إذا كان التاريخ هو الدليل، فإن التضليل خدعة سياسية شائعة تستخدمها واشنطن لتحقيق واستدامة هيمنتها.
ومع ذلك، خلص العديد من الباحثين الأمريكيين، بمن فيهم ستيفن نوت، أستاذ شؤون الأمن الوطني في كلية الحرب البحرية الأمريكية، إلى أن “أمريكا تأسست على الأسرار والأكاذيب”.
وفي حربها الدعائية التي لا تنتهي ضد الصين، اختارت واشنطن حديثا القضايا المتعلقة بمنطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم في الصين كهدف جديد لها. ولدهشة الكثيرين، وصلت واشنطن إلى نقطة فرض عقوبات على الصين وتعطيل سلسلة الإمداد العالمية فقط بناء على اتهاماتها التي لا أساس لها بارتكاب “الإبادة الجماعية” و”العمالة القسرية” بحق الأهالي الويغور في شينجيانغ.
وكالعادة، تكررت أكاذيب واشنطن من جانب عدد قليل من حلفائها الغربيين، لكنها قوبلت بصمت يصم الآذان في المجتمع الدولي ككل، ولا سيما في العالم العربي.
لقد قاومت الدول العربية قوة لهب واشنطن في نشر المعلومات المضللة ووقفت بحزم إلى جانب الصين، ودعمت سياسة الصين في شينجيانغ.
إذا كانت اتهامات واشنطن صحيحة، فلن تقف الدول العربية مكتوفة الأيدي أبدا لأنها تشترك في نفس الدين مع العدد الضخم من سكان الويغور في شينجيانغ. وهناك آية مقدسة في القرآن الكريم تقول “إنما المؤمنون إخوة”.
وفي مقابلاتهم مع وكالة أنباء ((شينخوا))، قال خبراء عرب إن الافتراءات الأمريكية بشأن شينجيانغ لا طائل من ورائها لأن المزيد والمزيد من العرب يرون التناقضات والمفارقات في المزاعم الأمريكية، وفقدوا الثقة تماما في مصداقية الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من الوفود العربية لديها تجربة سفر مباشرة في شينجيانغ وشاهدت ما يحدث هناك.
حرب التشويه ضد الصين
عندما رُفض اقتراح مناهض للصين بشأن شينجيانغ قدمته واشنطن وحلفاؤها في الدورة الـ51 لمجلس حقوق الإنسان في أكتوبر، شهدت قاعة المؤتمرات في قصر الأمم في جنيف تصفيقا حادا، حيث كانت الدول العربية تدعم الصين في التصويت.
وقال كمال جاب الله، كاتب عمود مصري وعضو بالمجلس المصري للشؤون الخارجية، إنه ليس من المفاجئ أن يدعم العالم العربي الصين دائما في قضيتها العادلة، إذ “تحاول بعض الدول إعاقة التنمية في الصين، وهذا ما تدركه الشعوب العربية جيدا”.
وأضاف أن قضية شينجيانغ “قضية سياسية أثارها الغرب، الذي يرغب في ترك السكان (في شينجيانغ) في فقر وجهل. ويريد الغرب جعل شينجيانغ بؤرة للتوترات والإرهاب للتأثير على تنمية الصين”.
ولإغراء المزيد من الدول للتصويت على مشروع القرار في أكتوبر، خططت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون لعرض المشروع باعتباره قضية إجرائية، والتي كانت من المفترض أن تكون محايدة بدون دوافع سياسية. إن تكتيكات حملة التضليل الإعلامية الأخرى التي تقوم بها واشنطن ضد الصين، أقل دقة بكثير.
ولنأخذ كذبة واشنطن الصريحة بشأن ما تسمى “الإبادة الجماعية” في شينجيانغ كمثال. لقد دأب السياسيون ووسائل الإعلام الأمريكية على الترويج بلا هوادة لهذا الاتهام الفظيع لتشويه سمعة الصين.
