صحيفة الشعب اليومية أونلاين/
بقلم/ د. فايزة سعيد كاب، جزائرية، باحثة في الشؤون الصينية والعلاقات الصينية ـ الدولية
ينتشر وباء الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) في شتى أنحاء العالم بسرعة لم يكن أحدا ليتوقعها قبل ثلاثة أشهر مضت. وأصبحت الصين واحدة من أوائل الدول في العالم التي استطاعت السيطرة على الوباء محليا من خلال العمل الشاق والتضحيات الجسيمة، بعد أن اعتبر الرئيس شي جين بينغ، نواة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني والحزب بأكمله، بأن الحرب على الوباء اختبارا كبيرا، وأشرف عليها وأدارها بنفسه.
قال قوه وي مين المتحدث باسم الدورة الثالثة للمجلس الوطني الـ13 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في مؤتمر صحفي عُقد مؤخرا، إن الصين تولت بشكل فعّال حماية أرواح وصحة الشعب وحققت تقدما قويا في استئناف العمل والإنتاج وعجلت بعودة الحياة الاجتماعية الطبيعية. وقد قدم مستشارون من الهيئة الاستشارية السياسية الوطنية أكثر من 400 مقترح حول الوقاية من مرض فيروس كورونا الجديد “كوفيد-19” والسيطرة عليه منذ تفشيه.
وقد بدأ المجلس الوطني الـ13 لنواب الشعب الصيني والمؤتمر الاستشاري السياسي الـ13 دورتهما السنوية في بكين يوم 22 و21 مايو على التوالي، بعد تأجيلهما أكثر من شهرين بسبب تفشي مرض (كوفيد-19). وتعتبر هذه المرة الأولى التي يتم فيها تأجيل انعقاد الدورتين السنويتين منذ 25 عامًا. وإن إنعقاد الدورتان السنويتان هذا العالم في الوقت الذي لا يزال فيه المجتمع الدولي يكافح لمحاربة الوباء، وفي ظل خلفية خاصة للوقاية من الوباء ومكافحته سيحظيان باهتمام واسع النطاق وتوقعات كبيرة من جميع الأطراف. كما أن انعقاد الدورتان السنويتان خلال هذا التوقيت الحاسم يؤكد ثقة الصين من أن وضع الوباء قد تمت السيطرة عليه بالكامل، وعودة الحياة السياسية الصينية إلى طبيعتها.
تشهد الدورتان السنويات هذا العام تغيرات في الجدول الزمني بتقليص الفترة الى أسبوع فقط بدلا من أسبوعين، وستكون الطريقة التي يؤدي بها الأعضاء واجباتهم، والمناقشات والاقتراحات بالتأكيد مختلفة عن السنوات السابقة. كما ستحمل الدورتان السنويات “علامة مميزة لمكافحة الوباء”. ومن المتوقع أن تستعرض الدورتان السنويتان كيفية تقييم تجربة مكافحة الوباء، وتنشيط روح مكافحته، وكيفية تقييم الصعوبات والشكوك الحالية في التنمية والاستجابة لها، وتحديد أهداف واقعية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وخطط الميزانية، والخروج بتدابير أساسية، واستقرار التوقعات، وتعزيز الثقة وتكثيفها من أجل اغتنام الوقت المتأخر للوباء في الأرباع الثلاثة المقبلة.
لقد ظهرت المزايا المؤسسية للصين مرة أخرى في صراع الوقاية من الوباء ومكافحته، حيث تم افساح المجال الكامل لمزايا النظام المتمثلة في تركيز جهودنا على الشؤون الرئيسية، وأصرت على لعبة شطرنج وطنية، وحشدت المجتمع كله والموارد كلها، وشكلت بسرعة قوة مشتركة قوية لمحاربة الوباء، وإثبات القوة الصينية، والروح الصينية، والكفاءة الصينية. في الوقت نفسه، كشفت الاستجابة للوباء عن أوجه القصور في الصين في أنظمة الوقاية من الأوبئة الرئيسية ومكافحتها، وأنظمة الصحة العامة، وأعتقد أنه خلال الدورتين السنويتين، سيركز الممثلون على تعويض أوجه القصور، سد الثغرات ونقاط القوة والضعف والعمل معًا للفوز في المعركة ضد الفقر وبناء مجتمع رغيد الحياة بطريقة شاملة، و تحسين قدرة مراقبة الوباء والإنذار المبكر وتحسين إدارة الطوارئ الصحية العامة وأنظمة العلاج وترشيد النظام الطبي والصحي. ما يجعل المناقشات والاقتراحات في الدورتين السنويتين هذا العام تشهد المزيد من العمل والقوة عما قبل.
