جريدة الدستور الأردنية/
الاكاديمي مروان سوداح*
أَعجب لأولئك الذين يَعرضون مواهبهم الهندسية اللافتة في نشر جيوش من مُتسولي الحقبة الكورونية، يتم توزيعها على شكلِ مُستطيلات هندسية.. دقيقة بامتداداتها وذات «أصول» ومناهج تتفق وسلوكيات أصحابها! التسوّل ظاهرة مؤذية للمجتمع المدني والجذب السياحي، فقد بدأت تنتشر في شوارعنا وساحاتنا العَمّانية في مستطيلات هندسية، لتغطي مواقع عامة واسعة منذ الأسابيع الأولى لزمن كورونا.
شخصياً، لست ضد التبرّع لمَن يستحق، فهذا واجب أخلاقي واجتماعي وديني. لكن لزاماً على مَن يتبرّع أن يَعي لمَن يتبرّع ولماذا؛ وأن يُدقّق بوضع المتبَرَع له؛ بخاصة أن الإلحاح الزائد من المتسولين يُضطر الكثيرين مِنّا للتبرّع إليهم بنقود قد لا يستحقوها. إذ أن بعضهم؛ ويُحتمل غالبيتهم؛ لا يستحق الشفقة، فمن نعطيه نقوداً قد يكون أغنى منّا عشرات ومئات، بل وألوف المرات.
استعاضةً عن بناء العَمائر والمَرافِق التي نحتاج إليها بأشكال هندسية تراثية جذابة وبارعة تسر الناظرين وتُمتِّعهم بجماليات بديعة، يَجهد مهندسو مافيا التسوّل الأغنياء بنشر فتيات في مقتبل العُمر، يتّشحن بالسواد، ويحملن على أيديهن أطفالاً رضّع، ويُلاحِقن المَارة في هذه وتلك من المواقع الخلفية، متوسّلين نقوداً لدواء أو طعام، وبينما يُراقبهن (المُعَلّم!) عن بُعدٍ، يُسارع ليحصد الغلّة منهن، خشيةً مِن أن يبتلعنها دون عِلمه!
في توظيف الأطفال في «مهنة التسوّل» سلوكيات احترافية «رفيعة المستوى!»، تجذب أكبر عددٍ من المتعاطفين، وبالتالي تحصيل أموال أكثر، خاصة من طيّبي القلب مِمَن لا يُفرّقون بين مَن يستحق الحسنة، ومَن يستخدمها وسيلة للاغتناء غير المشروع ورفض العمل الشريف.
لاحظت أيضاً، أن عدداً غير قليل من المتسولين يتسولون بحرية، وهو مايعني أن الجهات المعنية غير قادرة على ملاحقة مُعظمهم، بخاصة النساء منهن. ربما بعض النسوة رقيقات الأحوال، وفي حاجة ماسّة لدعم مادي وسندٍ معنوي. ومن غير الإنصاف واحترام الذات الانسانية اعتبار جميعهن مُحبّات للتسول. فالإطلاقية لا تجوز على الجميع، وزعماء مافيا التسول يستغلون أوضاع الفقراء في جائحة كورونا بالذات، لتوزيعهم على مواقع مُختارة، فيحوّلون البشر إلى وسيلة اغتناء لا تجوز قانوناً وعقلاً وسلوكاً.
أذكر، أن يومية محلية كتبت قبل سنوات طويلة عن امرأة امتهنت التسول في وسط عمّان، وتكشّف أن حسابها في أحد بنوك المملكة يصل إلى تسعين ألف دينار فقط!
كذلك، يَحفل فضاء الإنترنت بأخبار كهذه، منها ما أوردته فضائية (روسيا اليوم) سنة 2018، عن وفاة امرأة لبنانية امتهنت التسوّل (غير المباشر)، مذ كانت في سن الـ 13، وتكشّف عن أن ثروتها النقدية فلكية، تصل إلى مليار و700 مليون ليرة لبنانية، «ويمكنها إغناء عائلات بأكملها»!
لا نحتاج إلى أي برهان للتأكيد على المحبة والمؤازرة التي تجمع أبناء شعبنا الأُردني المتعاضد والمتكافل. وأنا أعلم عِلمٍ يقين، أن أي متسول يمكنه الاستعاضة عن مد يده للآخرين بتسجيل اسمه في المؤسسات الحكومية ذات الصِّلة، أو طلب معونة دائمة من المساجد والكنائس وأصحاب الكرم والجود، فهذه المؤسسات وتلك الشخصيات تعمل على إسناد رقيقي الحال، وتعظيم مكانتهم الاجتماعية وإفادتهم لشعبهم، والأخذ بيدهم ليغدو مُنتجين ومؤكدين اخلاصهم لوطنهم وذواتهم.
شكرا صديقي العزيز استاذ عبدالقادر خليل لمبادرة بإعادة نشر مقالتي عن جريدة الدستور الأردنية في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية في الجزائر..
علما ، ان الدستور هي الجريدة العربية الورقية الأولى الاكثر قراءة وانتشار وفقا للاحصاءات والمعايير العالمية من جانب دراسات منظمات دولية متخصص