Friday 19th April 2024
شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

علاقات الصين وإفريقيا..أولوية ذات ميزة تفضيلية وتفاضلية

منذ 5 سنوات في 07/أكتوبر/2019
محمد بن الحبيب

       يتناول المواطن الإفريقي العلاقات مع الصين في مختلف المجالات الاقتصادية، والسياسية بدرجة من الثقة بعيدا عن ذلك الحذر الذي يبدونه عندما يتعلق الأمر بأمريكا وأوروبا، ويتجلى ذلك بالاهتمام بمضمونها ونتائجها بعيدا عن أدواتها وآلياتها بشكل يعكس نوعا من الإرتياح لمنحى هذه العلاقات والأمل المسبق في نتائجها وتطورها في المستقبل، وليس ذلك مجرد انفعال حدسي أو رمي تكهني وإنما هو نتيجة لتفاعل عوامل عديدة مع مكونات نموذج الانبعاث والصعود الصيني. وقد لا يكفي وقوفنا على الملاحظة الأولية لهذا الموقف الإيجابي من العلاقات الصينية الإفريقية، بل يجب البحث عن الروابط المشتركة التي تدفع باتجاه توثيق هذه العلاقات وتطورها خصوصا عندما ندرك أن العلاقات الصينية الإفريقية لها عمق تاريخي متجذر منذ العصور القديمة، ففي زمن إمبراطورية أسرة “مينغ” الملكية في الفترة(1368-1644) حيث وصلت قوارب التجارية والديبلوماسية العظيمة إلى شرق أفريقيا بالصومال وكينيا، نجد أن هناك صورة لعلاقة  ودية وإنسانية راقية حيث كانت رحلة هذه القوارب تهدف إلى التعريف بعظمة الإمبراطورية الصينية مع تحقيق أهداف إقتصادية. وقد تجسدت صورة المودة والصداقة في تبادل الهدايا الصينية الثمينة بالحيوانات الإفريقية الغريبة، ولعل الصورة الجميلة والإيجابية التي يحتفظ بها الإنسان الإفريقي حول العلاقات الصينية الإفريقية هي انعكاس لهذه البداية الودية، كما يبرز أن نعومة السياسة الدولية الصينية أصيلة ودائمة عبر، التاريخ وليست سلوكا مؤقتا أو مرتبطا بهدف مناسباتي، ولكن يبقى السؤال المطروح ما هي العوامل ذات الخصوصية التي تدفع بهذه العلاقات الإيجابية ويجعلها ذات أولوية له وتعطيها هذه الميزة التفضيلية في العلاقات الدولية في الوسط الإفريقي؟

بالعودة إلى أغلب الدراسات التي تناولت محددات العلاقات الصين-أفريقيا، بالإضافة إلى نمط تعاطي الدول الإفريقية ودولة الصين سواء بشكل منفرد على غرار الدول التي قطعت شوطا كبيرا على الصعيد التجاري والاقتصادي مثل مصر والسودان وجنوب أفريقيا والجزائر ونجيريا وكيينيا وزيمباوي …الخ، أو في التفاعل العميق لقارة افريقيا مع دولة جمهورية الصين الشعبية مثل ما هو الحال في منتديات العلاقات الصينية والأفريقية منذ تأسيس المنتدى عام 2000، الذي يحدد لنا الدافع التنموي والإقتصادي والتجاري بشكل بارز وظاهر على كل الدوافع الأخرى، خاصة إذا تأملنا في الأرقام المهمة التي تدل على حجم العلاقات الاقتصادية الكبير منها حيث وصلت التبادلات التجارية إلى 151 مليار دولار 2018، كما هو الحال بالنسبة للاستثمارات الصينية في الدول الإفريقية والتي سجلت ارتفاعا تجاوز 20% في السنوات العشر الماضية تجسده أكثر من 10.000 شركة صينية متنوعة النشاط بين قطاعي التصنيع والخدمات، إلا أن هذه النتيجة في ظل السياسة الرشيدة التي تطبقها الصين منذ أربعين عاما والمتمثلة في الإصلاح والانفتاح، وبفضل التسيير الحكيم والأمثل للرئيس الصيني شي جين بينغ، في الحقيقة عبارة عن انعكاس لذلك القبول والنجاح للعلاقات السياسية الثنائية بين الدول الإفريقية وجمهورية الصين الشعبية، بل هو يعبر أيضا عن أولوية كبيرة تحظى بها الصين في معرض العلاقات الدولية والتي من المؤكد أنها محط منافسة كبيرة وشرسة، فلا نظن أن هذا الحجم من العلاقات الآفروصينية يتم تحقيقه في هدوء تام بعيدا عن المناوءات الأوروبية والأمريكية خصوصا، والذي يعرف بشراسته وميله إلى الاستغلال والسيطرة الممتدة من الثقافة الاستعمارية القديمة.

