*صحيفة الانباط الاردنية/
خالد رافع الفضلي*
لطالما تم اعتبار حياته وتعاليمه التي تؤكد على “قيم الإحسان والفضيلة والاستقامة والحكمة والإخلاص”، الإطار المرجعي المِثالي للأمة الصينية؛ ومصدر إلهام الى العديد من المُفكّرين والباحثين الذين تبنّوا أفكاره ونهلوا من حوضه العذب، فهم بلا شك مدينون لهذه العقلية العظيمة التي أنارت قرون عديدة في مسرى الحياة المظلم. فأن جلَ دعواه دوماً تؤكد على تعزيز الإدراك الإنساني والإرادة، واحترام الطبيعة المتعالية بدلاً من نظرة الهيمنة على العالم، والوفاء بدلًا من الاغتراب في التجربة البشرية، والحكمة كقوة بدلاً من المعرفة المتغطرسة.
وفي فضاء الإنسانية نصب شراعه ليُبحر في سفينة الحياة المتناقضة بكل صروفها ودروبها، فتأتي أفكاره عن الطبيعة البشرية مَبنية على المعرفة العكسية، ها هو ذا يُعبّر عن الحتمية بصورة مليئة بالحسية تكاد كل يوم تقرع في روؤسنا…. “سيكون هناك موت، وعلينا أولاً معاناته في أذهاننا، لذا يجب علينا أن نكون صبورين”. كما إنه يقف على الجانب الآخر من نظرية الانعكاس المادي، وينكر أن الفكر الإنساني هو انعكاس للوجود الاجتماعي، ويعتقد أنه ولد مع الخير الفطري للطبيعة. في التقاليد الكونفوشيوسية، يكون الوعي بالواجب أكثر وضوحاً من الوعي بالحقوق باعتبار أن الوعي الأول “ينبع من صوت الضمير”، كما يولي أهمية كبيرة لتنمية الذات وتماسك الأسرة والرفاهية الاقتصادية والنظام الاجتماعي والعدالة السياسية؛ على نقيض من الثقافة الغربية التي تكاد تلاشت وفرّت منها بعض المفاهيم وأصبحت تعيش فردانية متمركز حول الذات.
وعلى الرغم من ذلك لا يهمل كونفوشيوس الهوية الفريدة لهذه الحدود المُشيدة من الناحية الفنية التي تم ذكرها في السابق، فإنه يدرك أهمية المُسمّى “فرق الاختلاف” بتضامن “عضوي” بدلاً من التضامن “الميكانيكي”. إذاً قبل مركزية الفرد على مبدأ العدالة وأسبقية ممارسة العدالة التوزيعية في المجتمع الإنساني.
إن جوهر تعليم كونفوشيوس مع التركيز على البشرية يكمن، في المجال العام والخير وأيديولوجية أخلاقية اجتماعية، وفي إقامة دولة مستقرة تتميز بعلاقات إنسانية متناغمة والبحث في عالم خاص لتوازن معقد دائم التغير، والانسجام بين الذات والمجتمع، من خلال اتحاد الشعور الفردي الداخلي مع المعايير الاجتماعية الخارجية. وخلاصة الحِكمة الكونفوشيوسية هي النتيجة التراكمية لـ “التفكير المُتجسد” في الحياة العملية اليومية، وتنمو هذه الحكمة من خلال الانخراط الضميري في التطبيق العملي الاجتماعي بدلاً من التأمل المضارب في الأفكار المجردة.
* أستاذ باحث في الفلسفة، ومتخصص بالشؤون الصينية، ومستشار رئيس الاتحاد الالكتروني الدولي للقلميين أصدقاء الصين للعلاقات الأردنية الصينية.