شبكة طريق الحرير الإخبارية/
الرئيس الانتقالي للجمهورية العربية السورية، أحمد الشرع، في زيارة عمل إلى جمهورية أذربيجان، وقد حظيت باهتمام كبير من نواحٍ عدة
الكاتب: المحلل السياسي توران رضايف
بادئ ذي بدء، تجدر الإشارة إلى أن الرئيس أحمد الشرع عقد خلال زيارته اجتماعين مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الأول بمشاركة وفدي البلدين، والثاني لقاء ثنائي مغلق. وقد تناولت اللقاءات العديد من القضايا الهامة وتمت مناقشتها بشكل موسّع.
في الواقع، كانت زيارة أحمد الشرع إلى أذربيجان متوقعة، حيث التقى الرئيس إلهام علييف نظيره السوري خلال مشاركته في منتدى أنطاليا الدبلوماسي الرابع بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقد تبادل الزعيمان خلال هذا اللقاء الآراء حول مختلف المواضيع. ومن خلال ذلك اللقاء، وجّه الرئيس الأذربيجاني دعوة رسمية للرئيس الشرع لزيارة باكو.
زيارة أحمد الشرع إلى باكو قد تفضي إلى نتائج سياسية واقتصادية مهمة لسوريا في مرحلتها الانتقالية. ومن حيث إعادة دمج سوريا إقليميًا ودوليًا، فإن هذه الزيارة تُعدّ خطوة استراتيجية بالغة الأهمية. ولم يعد خافيًا على أحد أن أذربيجان باتت تقود هذا المسار الحيوي.
باعتبارها لاعبًا استراتيجيًا في سوق الطاقة الإقليمي والدولي، يمكن لباكو أن تؤدي دورًا فعالًا في إعادة تأهيل البنية التحتية لقطاع الطاقة في سوريا. ومن اللافت أن بعض التصريحات التي صدرت عن لقاء أنطاليا بين الرئيسين بدأت تتحول إلى خطوات دبلوماسية ملموسة. فعلى سبيل المثال، أعلن الرئيس إلهام علييف أن “أذربيجان مستعدة للمشاركة في إعادة إعمار سوريا”، واليوم نشهد خطوات عملية تؤكد هذه النية.
النموذج المقترح للتعاون من قبل سوريا يوفّر فرصًا مواتية لأذربيجان لتوسيع استثماراتها طويلة الأمد ونفوذها الاستراتيجي في المنطقة. فالتجربة التي تمتلكها باكو في قطاعي النفط والغاز، إضافة إلى خبراتها التكنولوجية المتقدمة، ووجود شركات كبرى مثل شركة النفط الوطنية الأذربيجانية (SOCAR)، تجعل من أذربيجان شريكًا جاذبًا لدمشق.
في وقت سابق، عبّرت SOCAR من خلال مستويات عليا في تركيا عن اهتمامها بقطاع الطاقة السوري. وفي 12 يوليو، وضمن زيارة الشرع إلى أذربيجان، تم توقيع مذكرة تفاهم بين شركة النفط الوطنية الأذربيجانية وحكومة الجمهورية العربية السورية.
تتعامل باكو مع هذا الملف ليس فقط من منظور اقتصادي، بل من زاوية استراتيجية كذلك. فاستقرار سوريا وإعادة دمجها الاقتصادي والسياسي في المنطقة يتطلب إعادة تأهيل قطاعها الحيوي للطاقة، ويمكن لأذربيجان أن تكون أحد اللاعبين الأساسيين في هذا المسار.
إحدى النقاط البارزة في هذا التعاون هي قدرته على كسر جزئي للعزلة الطويلة التي تعاني منها سوريا. إذ أن بناء شراكة مع دولة مثل أذربيجان، خارج محور التأثير الغربي، ويقوم على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة، قد يفتح لدمشق آفاقًا جديدة للتنفس سياسيًا واقتصاديًا.
ومن الرسائل الرمزية المهمة لهذه الزيارة أيضًا، أن سوريا لم تعد كما في السابق ساحة فوضى ومخاطر، بل باتت تُعامَل من قبل قوى إقليمية وازنة كشريك موثوق. ويمكن الإشارة هنا إلى قرار الرئيس الشرع بتعيين قائد الفيلق الثاني، اللواء فهيم عيسى، المنتمي إلى الأقلية التركمانية، نائبًا لوزير الدفاع وقائدًا للمنطقة الشمالية، وهو ما يشير إلى وجود ضمانات أمنية على الأرض تسمح ببدء مشاريع كبرى مثل مشاريع SOCAR، كما يعكس هذا التعيين سعيًا للحفاظ على التوازن الداخلي وتوجيه رسالة طمأنة إلى مكونات المجتمع السوري كافة.
ولا يمكن تجاهل العامل الإسرائيلي. فالعلاقات الاستراتيجية الوثيقة بين أذربيجان وإسرائيل قد تفتح المجال أمام تنسيق مشترك مستقبلي في مشاريع الطاقة. بل إن فكرة مرور خطوط الطاقة عبر الأراضي السورية وصولًا إلى إسرائيل بدأت تأخذ منحى جديًا بعد أن كانت تُعدّ محض خيال.
من الممكن أن تلعب باكو دور الوسيط في عملية تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل. وليس مستبعدًا أن يكون القادة قد ناقشوا إمكانية عقد لقاءات في باكو برعاية أذربيجانية. ومن المحتمل أن نشهد في المستقبل القريب اجتماعات مباشرة على هذا المسار.
وبناءً على كل هذه المعطيات، يمكن القول إن زيارة أحمد الشرع إلى باكو لم تكن مجرد خطوة دبلوماسية تقليدية، بل تمثل حجر الأساس لهندسة تعاون إقليمي جديد من شأنه أن يربط جنوب القوقاز بشرق البحر الأبيض المتوسط. هذه الشراكات القائمة على الاحترام والحاجة المتبادلة، قد تمثّل نموذجًا فاعلًا في ترسيخ التوازن والاستقرار في المنطقة.
الكاتب: المحلل السياسي توران رضايف