Friday 27th December 2024
شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

مبادرة سلام صينية شاملة لحل القضية الفلسطينية

منذ 4 سنوات في 20/مايو/2021

مقالة خاصة بشبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/

 

مبادرة سلام صينية شاملة لحل القضية الفلسطينية

 

بقلم: الاستاذ عادل علي*

* التعريف بالكاتب: إعلامي وباحث في الشؤون الصينية – جمهورية مصر العربية.ـ

– صـديق ناشر في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية ومقرّب من الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.

 

من بين المواقف وردود الأفعال الدولية الرافضة والمستنكرة بشدة للجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، إثر إقدام الكيان الصهيوني المحتل على استهداف قطاع غزة والضفة الغربية مجددا في العاشر من مايو الجاري ولغاية الآن، وما ترتب عليه من ضحايا أبرياء في صفوف المدنيين من الشيوخ والنساء والأطفال، يبرز بشدة موقف الصين الحازم تجاه أحدث جولة من جولات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وإن شئنا الدقة العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، والذي عكسته العديد من الملامح والمؤشرات، في سياق الموقف العام لبكين تجاه القضية الفلسطينية، الأمر الذي يطرح تساؤلًا مهًما مفاده: هل يمكن تجميع وصياغة عناصر ومرتكزات هذا الموقف – وكذلك ما طُرح في السابق من رؤى وأفكار – في سياق مبادرة سلام صينية شاملة وجامعة لحل القضية، التي تعتبر بكين أن حلها ركيزة أساسية لتحقيق السلام والاستقرار في (الشرق الأوسط)، تحظى بتوافق وقبول طرفيها الرئيسيين وكذلك القوى الإقليمية والدولية الفاعلة؟.

بداية، تُعد القضية الفلسطينية إحدى القضايا الرئيسية المهمة التي توليها الدبلوماسية الصينية اهتمامًا خاصًا في سياق علاقاتها مع العالم العربي ومنطقة (الشرق الأوسط)، منذ فترة ماو تسي تونغ وصولًا إلى القيادة الصينية الحالية، التي جعلت هذه القضية أحد أبرز أولوياتها في سياق استراتيجيتها تجاه المنطقة. وهو الاهتمام الذي دللت عليه سلسلة ممتدة من المواقف، ومنها على سبيل المِثال لا الحصر: أن الصين كانت أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وقامت بفتح مكتب لها في بكين، ولم تعترف بـِ(إسرائيل) – رغم اعتراف الأخيرة بها – وتقيم علاقات دبلوماسية معها إلا في عام 1992، وأيدت منح فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة في عام 2012، ونصت وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية الصادرة في عام 2016 التأكيد على وقوف الصين إلى جانب عملية السلام في (الشرق الأوسط) ودعمها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ناهيك عن قيام القيادة الصينية الحالية بطرح عدة رؤى وأفكار ومبادرات بشأن سُبل حل القضية الفلسطينية في غير مناسبة، ولاسيّما خلال عامي 2013 و2017، ومؤخرًا في مارس الماضي 2021 خلال جولة عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني السيد وانغ يي في منطقة (الشرق الأوسط).

قبيل إندلاع الجولة الأخيرة من الصراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بنحو شهر ونصف، وتحديدًا إبّان جولة وانغ يي المُشار إليها، اقترح المسؤول الصيني – للمرة الأولى – مبادرة من خمس نقاط لتحقيق الأمن والاستقرار في (الشرق الأوسط)، رأت أن حل القضية الفلسطينية عبر تنفيذ حل الدولتين يمثل أهم محك للعدالة والإنصاف في (الشرق الأوسط)، معبرة عن دعمها جهود الوساطة الحثيثة للمجتمع الدولي، وعقد مؤتمر دولي ذي مصداقية في حالة نضوج الظروف، كاشفا – آنذاك – عن اعتزام بكين انتهاز فرصة توليها الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في شهر مايو 2021 للدعوة إلى إجراء مداولات شاملة بشأن القضية الفلسطينية، إضافة إلى الإعراب عن نية الصين لاستضافة مباحثات سلام فلسطينية – إسرائيلية مباشرة في العاصمة بكين، وهي الرؤية التي قوبلت بترحيب فلسطيني، بإبداء وزارة الخارجية الفلسطينية استعدادها للتعاون مع الصين فيما يخص إحياء المحادثات الفلسطينية – الإسرائيلية المتوقفة منذ أبريل عام 2014.