وفي الواقع، على مدار الـ60 عاما الماضية، زاد عدد الويغور في شينجيانغ بشكل كبير من 2.2 مليون إلى نحو 12 مليونا، مع نمو متوسط العمر المتوقع في المنطقة من 30 عاما إلى 74.7 عاما.
وعاد جاب الله ليقول “كيف يمكن أن تكون هناك إبادة جماعية في شينجيانغ بينما يتزايد عدد السكان وتعمل الدولة على تحسين التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعب؟”، عازيا الزيادة السكانية إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة الصينية لتحسين قطاعات الإسكان والصحة والتعليم هناك.
ومن جانبه، قال كاوة محمود، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكردستاني/العراق، إن بعض السياسيين الغربيين يبدو أنهم يغضون الطرف عن التاريخ المظلم لدولهم عندما يتهمون الصين زورا.
وأضاف محمود أنه “إذا فتحنا ملف الإبادة الجماعية، فإن الاستعمار إبادة جماعية، وقتل السكان الأصليين في الولايات المتحدة وكندا شكل من أشكال الإبادة الجماعية … ربما حاولوا معالجة هذا من خلال منح بعض الحقوق والامتيازات، لكن هذا لن يمحو من الذاكرة الأعمال الفظيعة التي ارتُكبت ضد هؤلاء السكان”.
وأوضح أن الاتهام السخيف الذي لا أساس له بارتكاب “إبادة جماعية” ضد الصين، جزء من الدعاية الأيديولوجية لواشنطن ضد الصين.
وقال أسامة دنورة، وهو خبير سياسي سوري وعضو سابق في وفد الحكومة السورية إلى محادثات السلام السورية في جنيف، إن هذه الاتهامات الأمريكية ضد الصين جزء من استراتيجية أمريكية ممنهجة “لكسر الوحدة الجغرافية والسياسية والوطنية في دول أخرى” وكذلك تعد تكتيكات “للتحريض على الانقسامات بين مكونات الدولة الواحدة”.
وأضاف دنورة أن “واشنطن تعوّل على التحريض على الكراهية والانقسام بين الشعوب والأديان وغيرها من القوميات المكونة للمجتمعات، باعتبار ذلك بديلا عن الحروب المباشرة، خاصة مع تراجع قدرة الولايات المتحدة على شن حروب تقليدية بعد عدة مغامرات (عسكرية) فاشلة في فيتنام والعراق ودول أخرى”.
بوتقة من الخداع السام
في مقابلاتهم مع ((شينخوا))، قال خبراء عرب إن أكاذيب الولايات المتحدة بشأن شينجيانغ لن تخدع الشعب العربي بسهولة لأن العالم العربي منطقة تعرف الخداع الأمريكي جيدا.
في 9 أبريل 2003، أي بعد نحو ثلاثة أسابيع من غزو العراق، هدم جنود أمريكيون تمثال صدام حسين في العاصمة العراقية بغداد. إن العالم كله يعرف الآن أن هذه الحرب راح ضحيتها مئات الآلاف من الأرواح، وألقت بالشرق الأوسط في حالة من الفوضى، وكانت مبنية على أكاذيب صارخة.
وقال وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولين باول أمام مجلس الأمن الدولي في وقت سابق من عام 2003 “زملائي، كل تصريح أدليت به اليوم مدعوم بمصادر قوية. ما نقدمه إليكم هو حقائق واستنتاجات تستند إلى معلومات استخباراتية دامغة”.
وفي تبريره للغزو الأمريكي للعراق، وصف باول صدام باعتباره تهديدا عالميا رئيسيا يمتلك أسلحة دمار شامل. كانت الصورة الدائمة من تلك اللحظة هي أن باول يحمل قنينة صغيرة من مسحوق أبيض، والتي كانت من المفترض أن تكون جمرة صدام حسين الخبيثة، ويخبر العالم بأن الولايات المتحدة ليس لديها خيار سوى الذهاب إلى الحرب.