الدورتان السنويتان الموضوعان اللذان يهتم بهما الناس في الصين كل عام، لأنهما تنطويان على العديد من مشاكل الشعب. وفي ظل مكافحة تفشي الوباء والوقاية منه، فإن مناقشة القضايا الصحية وذات الصلة هي الأكثر سخونة هذا العام، حيث اجتذبت المشاكل العالقة المتمثلة في الإفراط في أكل الحيوانات البرية والأخطار الخفية الضخمة على سلامة الصحة العامة اهتمامًا واسعًا منذ تفشي الوباء، والمراجعة الشاملة لقانون حماية الحياة البرية تتطلب عملية واسعة. وبات من الضروري والملح للغاية أن تتخذ اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب قرارًا خاصًا بشكل سريع وواضح وفي الوقت المناسب من أجل حظر استهلاك الحيوانات البرية واتخاذ إجراءات صارمة ضد الاتجار غير المشروع في الحيوانات البرية.
كما ترتبط الدورتان السنويتان أيضًا بقضايا رفاهية الشعب، لذلك فإن اهتمام الجميع بالدورتين مرتفع جدًا هذا العام الذي يعتبر آخر عام للفوز بمجتمع ميسور الحال وشامل ومحاربة الفقر، كما أنه عام التقارب التاريخي لتحقيق هدف “مائتي عام”. وستكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ الأمة الصينية عبر آلاف السنين التي يتم فيها القضاء على الفقر المطلق بشكل شامل. وفي الوقت الحاضر، لا تزال هناك 52 مقاطعة فقيرة لم تقم بإزالة قبعاتها، ولم يتم إدراج 2707 قرية فقيرة، و5.51 مليون فقير لم يفلتوا من الفقر بعد، وما يقرب من 2 مليون من الأشخاص الذين انتشلوا من الفقر معرضون لخطر العودة إلى الفقر مرة أخرى، وحوالي 3 ملايين من السكان المهمشين معرضون لخطر الفقر.
وفي ظل مكافحة الوباء والضغط المرتفع، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 6.8 ٪ على أساس سنوي في الربع الأول من هذا العام، وضغط التنمية غير مسبوق، فإن كيفية إكمال مهمة التخفيف من حدة الفقر كما هو مقرر لها والتعامل بفعالية مع “أسئلة الاختبار الإضافية” تحتاج إلى جهد كبير واهتمام واسع خلال الدورتان السنويتان. ويُعتبر ترتيب الادارات ذات الصلة إحدى أولويات عمل هذا العام في تعزيز التخفيف من حدة الفقر الصناعي، وفي الوقت نفسه إنشاء آلية عمل لمنع العودة إلى الفقر. والخطوة التالية هي تعزيز العلاقة بين التخفيف من حدة الفقر والإنعاش الريفي، والتشجيع الشامل لتطوير الصناعات الريفية والمواهب والثقافة والبيئة.
وعلى الرغم من أن التحديات شديدة، إلا أن أساسيات النمو الاقتصادي الصيني على المدى الطويل لم تتغير. وستركز الصين في النصف الثاني من هذا العام على كيفية تحقيق الاستقرار في التوظيف، والتمويل، والتجارة الخارجية، والاستثمار الأجنبي، والاستثمار، والتوقعات لضمان التوظيف، وسبل العيش الأساسية، والجهات الفاعلة في السوق، وأمن الغذاء والطاقة، واستقرار سلسلة التوريد الصناعية. وستركز الدورتان السنويات على كيفية الالتزام بتحقيق بالاحفاظ على التقدم المطرد، مع توسيع الطلب المحلي باعتباره نقطة ارتكاز استراتيجية، مما يسمح للاستثمار والاستهلاك والتصدير لدفع النمو الاقتصادي.
تشير إحصائيات المكتب الوطني للإحصاء إلى أن معدل البطالة في المسح الحضري الوطني في فبراير كان 6.2٪، ومعدل البطالة في المسح الحضري الوطني في أبريل أعلى بنسبة نقطة مئوية واحدة عن نفس الفترة من العام الماضي. ومن بين مجموعات التوظيف، يبرز طلاب الجامعات والعمال المهاجرين بشكل خاص. وسيصل عدد خريجي الكلية في 2020 إلى 8.74 مليون وهو رقم قياسي، في ظل التأثير الذي سببه الوباء في ضياع العديد من الناس وظائفهم، ومعدل توقيع العمل للخريجين هذا العام أقل بكثير من السنوات السابقة. بالإضافة إلى ذلك، قامت الشركات الصغيرة والمتوسطة بتسريح الموظفين أو خفض عدد العمال، ما يؤدي إلى عودة بعض العمال المهاجرين إلى مسقط رأسهم والبحث عن عمل هناك. وقد أصدرت الحكومة المركزية مؤخرًا إشارة قوية على سياسة “استقرار التوظيف”. كما أصدر مجلس الدولة سلسلة من السياسات لمساعدة الشركات الصغيرة والمتناهية الصغر، وخفض الضرائب والرسوم، وتعزيز توظيف الفئات الرئيسية مثل خريجي الجامعات والعمال المهاجرين والأشخاص الذين يعانون من صعوبات في العمل. ومن المتوقع، أن تركز الدورتان هذا العام على وضع خطط لدراسة كيفية زيادة الحماية من البطالة وتعزيز حماية الفئات المحرومة، وتقليل العبء على الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومساعدة السوق على التعافي وزيادة فرص العمل، وتعزيز نمو الطاقة الحركية الجديدة وتعزيز صناعة الخدمات .كما أن تأثير الانكماش الاقتصادي الناجم عن تفشي الوباء بشكل مباشر على دخل السكان، ما جعل تعزيز حماية الفئات ذات الدخل المنخفض وأولائك الذين يعانون من صعوبات من أولويات الدورتين.