وفي موقف مناقض تمامًا للموقف الفلسطيني، وبدلًا من أن تقوم (إسرائيل) باغتنام هذه الفرصة وقبول الدعوة الصينية للإنخراط بجدية في إعادة عملية السلام إلى مسارها الصحيح من جديد، إذ بها تعلن في 10 مايو الجاري عن شن عملية عسكرية على قطاع غزة، ردًا على قيام فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع بإطلاق عدة صواريخ باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، وذلك على خلفية قيام الآلاف من جنود الاحتلال باقتحام باحات المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين، والأحداث التي شهدها حي الشيخ جراح.

وكرد فعل على الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، واستمرارًا لاهتمامها الخاص بالقضية الفلسطينية، أبدت الصين قلقها الشديد جراء أحدث جولة من جولات الصراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وقد جاء الموقف والتحرك الصيني مدفوعًا بما ترتب على هذه الجولة من جولات الصراع من تداعيات خطيرة، لاسيّما على المستوى الإنساني، تجلت في وقوع عدد كبير من الضحايا الأبرياء، وخاصة في صفوف النساء والأطفال، ووجود حاجة ماسة إلى وقف إطلاق النار ووقف العنف، بالإضافة إلى ضرورة التحرك السريع من قبل المجتمع الدولي للحيلولة دون مزيدٍ من التدهور ولمنع المنطقة من الإنزلاق إلى الاضطراب مرة أخرى ولحماية أرواح السكان المحليين. علاوة على وجهة النظر الصينية التي تربط بين حل القضية الفلسطينية بشكل شامل وعادل ودائم، وبين إمكانية تحقيق السلام الدائم والأمن الشامل في (الشرق الأوسط). وأرجعت بكين، على لسان وانغ يي، تدهور الوضع الراهن إلى غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية منذ فترة طويلة.

إنطلاقًا من الدوافع والاعتبارات السابقة، تحركت الدبلوماسية الصينية بمختلف أطرها في إطار رئاستها الدورية لمجلس الأمن الدولي، في دفع المجلس لمناقشة القضية الفلسطينية عدة مرات. وجاء الموقف والتحرك الصيني تجاه التطورات الأخيرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي قويًا ومدعومًا من غالبية أعضاء المجتمع الدولي. حيث لم تكتف بكين بإبداء موقفًا حازمًا وصريحًا وشديًدا في لهجته تجاه هذه التطورات، بتأكيد قلقها الشديد تجاهها، وإدانتها الشديدة لأعمال العنف ضد المدنيين، وقيامها بحث الجانبين على الوقف الفوري للأعمال العسكرية والعدائية ووقف الأعمال التي تؤدي إلى تدهور الوضع، بما فيها الغارات الجوية والهجمات البرية وإطلاق الصواريخ، وإنما ذهبت أبعد من ذلك، عبر قيامها بطرح مقترحات حول سُبل تهدئة الوضع الراهن، كشف عنها رأس الدبلوماسية الصينية السيد وانغ يي خلال ترؤسه الجلسة العلنية الطارئة لمجلس الأمن الدولي بشأن “الوضع في (الشرق الأوسط) بما في ذلك القضية الفلسطينية”، يوم 16 مايو الجاري، من خلال رابط الفيديو، وذلك في كلمته المعنونة (وقف إطلاق النار ومنع أعمال العنف فورًا لصيانة العدالة والإنصاف)، وتمثلت هذه المقترحات في النقاط الأربع التالية:

ـ أولًا، أن الأولوية القصوى تتمثل في ضرورة وقف إطلاق النار ووقف العنف.. مؤكدًا بشكل خاص على ضرورة قيام (إسرائيل) بممارسة ضبط النفس، والالتزام الجدي بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ووقف هدم منازل الفلسطينيين وطردهم، ووقف توسيع المستوطنات، ومنع أعمال العنف والتهديد والاستفزاز ضد المسلمين، وصيانة واحترام الوضعية التاريخية للمقدسات الدينية في القدس.

