واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 2009 يوم 18 يوليو من كل عام, المصادف ليوم ميلاد الزعيم الراحل (18 يوليو 1918), يوما عالميا, في أول تكريم من نوعه من منظمة دولية لشخص, اعترافا بإسهاماته في ثقافة السلام والحرية على مستوى العالم, واخلاصه في “الدفاع عن قضايا انسانية منها حل النزاعات والمصالحة بين الاعراق وحقوق الانسان”, حسب ما جاء في اعلان الامم المتحدة.
و احتفل العالم بهذا اليوم للمرة الاولى في الذكرى ال92 لميلاد مانديلا عام 2010, في تقليد لا يزال مستمرا إلى غاية اليوم تشجيعا للأفراد لإحداث تأثير إيجابي في مجتمعاتهم والعالم, قصد اشاعة قيم العدالة الاجتماعية والمصالحة.
وفي هذا السياق, دعا الأمين العام للأمم المتحدة, أنطونيو غوتيريش, الى احياء ارث مانديلا الذي “كان قائدا ذا إنجازات هائلة وروح إنسانية فائقة”, معتبرا أن “كل شخص على مستواه قادر على العمل وإلهام التغيير من حوله وجعل العالم أفضل”.
وقال غوتيريش, في رسالة بمناسبة هذا الحدث الذي يتم احياؤه هذا العام تحت شعار : “القدرة على القضاء على الفقر وعدم المساواة تكمن في أيدينا جميعا”, أن “حياة نيلسون مانديلا الاستثنائية أظهرت كيف يمكن لشخص واحد أن يحول القمع والاستعباد, إلى مصالحة وعدالة اجتماعية ووحدة”.
وتابع بأن مانديلا, “الذي آمن بقوة العمل الجماعي والمحلي, كان يعلم أن الناس العاديين قادرون على تغيير مجرى التاريخ, و أن التغيير الدائم يبدأ في الأحياء والمجتمعات المحلية”, داعيا في “هذا اليوم المهم وفي كل يوم إلى الاسترشاد بحياة الرجل”.
واستطرد المسؤول الاممي يقول : “لا تزال حياة نيلسون مانديلا, وهي حياة خدمة الآخرين والتنقل من أجلهم, تلهم عملنا في الأمم المتحدة التي نحتفل بذكراها الثمانين حاليا”, مشيرا الى أن “إرث مانديلا هو دعوة لإحياء التزامنا العالمي بالسلام والعدالة والكرامة الإنسانية”.
وتكريما لأيقونة الكفاح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا, دعت الامم المتحدة الى تخصيص 67 دقيقة من الوقت في 18 يوليو من كل عام, للعمل في خدمة المجتمع, تخليدا للسنوات ال67 التي خصصها مانديلا لخدمة مواطنيه والانسانية كمحام لحقوق الإنسان وسجين رأي ومهندس سلام دولي و أول رئيس منتخب ديمقراطيا لجنوب افريقيا الحرة.
الثورة الجزائرية مصدر إلهام لمانديلا
بدأ نيلسون مانديلا معركته ضد نضام الفصل العنصري الذي كان سائدا في بلاده, وهو في ريعان شبابه, حيث أسس “رابطة شباب المؤتمر الوطني الإفريقي” ليقود في عام 1952 حملة واسعة النطاق ضد القوانين العنصرية الظالمة في جنوب افريقيا, ما أدى الى اعتقاله, قبل أن يطلق سراحه في فبراير 1990 بعدما أشعلت حملة “حرروا نيلسون مانديلا” الغضب ضد النظام الحاكم آنذاك.
وأمام الضغوطات الداخلية والخارجية, قرر رئيس جنوب افريقيا المنتخب حديثا, فريديريك دي كليرك, في خطوة وصفت ب”الصادمة” آنذاك رفع الحظر عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وجميع الأحزاب السياسية المحظورة سابقا, ودعا إلى “جنوب إفريقيا غير عنصرية”, و أطلق سراح مانديلا دون قيد أو شرط بعد 27 عاما قضاها في السجن.
وبمجرد استعادته حريته, عاد مانديلا إلى النشاط السياسي وقاد المؤتمر الوطني الإفريقي في مفاوضاته لإنهاء نظام الفصل العنصري وإقامة حكومة جديدة متعددة الأعراق, وذهب إلى نيويورك في يونيو 1990 نائبا لرئيس المؤتمر الوطني الإفريقي لإلقاء كلمة أمام اللجنة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد أكسبه عمله الدؤوب جائزة نوبل للسلام عام 1993 والتي تقاسمها مع فريدريك دي كليرك. وبعد مرور عام, فاز حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بأول انتخابات حرة ومتعددة الأعراق في البلاد بأغلبية كبيرة, وأصبح مانديلا أول رئيس منتخب ديمقراطيا لجنوب افريقيا.
وقرر مانديلا في عام 1999 الانسحاب من الحياة السياسية رغم استمراره في الدفاع عن السلام والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان حتى وفاته في ديسمبر 2013.
ونظرا للعلاقة الوطيدة التي كانت تربط نيلسون مانديلا بالجزائر, حيث كان مولعا بتاريخ المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي و استلهم منها كثيرا في كفاحه ضد نظام الفصل العنصري, خصص أيقونة السلام والنضال زيارته الأولى إلى الخارج للجزائر, عرفانا بالدعم الذي قدمته لكفاح شعب جنوب إفريقيا ضد سياسة الأبارتهايد.
وفي مذكراته بعنوان “الدرب الطويل نحو الحرية”, كتب مانديلا -الذي تلقى تكوينا عسكريا بالجزائر وكان يعتبر الثورة الجزائرية مصدر إلهام له- أن النموذج الأقرب لكفاح شعبه ضد الأبارتهايد هو “ثورة الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي, كون المجاهدين الجزائريين -كما قال- واجهوا جالية هامة من المستعمرين البيض الذين كانوا يحكمون أغلبية الأهالي”.
وتكريما لحياة و ارث مانديلا, أنشأت الأمم المتحدة في عام 2014 جائزة تحمل اسمه, وهي وسام فخري يمنح كل خمس سنوات لشخصين “يعكس عملهما إرث الرئيس الجنوب إفريقي الراحل, في القيادة والتواضع والخدمة والوحدة عبر الحدود”.
ومنحت الجائزة في سنة 2025 للناشطة الكندية الملتزمة بالدفاع عن حقوق الشعوب الأصلية, بريندا رينولدز, والناشط في المجتمع المدني في كينيا, كينيدي أوديدي “تقديرا لأعمالهما لصالح العدالة وتمكين المجتمع ومقاومة القمع, وهي المبادئ التي جسدها نيلسون مانديلا”.
أما فيما يتعلق بترشيح المغربية أمينة بوعياش للجائزة المذكورة, فقد تم استبعادها في آخر المطاف من قبل لجنة اختيار المرشحين بعد موجة الرفض الواسعة التي أثارها ملفها بسبب السجل الأسود لحقوق الانسان في المغرب, إذ وصف صحفيون وحقوقيون مغاربة وسكان منطقة الريف في المملكة المغربية ومنظمات صحراوية ذلك الترشيح بأنه “خيانة لإرث نيلسون مانديلا و لقيمه النضالية”.