ومن المتوقع أيضا، أن يتم خلال الدورتين مراجعة مشروع القانون المدني الذي تم تخميره منذ سنوات عديدة، ليتم الكشف عن مسودة القانون المدني الصيني لأول مرة عام 2019. ولا يغطي مشروع القانون المدني جميع جوانب حياة الناس فقط، وإنما أيضا الطعام والملابس والسكن والنقل والمواليد والشيخوخة والمرض والوفاة والإنتاج، بل ويواكب العصر أيضًا، ويتكيف باستمرار مع متطلبات العصر.على سبيل المثال، حماية المعلومات الشخصية في سياق البيانات الضخمة، وإبرام العقود الإلكترونية في بيئة الإنترنت وإتمامها، ومدونة السلوك الواجب اتباعها في أنشطة البحث الطبي والعلمي المتعلقة بالجينات البشرية، والأجنة البشرية، وما إلى ذلك.
كما ستتناول الدورتان السنويتان 2020، قضايا ساخنة خاصة بمواصلة الدفع بتعزيز وتطوير جيش التحرير الشعبي الصيني، وتحديث الدفاع الوطني على أسس جيدة. وبالرغم من أن بكين أظهرت قوتها العسكرية وأحدث أسلحتها في العرض العسكري بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، إلا أن التطور العسكري في الصين في مرحلة الصعود، ففي العديد من المجالات، لا يمكن أن تتوافق القوة العسكرية للصين مع وضعها الدولي والتحديات التي تواجهها. ولذلك، لاتزال قوة الردع الصينية في حاجة للمزيد من التطور. ولا شك أن محور هذه الفترة الحاسمة هو السعي لتحقيق هدف الحصول على جيش من المستوى العالمي بحلول عام 2030.
وبصفتها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لا يهتم الناس بكيفية تطور الصين فقط، بل يهتمون أكثر بتطور العلاقة بين الصين والعالم، ودور الصين في المجتمع الدولي. كما أن القضية الأساسية هي توقعات الصين من العالم مستقبلا، وأي نوع من النظام الدولي الذي تريد الصين إنشاءه. حيث لطالما كان بناء نظام دولي هو المشكلة الأكثر عمقًا التي واجهها المجتمع البشري بعد الحرب العالمية الثانية. وسرعان ما وقع العالم في حرب باردة من الصراعات الايديولوجية بسبب إختلاف التفكير حول مستقبل البشرية. وبعد الحرب الباردة، تُواصل القوة العظمى الوحيدة محاولة استخدام تفوقها المطلق لبناء نظام دولي من شأنه أن يساعد في الحفاظ على هيمنتها القديمة. وبالنظر إلى الدبلوماسية الصينية في السنوات الاخيرة، اقترحت الصين بناء نوع جديد من العلاقات الدولية تركز على التعاون المربح للجانبين وبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية، حيث إن تنمية أي بلد أو أمة هي جزء من تنمية المجتمع البشري ولا يمكن فصلها عن التنمية الشاملة للمجتمع البشري. كما شهدت دبلوماسية “الحزام والطريق” التي أعادت العلاقات التجارية والاقتصادية الدولية إلى علاقة المنفعة المتبادلة والتنمية ذات المنفعة المتبادلة استجابة واسعة النطاق من المجتمع الدولي، لكن بعض القوى المحافظة تقليديا، بناء على التفكير المعتاد في احتكار مصالح العالم، تعتبر بناء “الحزام والطريق” تحديا “للنظام الدولي” الذي تسيطر عليه، وبالتالي تتخذ طرقًا مختلفة للعرقلة. وعليه، فإن تنفيذ مبادرة “الحزام والطريق” تتطلب قوة بحرية قوية في المحيط لحماية شريان الحياة البحري للصين وحماية المصالح الصينية المتزايدة فيما وراء البحار.