ـ ثانيًا، وجود حاجة ملحة إلى المساعدة الإنسانية، حيث حثّت الصين (إسرائيل) على الوفاء بالتزاماتها بجدية بموجب المعاهدات الدولية، ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة بشكل شامل في أسرع وقت ممكن، وضمان سلامة وحقوق المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتوفير تسهيلات لدخول المساعدات الإنسانية. كما طالبت في الوقت نفسه المجتمع الدولي بضرورة تقديم المساعدة الإنسانية إلى فلسطين عبر القنوات المختلفة، ودعت الأمم المتحدة إلى لعب دور تنسيقي لتجنب وقوع كوارث إنسانية خطيرة.

ـ ثالثًا، أهمية الدعم الدولي لتهدئة الوضع، عبر قيام مجلس الأمن الدولي بإتخاذ إجراءات قوية بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وإعادة تأكيد دعمه لـ “حل الدولتين” ودفع تهدئة الوضع في وقت مبكر. معربًا عن الأسف بسبب عجز مجلس الأمن الدولي عن إطلاق صوت موحد بسبب الاعتراض من دولة واحدة فقط، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. داعيًا إياها إلى تحمل مسؤوليتها المطلوبة وتبني موقف عادل والوقوف إلى جانب أغلبية الأعضاء في المجتمع الدولي لدعم الدور المطلوب لمجلس الأمن الدولي في تهدئة الأوضاع وإعادة بناء الثقة وإيجاد حل سياسي.

ـ رابعًا، أن “حل الدولتين” هو المخرج الأساسي، حيث تدعم الصين الجانبين لاستئناف محادثات السلام على أساس “حل الدولتين” في أسرع وقت ممكن، لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تتمتع بسيادة كاملة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، وتحقيق التعايش السلمي بين فلسطين و (إسرائيل) بشكل جوهري وتحقيق التعايش المتناغم بين الأمتين العربية و “اليهودية” وتحقيق السلام الدائم في (الشرق الأوسط).

وفي حقيقة الأمر، فإن استقراء مضامين كلمة وزير الخارجية الصيني أمام مجلس الأمن الدولي يكشف عن حزمة من الحقائق المهمة، لعل من أبرزها:

أولا، إحاطة الصين الشاملة بكافة أبعاد وجذور القضية الفلسطينية منذ بداية المأساة الفلسطينية على يد الاحتلال الإسرائيلي وحتى الآن، وأن هذه القضية تُعد في جوهرها من القضايا الرئيسية في (الشرق الأوسط) ولا يمكن تهميشها.

ثانيا، حرص الصين على لعب دور محوري بشأن استتباب الأمن والاستقرار والسلام في (الشرق الأوسط) من خلال ما تطرحه من رؤى وأفكار للتوصل إلى تسوية سلمية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تعكس في مضمونها موقف غالبية أعضاء المجتمع الدولي، وهو ما يعكس ليس فقط نيتها المخلصة وجهودها الدؤوبة لتعزيز تهدئة الوضع بين فلسطين و (إسرائيل)، وإنما أيضا التزامها الجاد بتعهداتها تجاه العالم بأن تكون من بناة السلام العالمي.

ثالثا، الإقرار الضمني بمسؤولية (إسرائيل) عما آلت إليه الأوضاع الراهنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي قطاع غزة، بدليل مطالبته (إسرائيل) بإتخاذ سلسلة من الخطوات والإجراءات لتسيير شؤون حياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والقطاع.

رابعا، تأكيد أهمية دور المجتمع الدولي في التوصل إلى تسوية سلمية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والعمل على تهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.

خامسا، الدور السلبي والمنافي للأخلاق والضمير الإنساني والعدالة الدولية الذي تلعبه الولايات المتحدة تجاه عرقلة الجهود الدولية الرامية إلى حل القضية الفلسطينية بانحيازها الدائم لـِ(إسرائيل) من جهة، ولاعتبارات المنافسة الدولية مع الصين من جهة أخرى.

