شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
بقلم: المهندس غسان جابر*
هناك زيارات تمرّ كالسلام العابر، وهناك زيارات تبقى كالخطّ العريض على صفحة الأيام. الزيارة العربية إلى الصين كانت من النوع الثاني. لم تكن رحلة صحفية عادية، ولا جولة بروتوكولية تُلتقط فيها الصور ثم تُنسى. كانت أشبه برسالة مكتوبة بخط هادئ، لكنها تحمل بين سطورها الكثير من المعاني.
الصين، تلك القارة التي تمشي فوق خريطة العالم بثقة، قررت أن تفتح بابها لوفد من الإعلاميين العرب. دعوة تحمل تقديرًا، وتكشف أن بكين لم تعد تنظر إلى العالم العربي من بعيد، بل تريد أن تسمعه… وتتحاور معه… وتبني معه علاقة من طراز جديد.
وأنا أقرأ ما كتبه الأستاذ نجيب الكمالي عن تلك الزيارة، شعرت أنها كانت أكثر من رحلة. كانت امتحانًا صغيرًا لقدرة الإعلام العربي على أن يرى الأشياء كما هي، لا كما تُروى في نشرات الأخبار.
الصين لا تُقرأ من مسافة في الصين، لا شيء يحدث بالصدفة. كل حجر وُضع في مكانه بقرار. وكل خطوة في اقتصادها العملاق تبدأ بفكرة ثم خطة ثم تنفيذ. لذلك، حين يجلس إعلاميون عرب مع قيادة الحزب الشيوعي الصيني، فهم لا يسمعون خطبة، بل يتلقّون درسًا في كيفية إدارة دولة تعرف إلى أين تتجه.
والجميل أن الصين لم تطلب منهم أن يمدحوها، بل أن يفهموها. وهذه وحدها رسالة تكفي.
تحطيم الصور المعلّبة
الإعلام العربي—وربما العالمي—ملئ بالصور الجاهزة: هذا جيد، وهذا سيء، وهذا يشبه ما نريد، وهذا لا يشبه أحدًا.
لكن حين تُزاح الستارة، وتظهر الصين على حقيقتها، تدرك أن نصف ما نعرفه عنها ناقص، والنصف الآخر غير دقيق. وهنا يأتي دور الإعلاميين العرب:
لا مبالغون… ولا محامون… وإنما ناقلو حقيقة كما هي، بلا زينة ولا تشويه.
شراكة لا تريد أن تكون ضيفًا
الصين لا تتعامل مع العالم بمنطق الضيوف والولائم. هي دولة تخطط لعشرات السنين، وتريد من الإعلام العربي شريكًا لا مشاهدًا. شريكًا يُسهم في تقوية الفهم المتبادل، ويجسر الهوة بين ثقافتين تمتدان على آلاف الأميال، لكنهما تلتقيان في نقطة واحدة: احترام التاريخ، والنظر إلى المستقبل بعين مفتوحة.
طموح لأن تستمر اللقاءات
والحق أن مثل هذه اللقاءات لا يجب أن تبقى ذكرى.
بل يجب أن تتكرر، وتتوسع، وتضم إعلاميين من مختلف البلدان العربية. لأن الحوار الحقيقي لا يولد من مقال ولا من تصريح، بل من الجلوس وجهًا لوجه، ومن النظر إلى دولة مترامية الأطراف وهي تشرح كيف أصبحت قوة اقتصادية تصنع نصف كهرباء العالم وتصدر نصف ما يلبس البشر.
نحن، كإعلاميين عرب، لا نريد أن نبقى في مقاعد المتفرجين. نريد أن نكون جزءًا من هذا المسرح العالمي الذي تتحرك فيه الصين بثبات وهدوء.
نقول: زيارة الوفد العربي إلى الصين كانت كنافذة فُتحت على عالم واسع، يُدار بحسابات دقيقة ورؤية بعيدة المدى. وما كتبه الأستاذ نجيب لم يكن مجرد تذكير بالحدث، بل دعوة لاستمرار هذا النوع من اللقاءات، حتى يصبح الحوار عادة لا مناسبة، وعملًا لا أمنية.
والأمل أن يكون للزيارات القادمة نصيب أكبر، وأن تتسع الدائرة، وأن نكون جزءًا من م. هذه التجارب التي تجعل الإعلام العربي حاضرًا لا شاهدًا، مشاركًا لا متفرجًا، وشريكًا حقيقيًا في علاقات تُبنى على الثقة والاحترام والعمل المشترك.
*م. غسان جابر – قيادي فلسطيني