لقد خلفت الحرب التي استمرت سنوات مئات الآلاف من القتلى من العراقيين وتشريد الملايين وتدمير البلدات والمدن، حيث وفر الاحتلال وما تلاه من فوضى وانعدام أمن، فرصة كبيرة لنمو الجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية.
لم يتم العثور على أثر واحد للأسلحة الكيميائية أو أسلحة الدمار الشامل في العراق حتى اليوم.
لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي كذبت فيها واشنطن من أجل التبرير للتدخل العسكري في دولة عربية.
وقال كمال منصاري، مدير تحرير في صحيفة ((لو جون أنديبوندون)) الجزائرية الناطقة بالفرنسية، “ألا تتذكرون كيف قصفت القوات الأمريكية عام 1998 مصنعا في السودان بحجة أنه ينتج أسلحة كيميائية، إلا أن الرئيس (الأمريكي) آنذاك (بيل) كلينتون ادعى لاحقا أن المصنع تعرض للقصف عن طريق الخطأ؟ فعلى أساس كذبة، هدم الأمريكيون مصنعا كان هدفه إنتاج أدوية لشعب السودان وللقارة بأكملها”.
وبالنسبة للشعب العربي، قال دنورة إن “مصداقية الولايات المتحدة تشهد انتكاسات متواصلة”.
وأضاف أن واشنطن بذلت أيضا جهودا جبارة “لتشويه سمعة الإسلام وخلق فضاء من الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية وخلق الخوف من الإسلام، الأمر الذي يشجع على العنصرية تجاه المجتمعات الإسلامية”.
وبالنسبة للكاتب الصحفي المصري جاب الله، فإن مصداقية الولايات المتحدة وحلفائها “موضع تساؤل وغير مرحب بها على الإطلاق لدى شعوب الشرق الأوسط”، قائلا إن “الولايات المتحدة تعلم أنها مسؤولة عن التحريض على التصعيد والاستفزاز في الشرق الأوسط”.
المشاهدة خير دليل على الصدق
عندما زار السفير الجزائري لدى الصين حسن رابحي شينجيانغ في أغسطس، تأثر بكيفية حماية حقوق السكان من جميع المجموعات القومية هناك.
وقال حينها “إن الفاكهة هنا حلوة جدا، تماما مثل حياة السكان هنا”.
في السنوات الأخيرة، أجرى أكثر من 2000 مسؤول حكومي ورجل دين وصحفي من أكثر من 100 دولة ومنظمة، كثير منهم من العالم العربي، زيارة إلى شينجيانغ.
“الاستماع إلى الدعاية الغربية حول الوضع في شينجيانغ سيعطيك انطباعا بأنها منطقة ‘تشبه الجحيم’، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، كما أعرب الصحفيون والأفراد غير الموجهين سياسيا، وكذلك السفير الجزائري لدى بكين، عن رأيهم بشأن الوضع هناك”، وفقا لما قال منصاري.
وفي إشارة إلى زيارته السابقة إلى شينجيانغ، قال محمود إنه “مندهش من التطور الذي يحدث هناك”.
وقال “الآن، أعتقد أننا إذا عدنا إلى هذه المنطقة، سنشهد تطورات أخرى. سنشهد تجديدا في جميع المجالات”.
في عام 2021، وصل الناتج المحلي الإجمالي لشينجيانغ إلى ما يقرب من 1.6 تريليون يوان (نحو 229.31 مليار دولار أمريكي)، وهو ضعف رقم 2012. على مدار العقد الماضي، تم توجيه أكثر من 70 بالمئة من الإنفاق المالي في شينجيانغ نحو تحسين سبل معيشة السكان.
خلال زيارتين له إلى شينجيانغ في عامي 2010 و2019، قال جاب الله إنه معجب بعدد المساجد والحرية الدينية هناك.