وبصفة عامة، يمكن القول إن كلمة وزير الخارجية الصيني تعكس في مضمونها العام إدراك الصين لدورها كدولة مسؤولة على المستوى العالمي، دولة على إلمام شامل بالقضية الفلسطينية بكافة أبعادها وسُبل التوصل إلى حل لها. ومن هنا، ومع الإقرار بأهمية المواقف والرؤى والأفكار التي طرحتها بكين حول القضية الفلسطينية منذ بداية الإنخراط الصيني في تلك القضية، ولاسيما الرؤية الصينية ذات النقاط الأربع حول تسوية القضية الفلسطينية التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2017 (مفادها دفع التسوية السياسية على أساس حل الدولتين، الالتزام بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمُستدام، تعزيز تنسيق وتوحيد لجهود المجتمع الدولي في إحلال السلام، وإتخاذ إجراءات متكاملة من أجل تعزيز السلام عن طريق التنمية). 

فإنه من المأمول أن تقوم الصين بالبناء على مواقفها السابقة، وطرح مبادرة سلام شاملة وجامعة لحل القضية الفلسطينية، تتضمن مبادئ وثوابت رئيسية للتسوية وآليات وخطوات محددة لتنفيذها على أرض الواقع، وحوافز وإغراءات لتحفيز طرفي الصراع، وكذلك القوى الإقليمية والدولية الرئيسية، على قبولها.

وفي حقيقة الأمر، فإن هناك العديد من العوامل التي تعضد من إمكانية طرح تلك المبادرة، ومن ثم، ضخ مزيد من الزخم في الدور الصيني في عملية التسوية السلمية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بعضها نابع من المكانة الدولية المهمة التي باتت عليها الصين في النظام الدولي الراهن، كثاني أقوى اقتصاد في العالم، وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي، ناهيك عن ارتباطها بالمنطقة بسلسلة من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، هذا بجانب القبول الذي يحظى به الدور الصيني في المنطقة من جانب الدول العربية والجانب الفلسطيني، إذ ترتبط الصين بعلاقات تاريخية وطيدة مع الدول العربية، وكذلك تُقيم علاقات سياسية واقتصادية قوية مع الفلسطينيين. بالإضافة إلى ما يتسم به الموقف الصيني تجاه القضية الفلسطينية، من سمات وملامح رئيسية، تتمثل في: سلمية الطرح الصيني، الموائمة بين الأطراف المتناقضة، بجانب وجود رؤية صينية تجاه القضية الفلسطينية تؤكد على أنها قضية لا يجوز تهميشها، ولا يجب وضعها في زاوية النسيان.

بيد أنه على الجانب المقابل، فإن ثمة عقبات وتحديات قد تعوق من إمكانية قيام بكين بطرح مثل تلك المبادرة الشاملة، يأتي على رأسها استبعاد البعض أن تتجاوب (إسرائيل) مع أية مبادرة صينية تهدف للتسوية السلمية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ناهيك بالطبع عن الموقف الأمريكي، والذي كشف عن وجهه الزائف والمنافق في إفشاله للتحركات الصينية في مجلس الأمن بشأن العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة.

وما بين العوامل التي تعضد من إمكانية قبولها، وتلك التي تقف كعقبة حيال ذلك، فإن الأمر الذي لا جدال فيه أن مبادرة سلام صينية شاملة وجامعة لحل القضية الفلسطينية، هي مبادرة نعتقد أنها لا تغيب عن إدراك صانع القرار الصيني، ويظل طرحها مسألة وقت لا أكثر.

*المحرر:  المقال خاص بشبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية في الجزائر.

ـ يُمنع إعادة نشر المقال دون الحصول على موافقة (الشبكة).

 

بواسطة: khelil

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

إقتباسات كلاسيكية للرئيس شي جين بينغ

في مئوية تأسيس الحزب الشيوعي الصيني

أخبار أذربيجان

الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكُتاب العرب أصدقاء الصين

أنا سفير لبلدي لدى جمهورية الصين الشعبية

مبادرة الحزام والطريق

حقائق تايوان

حقائق شينجيانغ

حقائق هونغ كونغ

سياحة وثقافة

هيا نتعرف على الصين

أولمبياد بكين 2022

الدورتان السنويتان 2020-2024

النشر في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

الإحصائيات


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *