شبكة طريق الحرير الإخبارية/

كازاخستان: دولة محورية في قلب آسيا ومسارات التعاون مع الجزائر

عبد القادر خليل*

مقدمة

تُعد كازاخستان من الدول ذات الأهمية المتزايدة على الساحة الآسيوية والعالمية، نظرًا لموقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية الغنية، فضلاً عن دورها النشط في المبادرات الاقتصادية الكبرى مثل “مبادرة الحزام والطريق” الصينية. هذه الدولة الشاسعة، التي تجمع بين طابعها الآسيوي العريق وانفتاحها على العالم، أصبحت تمثل حلقة وصل بين الشرق والغرب، وتكتسب أهمية خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية. في هذه المقالة، نسلط الضوء على ما يميز كازاخستان من حيث موقعها الجغرافي ودورها التاريخي في طريق الحرير، مرورًا بمميزاتها الاقتصادية والسياحية، وصولاً إلى علاقاتها المتنامية مع الجزائر.

الموقع الجغرافي وأهميته الآسيوية

تقع كازاخستان في قلب آسيا الوسطى، وتُعد أكبر دولة غير ساحلية في العالم من حيث المساحة، إذ تمتد على أكثر من 2.7 مليون كيلومتر مربع. يحدها من الشمال روسيا، ومن الشرق الصين، ومن الجنوب قرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان، بينما تطل على بحر قزوين غربًا. هذا الموقع الفريد يمنحها دورًا محوريًا في الربط بين أوروبا الشرقية وآسيا الشرقية، ويجعل منها معبرًا طبيعيًا للتجارة والطاقة والمواصلات.

أهمية كازاخستان الجغرافية لا تقتصر على موقعها فقط، بل تشمل أيضًا مواردها الطبيعية الهائلة مثل النفط والغاز والمعادن النادرة، مما يجعلها شريكًا استراتيجيًا لكبرى القوى الاقتصادية، خصوصًا في ظل التنافس الدولي المتصاعد في آسيا الوسطى. كما أن استقرارها السياسي النسبي مقارنة بجيرانها يمنحها وزنًا إضافيًا في المعادلة الإقليمية.

كازاخستان وطريق الحرير: من التاريخ إلى الحاضر

لعبت كازاخستان دورًا أساسيًا في طريق الحرير القديم، حيث كانت أراضيها محطة رئيسية للقوافل التجارية التي ربطت الصين بالشرق الأوسط وأوروبا. المدن التاريخية مثل تركستان وألماتي كانت مراكز مزدهرة للتجارة والثقافة، مما ساهم في التبادل الحضاري بين شعوب الشرق والغرب على مدى قرون.

أما اليوم، فقد عادت كازاخستان لتلعب دورًا محوريًا في النسخة الحديثة من هذا الطريق، من خلال مشاركتها الفاعلة في مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين. تحتل كازاخستان موقعًا استراتيجيًا على الممر البري الأوسط (Middle Corridor)، الذي يربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى والقوقاز وتركيا. وقد استثمرت الحكومة الكازاخية في تطوير البنية التحتية للنقل، مثل شبكة السكك الحديدية وخطوط الأنابيب والموانئ الجافة، لجعل البلاد منصة لوجستية عابرة للقارات.

التميّز الجغرافي، الاقتصادي والسياحي

تتميز كازاخستان بتنوع جغرافي فريد يشمل السهول الواسعة، والجبال الشاهقة، والصحاري، والبحيرات، مما يمنحها طبيعة ساحرة وفرصًا متعددة للاستثمار السياحي والبيئي. تمتد جبال “تيان شان” و”ألتاي” على أطرافها، بينما يشكّل بحر قزوين موردًا اقتصاديًا واستراتيجيًا هامًا.

اقتصاديًا، تعتمد كازاخستان على ثرواتها الطبيعية، فهي من بين أكبر الدول المصدّرة للنفط والغاز في المنطقة، كما تملك احتياطات هائلة من اليورانيوم والفحم والنحاس. وقد نجحت في تنويع اقتصادها نسبيًا من خلال تطوير قطاعات مثل الزراعة، النقل، وتكنولوجيا المعلومات، بدعم من سياسات إصلاحية واستثمارات أجنبية، خاصة الصينية منها.

أما من الناحية السياحية، فتسعى كازاخستان لتطوير هذا القطاع الواعد عبر الترويج لمناطقها الطبيعية الفريدة، مثل “بحيرة كولساي”، و”وادي تشارين”، ومدنها التاريخية الغنية بالتراث الثقافي الإسلامي والتركستاني. كما توفر البلاد تجربة سياحية تجمع بين الأصالة البدوية والتطور الحضري العصري، لا سيما في العاصمة أستانا ومدينة ألماتي.

العلاقات الجزائرية الكازاخية

رغم البعد الجغرافي، تشهد العلاقات بين الجزائر وكازاخستان تطورًا تدريجيًا في السنوات الأخيرة، مدفوعة برغبة البلدين في تنويع شركائهما الاقتصاديين وتعزيز التعاون جنوب-جنوب. بدأت العلاقات الدبلوماسية رسميًا منذ تسعينيات القرن الماضي، وشهدت زيارات متبادلة على المستوى الوزاري والدبلوماسي.

تركّز التعاون بين البلدين حاليًا على مجالات الطاقة، والتعدين، والتعليم العالي، كما أبدت كازاخستان اهتمامًا بالاستفادة من خبرة الجزائر في قطاع المحروقات، في حين تنظر الجزائر إلى كازاخستان كشريك محتمل في مجالات الزراعة والتكنولوجيا والنقل. وقد تم توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، إلى جانب دعم متبادل في المنظمات الدولية.

تعيين أول سفير كازاخي في الجزائر: خطوة نحو تعزيز العلاقات

في خطوة تعبّر عن اهتمام متزايد بتطوير العلاقات الثنائية، قامت جمهورية كازاخستان مؤخرًا، منذ حوالي شهرين، بتعيين السيد أنوربك اخمتوف  Anuarbek AKHMETOV كأول سفير لها في الجزائر. يُعد هذا التعيين مؤشرًا قويًا على الرغبة في الارتقاء بمستوى التعاون بين البلدين من مجرد علاقات دبلوماسية عامة إلى شراكة أكثر فاعلية واستمرارية. فوجود تمثيل دبلوماسي دائم يسمح بمتابعة المشاريع المشتركة بشكل مباشر، ويعزز فرص التواصل بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص في كلا البلدين.

كما يُتوقع أن يُسهم السفير انوربك اخمتوف في تسريع وتيرة التبادل التجاري والثقافي، وفتح قنوات جديدة للتعاون في مجالات مثل التعليم العالي، السياحة، والزراعة، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد من الطرفين بتنويع اقتصادهما والانفتاح على أسواق جديدة. هذا التطور يمهد الطريق لمستقبل واعد في العلاقات الجزائرية الكازاخية، ويعزز حضور كازاخستان في شمال إفريقيا.

خاتمة

تمثل كازاخستان اليوم دولة محورية في قلب آسيا، تجمع بين العمق التاريخي لطريق الحرير القديم والطموح الحديث لتكون جسرًا استراتيجيًا بين الشرق والغرب. بفضل موقعها الجغرافي وثرواتها الطبيعية وموقعها في قلب مبادرة “الحزام والطريق”، تواصل كازاخستان تعزيز مكانتها كفاعل اقتصادي وجيوسياسي مهم.

أما بالنسبة للعلاقات الجزائرية الكازاخية، فهي تسير بخطى ثابتة نحو المزيد من التعاون والتكامل، مدعومة بإرادة سياسية متبادلة ورؤية واضحة لمستقبل مشترك قائم على المصالح المتبادلة. تعيين أول سفير كازاخي في الجزائر ليس سوى بداية لمرحلة جديدة واعدة من التفاهم والعمل المشترك، تفتح آفاقًا رحبة للتعاون في مجالات متعددة، وتكرّس حضور البلدين في فضاءات إقليمية ودولية متنوعة.