الدفاعية.
الصين والعالم: قوة اقتصادية واستقرار سياسي
وشدد السفير على أن استمرار إصلاح الصين وارتفاع مستويات الدخل سيمنح العالم “ديناميكية إضافية للنمو”، مشيراً إلى أن بلاده ساهمت خلال الخطة السابقة بـ30٪ من نمو الاقتصاد العالمي.
وأبرز السيد دونغ مبادرة الصين لمنح تعريفة صفرية لجميع الواردات من منتجات 53 دولة إفريقية لها علاقات دبلوماسية مع بكين، مؤكداً أن ذلك سيعزز التنافسية الإفريقية، ويجذب الاستثمارات، ويدفع الصناعات المحلية نحو التحديث.
كما تحدث باستفاضة عن الدور “الاستباقي” للصين في الدفاع عن السلام العالمي، مستشهداً بإصدار كتاب أبيض جديد حول نزع السلاح ومنع الانتشار النووي، وبموقف الصين الثابت من قضايا السيادة، بما فيها مسألة تايوان.
وفي محور “الحوار بين الحضارات”، أبرز السفير أن نجاح الصين يقدم نموذجاً بديلاً للتحديث بعيداً عن النموذج الغربي التقليدي، مشيراً إلى مبادرة “تحالف مراكز أبحاث الجنوب العالمي” لتعزيز التفاهم الثقافي وتبادل الخبرات في الحوكمة.
العلاقات الصينية-الجزائرية: شراكة في أوج قوتها
أكد السفير أن العلاقات الثنائية تشهد “أقوى مراحلها”، بفضل التوجيه المباشر للرئيس عبد المجيد تبون ونظيره الصيني شي جينبينغ. وتميز عام 2025 ـ حسبه ـ بالإنجازات التالية:
1-تعزيز الثقة السياسية المتبادلة والتنسيق الدبلوماسي، حيث تتواصل زيارات كبار المسؤولين بين البلدين، مع تبادل منتظم للخبرات في الحوكمة ودعم ثابت للقضايا الأساسية لكل طرف.
– تحقيق قفزة في التعاون الاقتصادي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري تجاوز 10 مليارات دولار وقد يفوق أرقام العام الماضي. توقيع 8 اتفاقيات استثمارية تتجاوز قيمتها الأولية 2 مليار دولار خلال “منتدى الأعمال الجزائري-الصيني”. الاستثمارات الصينية الموجودة في الجزائر تقارب 7 مليارات دولار.
– تقدم كبير في مشاريع استراتيجية مثل مركز الخدمات الرقمية الوطني، وخطي السكة الحديدية للمناجم شرقاً وغرباً.
– انطلاق الرحلات المباشرة بين قوانغتشو والجزائر.
– تقدم ملموس في مجالات التعدين، الطاقات المتجددة، والتحول الرقمي.
كما نوه السفير بالحيوية المتزايدة في التبادل الثقافي: حيث تم افتتاح أول معهد كونفوشيوس بجامعة الجزائر 2، وتنظيم فعاليات ثقافية ولغوية مستمرة، وسط اهتمام ملحوظ من الشباب الجزائري بالثقافة الصينية.
كما ذكّر السيد دونغ بإرسال الصين للجزائر 28 بعثة طبية منذ عام 1963، عالجت أكثر من 27 مليون مريض، وأن البعثة الـ29 ستباشر عملها قريباً.
إن رؤى التحديث في الصين والجزائر تتقاطع في أهدافها، وأن آفاق التعاون بين البلدين واسعة. وأعرب عن استعداد الصين للعمل مع الجزائر لتعزيز التعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق” عالية الجودة، وتوسيع الشراكة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والاقتصاد الرقمي، بما يفتح آفاقاً جديدة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
شبّه السفير التلاقي بين “الخطة الخمسية الـ15” ورؤية “الجزائر الجديدة” بأنه “تناغم تنموي كبير”، مؤكداً وجود مجالات واعدة للتعاون بين البلدين الصديقين.