عديدة هي المناسبات التي تَحتفي بها إذاعة الصين الدولية منذ تأسيسها، كإذاعة داخلية تغطي مساحة جمهورية الصين الشعبية ودول الجوار، بينما التواريخ المرتبطة بتأسيس قسمها العربي هي الأكثر عدداً. ومنها، تأسيس مُمَثلياته في الدول العربية؛ وإفتتاح صفوف كونفوشيوس التابعة لها لتدريس اللغة الصينية والتبادل الثقافي، ودعوات موجّهة للمستمعين لزيارة الصين، والبصمات المهنية الرفيعة للوفود الوازنة من القسم الزائرة إلى بلدان الضاد، بهدف إرساء التكاتف الإنساني.
التواريخ البلاتينية والذهبية والماسية مهمة للإذاعة، لكن الأهم هو نشاطها غير المنقطع في التواصل مع المُستمع العربي طوال سنوات تمتد على مدى قرنين اثنين هما العشرون والحادي والعشرين، فهي تدخل إلى منازلنا نهاراً وليلاً، صيفاً وشتاءً، لترسيخ مشاعر التقارب والتعاون والمَنفعة والتفاهم المتبادل، على مستوى واحد وبمكاسب متساوية.
والأكثر أهمية في تاريخ الإذاعة هو ماقدّمته من تأكيدات، وماتتركه من بصمات في مُنَاصَرتها الحقوق الأُردنية والعربية بمفهومها الواسع، ذلك أن إفتتاح القسم العربي كان قد جرى بمتابعة ورعاية مباشرة من الزعيم الصيني «ماوتسي تونغ» (ومن رئيس مجلس الدولة الصيني أنذاك «تشو إنلاي»). كذلك رعى «ماو» تأسيس (الجمعية الإسلامية الصينية)، واهتم بسرعة تنظيم ورعاية شؤون المسلمين الصينيين واللغة العربية في جامعات دولته، لإهتمامه الكبير بتاريخ وواقع العرب الذين لم يَنفك يَعتبرهم في فلسفته حُلفاءً لبلاده ولفكرها التحرّري في غرب آسيا وشمال أفريقيا، ولأن جزءاً كبيراً منهم يعودون بأصولهم الإثنية إلى (العرب العاربة)، مِمَن سكنوا الصين بإرتحالهم إليها («سكان الجبال»)، ضمن تجارتهم إلى جانب الصينيين في طريق الحرير القديم. ولهذا بالذات عَنوَن القسم العربي أول برامجه بشعارٍ هو «أيها الإخوة العرب نؤيدكم»، مُعتمداً إيّاه خارطة طريق له نحو عقولهم وقلوبهم «في كل مكان»، ولتأكيد سُبل الصداقة العميقة إعلامياً ومُصَاهَرةً بين الحضارتين.
والإذاعة الصينية هي «طريق الحرير- 2»، فهي تتشابه في قسماتها وتفعيلاتها اليومية مع طريق الحرير الصيني التاريخي القديم، الذي سَلك مَسالك الأردن والبلدان العربية. (للقسم) بصمات حضرنية متواصلة في تدعيم الصِّلات مع العرب دولاً وشعوباً، فالاذاعة تخصّص عديد البرامج التي تُسهب في الحديث عن ذلك يومياً، وتعتمد بين حين وآخر أصحاب القلم والخبرة في وظائف مراسلين غير مقيمين، ينقلون يوميات بلدانهم ونجاحاتها إلى المُستمع العربي، ومِن بعدهم تنقلها الاذاعة مَسموعةً ومنشورةً للمواطن للصيني، بلغة قومية «هان»، وعديد نفوسها هم الأكثر في الصين.
يبث القسم العربي برامجه على موجات قصيرة ومتوسطة وFM، ورابعة من خلال صفحته على الانترنت، ويعمل فيه عددٌ من العرب، ويُديره صينيون يَعتبرون العربية لغتهم اليومية.
ولهذه ولغيرها من العوامل والأسباب، نرى أنه بات لزاماً على راديو الصين هذا، افتتاح مكتب رسمي له في العاصمة عمّان، أسوةً بمكاتبه الاخرى وعلاقاته العربية. فالاردن يتوسّط العديد من الدول العربية، ويُغطي البث المنطلق من أرضه دولاً عربية عديدة، وإليها يَسهل على موظفي هذا المكتب التنقل السريع بينها خلال يوم واحد، وإنجاز مهامهم الإعلامية، ناهيك عن شمائل شعبنا الاردني في الترحيب بالصديق الأجنبي، ومساعدته، ومحبته، وهي خِصال راقية ما توقف يزرعها جلالة الملك عبدالله الثاني في شعبه الوفي والنابه والمتجاوب مع متطلبات العلاقات الدولية للأُردن، بخاصةٍ مع الأشقاء والأصدقاء والحُلفاء.
* صحفي وكاتب أردني، ورئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.