جريدة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح*
قبل 45 سنة ساند العالم المُتحضّر دون غيره، القرار الدولي بمساواة الصهيونية بالعنصرية والتفرقة العرقية. القرار ساوى بين المذهب الصهيوني وارتكاب الجرائم، وأكد أن نهج التفرقة الصهيوني مشجوب علمياً وأدبياً كغيره من أشكال التفرقة إزاء الإنسانية، وبأنه ظلمٌ وخطر اجتماعي كأي خطر آخر يتربص بالناس جميعاً ويُطيح بِهِبة الحياة المقدسة.
سبق انهيار الأسرة الاشتراكية الدولية – عدا الصين الشعبية، كوبا وكوريا الديمقراطية الشعبية – تغلغل صهيوني شامل، تنظيمي، ثقافي وسياسي في مفاصلها الرئيسية. آنذاك، أوهَمَ الصهاينة شعوبها بخيالات على شاكلة أن القرار الأممي مُجحِف تجاه اليهود «المساكين المُشردين في الأرض بعيداً عن وطنهم فلسطين!»، في محاولة لقلب الوقائع وتزوير التاريخ. الانهيار الاشتراكي كشف عورات شعوب لم تكن في الواقع مثقفة سياسياً أو ملتزمة فكرياً، فتم والحالة المأساوية هذه تصفية رموز النضال في أوساط كُتّابها وصحفييها وعسكرييها، وقُتل من قُتل منهم غدراً في عتمة الليل بكل ما في الكلمة من معنى، منهم صديقي يفغيني يفسييف رحمه الله، فقد «هرسته» سيارة «سوداء» مطفأة الأنوار أمام منزله؛ وتم كذلك محاكمة أنصاره الأبطال كالجنرال الكسندر رومانينكو، بتُهمٍ مُفبركة رتّبها القيادي اليهودي – الصهيوني المسؤول عن وسائل الإعلام في كل الدولة السوفييتية والحزب الشيوعي السوفييتي الحاكم، الكسندر ياكوفليف وزمرته؛ وأقل هذه الفبركات ادعاءات بعدائهم للسامية وإثارتهم النعرات القومية تجاه اليهود(!)؛ وهي فبركات يُشيعُها الصهاينة للآن في تلك الدول، كفزاعة تضمن استمرارية سطوتهم الإبليسية الأبدية عليها وقهرهم الأقلام الحرة.
لكن الحركة «اليهودية»، ولنقُل بصورة أدق عِلمياً وواقعاً – «الموسوية»، ليست كلها متناغمة مع الصهيونية أو مؤيدة لها. فهناك على سبيل المِثال طائفة «ناطوري كارتا» أو «حُرّاس المدينة»، وتستمد اسمها هذا من اللغة الآرامية. هذه الطائفة قوة ضاربة مناضلة؛ تأسست عام 1935؛ ورفعت شعار التصدي للصهيونية، بكل صورها وعناوينها؛ الدينية والعِلمانية والثقافية والعمالية والأيديولوجية والاستيطانية و»الاشتراكية»؛ ذلك أن جميعها دون استثناء تنتمي تنظيماً وعقيدةً إلى مرجعية واحدة هي «المنظمة الصهيونية العالمية/الوكالة اليهودية»، وتنفي أفكار الطائفة كل المزاعم بوطن «يهودي»/»يهوذي»/»عَبري»/ «موسوي» تاريخي موعود لهؤلاء.
في الحقيقة، كانت الإمبرياليات العالمية برمتها وراء فكرة «الوطن الموعود» المزعوم؛ لأهداف سياسية وتوسعية في المنطقة العربية، التي تتفرد بموقع جيوبوليتيكي استراتيجي، وتزخر بواطِنُهَا بثروات لا تنضب؛ اندلق لعُاب الاستعمار القديم المُتجدد للاستحواذ عليها، متكئاً على أمانٍ دينية باطلة، بينما جوهرها غربي استعماري استثماري، قَهري ورِبحِي بحت.
إن تَزايُد عدد المستوطنين – المُستَعْمِرين الصهاينة في فلسطين إبّان انهيار الكتلة الاشتراكية العالمية، يؤشر على العمل غير المنقطع لهؤلاء منذ تأسيس جمعيات «أحباء صهيون» رسمياً وقانونياً وعلنياً في روسيا القيصرية، وإلى اليوم، لتوظيف المهاجرين اليهود في الجيش الصهيوني، ولاستخدامهم كقوة استعمارية قابلة للموت طوعاً خدمةً «للوطن القومي اليهودي» الخيالي، لكن في واقع الأمر توظيفاً لمصالح كبار الرأسماليين الصهاينة ونفوذهم الكوني ضمن المنظومة الرأسمالية الإمبريالية العالمية المُتناغِمة، التي لا تعرف قومية ولا وطناً ولا لغة عَبرية أو آرامية أو سريانية، عدا الأرباح المِلاح، ولو على جثث فقراء اليهود وأشلائهم، وهي قصص مأساوية تسرد تآمراً ثنائياً لرؤوس الأموال الصهيونية – الهتلرية واستيلادها في المنطقة العربية مُذ تحالَفَ «الفوهرر» المُنتحِر مع الحركة الصهيونية، مروراً بعام 1948 وللآن في فلسطين المُستباحة والجغرافيا العربية التي ما زالت تحت تهدِيد تجَدد الاستعمار الألفي لأوطاننا.
#مروان_سوداح كاتب وصحفي أردني, رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب أصدقاء الصين.
مقالة جميلة توضح مدى الخبث والتخطيط الجهنمي اليهودي والمصالح المالية فمكر اليهود لا يضاهيه مكر. شكرا للأستاذ مروان سوداح المكرم