“زرت شينجيانغ خلال شهر رمضان في عام 2010، ورأيت كيف يتمتع المسلمون بالحرية الكاملة لممارسة شعائرهم. الحرية الدينية متاحة للجميع، والمساجد مفتوحة كل يوم وفي أثناء الإجازات”، وفقا لما قال.
يوجد 24400 مسجد في شينجيانغ، بمعدل مسجد لكل 530 مسلما. باختصار، يوجد في شينجيانغ أكثر من ضعف عدد المساجد مقارنة بالعدد في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا مجتمعة.
وقال منصاري “إن ذلك يسلط الضوء على مدى اهتمام الحكومة الصينية بالحفاظ على الهوية الثقافية والدينية لشينجيانغ. ويظهر أن الحكومة لا تتدخل في الطقوس الدينية في شينجيانغ، ولكنها تحميها من الإرهاب وعوامل عدم الاستقرار الأخرى”.
التنمية والأمن لا ينفصلان
قال خبراء عرب، وهم من منطقة تعاني من عدم الاستقرار والإرهاب والعدوان العسكري الخارجي، إن العالم العربي يدعم جهود الحكومة الصينية لتعزيز الاستقرار والأمن في شينجيانغ وإن حملة التضليل الأمريكية ضد الصين تفتقر إلى المصداقية لديهم.
وقال منصاري “الاستقرار والانفصالية مسألتان حاسمتان لأي دولة، ولا يمكن لأي دولة أن تتسامح مع تقسيم أي جزء من أراضيها”.
وقال “لذا، فإن قضية شينجيانغ هي مسألة مواجهة عدم الاستقرار والانفصالية وليست مسألة تتعلق بحقوق الإنسان”، مضيفا أن “وضع حقوق الإنسان يمكن رؤيته من خلال التنمية التي تم تحقيقها في شينجيانغ”.
خلال زيارته الثانية إلى شينجيانغ في عام 2019 ، قال جاب الله إن الظروف الأمنية كانت مختلفة تماما عن عام 2010 عندما “كانت الجماعات التخريبية تعيق التنمية في المنطقة” من خلال الهجمات الإرهابية.
وقال “مع الأمن السائد وجهود الحكومة المركزية، تغير كل شيء للأفضل”.
في حملته التي لا هوادة فيها لتشويه صورة الصين، روج الغرب أكذوبة مفادها أن مراكز التعليم والتدريب المهني في شينجيانغ هي “معسكرات اعتقال” حيث تم احتجاز مليون من الويغور.
في الواقع، كشف موقع ((جرآي زون)) الأمريكي للتحقيقات الاستقصائية أن النظرية تم اقتراحها ونشرها لأول مرة من قبل منظمة “المدافعين عن حقوق الإنسان في الصين”، وهي منظمة غير حكومية أمريكية تدعمها حكومة الولايات المتحدة. توصلت المنظمة إلى نتيجة سخيفة فقط من خلال مقابلات مع 8 من الويغور وتقدير جائر.
وقال جاب الله إنه زار تلك المراكز التي يتعلم فيها السكان المحليون اللغة الصينية والقانون والمهن المختلفة.
وقال “الذين يتخرجون في تلك المراكز مؤهلون للمشاركة في تنمية مجتمعهم، بدلا من أن يصبحوا (مجندين محتملين) للإرهاب في المستقبل”.
وأشار محمود إلى أن خطاب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين ضد الصين “مر خلال السنوات الماضية بسبب عدم توضيح الحقائق. لكن الأمور اتضحت بعد ظهور الحقائق وبعد أن اتخذت الولايات المتحدة معايير مزدوجة في قضايا الإرهاب وحقوق الإنسان”.
ورغم ذلك، نجد أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي أقامت العديد من معسكرات الاعتقال في دول أخرى، مثل معتقل جوانتانامو، حيث تم الكشف عن انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، وفقا لما قال.
*سي جي تي إن العربية.