شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم: ريماس الصينية – صحفية في CGTN العربية
في التاسع من يونيو الجاري، عقد الوفدان الصيني والأمريكي أول اجتماع ضمن آلية المشاورات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وذلك في العاصمة البريطانية لندن. ويعد هذا اللقاء ثمرة مباشرة للمكالمة الهاتفية الأخيرة التي جرت بين رئيسي البلدين، الأمر الذي حظي باهتمام واسع من مختلف الأوساط الدولية.
وأشارت وسائل إعلام بريطانية، من بينها ”رويترز“ و”قناة سكاي نيوز“، إلى أن هذا اللقاء المباشر من شأنه أن يسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين، ويعمق التفاهم والثقة المتبادلة. كما صرح لي تشنغ قانغ، الممثل الصيني للتجارة الدولية ونائب وزير التجارة، بأن هذه المحادثات في لندن ستسهم في دفع العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة نحو مزيد من الاستقرار والنمو الصحي، وتضخ طاقة إيجابية في مسيرة الاقتصاد العالمي.
الوضع الراهن والتقلبات في العلاقات الاقتصادية الصينية-الأمريكية
في أعقاب المحادثات رفيعة المستوى التي جرت في مايو الماضي، أصدرت الصين والولايات المتحدة ”البيان المشترك لاجتماع جنيف الاقتصادي والتجاري“، حيث تعهدت الولايات المتحدة بإلغاء 91% من الرسوم الجمركية التي فرضتها في أبريل، في حين ألغت الصين إجراءات مضادة بالحجم نفسه. كما اتفق الطرفان على تعليق فرض 24% من الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة 90 يوما، مع الإبقاء فقط على نسبة 10% كرسوم أساسية.
وقد اعتبر هذا الإنجاز المؤقت مفاجئا للكثيرين، إذ عكس إمكانية التوصل إلى حلول عملية عبر الحوار المتكافئ والمشاورات البناءة. كما ساعد على تبديد المخاوف العالمية من تصعيد النزاع التجاري، وضخ جرعة من الثقة في النظام التجاري الدولي.
لكن هذا الهدوء لم يدم طويلا؛ إذ سرعان ما شهدت الساحة تصعيدا جديدا من جانب الولايات المتحدة، تمثل في فرض إجراءات تقييدية وتمييزية جديدة ضد الصين، من بينها إصدار إرشادات لتقييد تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي، ووقف بيع برامج تصميم الرقائق الإلكترونية (EDA)، إضافة إلى إلغاء تأشيرات دخول عدد من الطلبة الصينيين. وتندرج هذه الخطوات ضمن سياسة احتواء وضغط تهدف إلى تقويض قدرات الصين. من هنا، تزداد أهمية إجراء حوار قائم على الاحترام المتبادل والندية.
الحوار والحفاظ على مكتسباته: مفتاح كسر الجمود
لقد تطورت العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة على مدى عقود لتشكل نموذجا للتكامل والمنافع المتبادلة. ومن غير الواقعي التفكير في ”فك الارتباط“ الكامل بين الاقتصادين. أما في ظل التحديات الحالية، فإن الخيار الأمثل هو مواصلة الحوار، وحماية الإنجازات التي تحققت بصعوبة.
يتطلب الحفاظ على الحوار تبني نظرة عقلانية وموضوعية إلى العلاقات الاقتصادية بين البلدين. فعند تحليل المعطيات، يتضح أن الفوائد الاقتصادية المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة متوازنة إلى حد كبير. صحيح أن الولايات المتحدة تسجل عجزا في تجارة السلع مع الصين، إلا أن هذا العجز يعود إلى طبيعة الهيكل الاقتصادي الأمريكي، وإلى مبدأ المزايا النسبية والتقسيم الدولي للعمل.
وفي المقابل، تتمتع الولايات المتحدة بفائض واضح في تجارة الخدمات، وتفوق في مجال الأنشطة العابرة للحدود. ففي عام 2024، بلغ فائضها في تجارة الخدمات مع الصين 27.3 مليار دولار أمريكي. كما بلغت مبيعات الشركات الأمريكية داخل الصين في عام 2022 نحو 490.5 مليار دولار، مقابل 78.6 مليار دولار فقط لمبيعات الشركات الصينية في الولايات المتحدة، أي بفارق يتجاوز 400 مليار دولار.
وعند جمع مؤشرات تجارة السلع والخدمات ومبيعات الفروع المحلية للشركات في كلا البلدين، يتضح أن العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة قائمة على مبدأ ”الربح المتبادل“، لا ”الصراع الصفري“ أو ”رابح مقابل خاسر“.
أما النتائج التي يتم التوصل إليها عبر الحوار، فتتطلب التزاما مشتركا بالحفاظ عليها. فلا يمكن التوقيع على اتفاقيات اليوم وفرض إجراءات عقابية في اليوم التالي. وإذا كانت الولايات المتحدة جادة فعلا في حل المشكلات الاقتصادية بين البلدين، فعليها إظهار روح من الصدق والمسؤولية. أما التلاعب بسياسة ”الاتفاق ثم الانسحاب ثم فرض العقوبات“، فلن يؤدي سوى إلى تقويض الثقة المتبادلة، وتعقيد مسار المفاوضات.
فالتعاون يتطلب نية صادقة، أما المواجهة فلا تجلب إلا الخسائر للطرفين. وإذا استمرت الولايات المتحدة في هذه السياسات المتناقضة، فإنها لن تلحق الضرر بالعلاقات الثنائية فحسب، بل ستقوض النظام التجاري الدولي بأسره.
أهمية التعاون الصيني-الأمريكي للاقتصاد العالمي
باعتبارهما أكبر اقتصادين في العالم، تشكل العلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة عنصرا بالغ الأهمية في استقرار الاقتصاد العالمي. وتشير البيانات إلى أن التبادل التجاري بين البلدين يشكل نحو 20% من حجم التجارة العالمية، كما يبلغ مجموع الناتج المحلي الإجمالي لهما نحو 40% من الناتج العالمي.
ويظهر الترابط العميق في سلاسل الإمداد والصناعة بين الجانبين أن أي خلل أو تراجع في هذه العلاقة ستكون له انعكاسات سلبية واسعة على استقرار الأسواق وسلاسة تدفق التجارة العالمية.
وفي ظل التباطؤ الاقتصادي العالمي وتصاعد النزعة الحمائية، فإن سعي الصين والولايات المتحدة إلى تعزيز الحوار البناء، وإدارة الخلافات، وتوسيع نطاق التعاون، لا يخدم فقط مصالح الشركات في كلا البلدين، بل يعد عاملا رئيسيا في الحفاظ على النظام التجاري متعدد الأطراف واستقرار سلاسل التوريد العالمية.
وكما أكد صندوق النقد الدولي، فإن العلاقات الاقتصادية البناءة بين الصين والولايات المتحدة تعد ”ثقل التوازن“ الذي يضمن استقرار الاقتصاد العالمي. وعليه، فإن السبيل الوحيد لتوفير اليقين في ظل عالم مليء بالمتغيرات، هو الالتزام بالحوار القائم على الندية والمنفعة المتبادلة، وترجمة التفاهمات إلى خطوات ملموسة، بما يدفع عجلة التجارة العالمية نحو مستقبل أكثر استقرارا.