قد يتبادر إلينا أن هذه المفارقة بين ودية العلاقات الصينية وشراسة الإستغلال الغربية هو العامل الوحيد         في تحقيق الصين لميزة تفاضلية في بناء علاقات صينية مع إفريقيا، لكن أردت أن أشير هنا أن هناك محددات عامة أكثر من هذه المقارنة بل تتعداها إلى عوامل تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية. 

نعود إلى عام 1996 حيث أعلن السيد جيانغ تسه رئيس جمهورية الصين الأسبق مبادئ حاكمة للعلاقات الصينية مع إفريقيا في كلمته التي ألقاها في قمة الإتحاد الأفريقي وتمثلت في :

  • الالتزام ببناء المساواة والاحترام المتبادل لسيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
  • جعل الصداقة بين الطرفين التزاما بأولوية في كل الظروف والأحوال.
  • التنمية هي الهدف المشترك للطرفين في إطار تبادل المنافع.
  • التطلع إلى المستقبل وبتصور يطمح إلى الأفضل دائما.
  • وأخيرا توسيع أطر التعاون والتشاور الدوليين.

أعتقد أن إعلان مثل هكذا مبادئ راقية وإنسانية لا يكون إلا من دولة تستشعر وحدة المستقبل وتعتبر أن هناك روابط قوية تجمعها بالدول الإفريقية. 

نعم الصين تدرك جيدا التحديات وفي التاريخ المعاصر جمهورية الصين الشعبية والدول الإفريقية توحدت مصالحها، إذ وجمعت بينهما تجربة نضالية تكاد تكون مشتركة في مواجهات الاستعمار ضمن الحركات التحررية،  حتى ولو اختلفت أشكاله وتباعدت جغرافيتهما ولكن ذلك كفيل بتوحيد الشعور لدى الطرفين.

على الصعيد السياسي ومنذ مطلع الخمسينات كانت المصالح السياسية مشتركة وهي شراكة وليدة للنضال المشترك حيث كان الاعتراف المتبادل بين الصين والدول الإفريقية على غرار اعتراف مصر بالصين مطلع الخمسينات من القرن الماضي، ودعم الصين للحركات التحريرية الإفريقية كالثورة الجزائرية…

كما هناك عوامل ثقافية تعتبر من أهم المحددات التي تكرس التقارب الصيني الإفريقي، حيث يوجد حيث تتمتع ثقافتهما بالزخم الروحي والعراقة التاريخية المحتفظة بالكثير من الطقوس والعادات مما يجعل رحلة الاستكشاف طويلة بينهما، كما أن التقدير لكل المعالم والمآثر الثقافية يكون عميقا بينهما.

بالإضافة إلى أن المنهج الذي تتأسس عليه العلاقات الإقتصادية من طرف جمهورية الصين الشعبية سواء فيما تعلق بالمنهج الإشتراكي الصيني وما عرفه من اصطلاحات هيكلية جعلت منه نموذجا خاصا لتنمية الدول           أو ذلك الاحترام الذي تقيدت به الصين بالنسبة للشؤون الداخلية في إفريقيا وعدم استغلال الأدوات الاقتصادية لأغراض سياسية كما هو الحال في سلوك الدول الغربية تجاه إفريقيا، كل ذلك يجعل من التعاون الإقتصادي بين الصين وإفريقيا بطابع خاص مثمر ومشجع للتطوير ويعود بالنفع لكليهما.

كما يعتبر إعلان الرئيس الملهم شي جين بينغ  2013 عن بعث طريق الحرير المنبثق من عمق 2000 سنة للمسارات التجارية الصينية، المؤَسِسَة لقاعدة صلبة لمبادرة الحزام والطريق والتي تعتبر من الناحية الاقتصادية طموحا عظيما، فهي تقوم على بنى تحتية بينية لأكثر من 60 دولة وترمي نحو تنمية شاملة وعميقة ومستدامة، وتعبر أيضا عن جنوح الصين إلى سياسة عالمية عادلة وإنسانية  مستقرة آمنة، بل والتزام إستراتيجي بهذا التوجه تميزت به كل المجموعات الدولية الحالية التي لم تجعل قوتها مستديمة لتفريطها في السلام العالمي.

إن هذه الخصائص لخلفية العلاقات الصينية الإفريقية سواء على مستوى: 

– المبادئ الحاكمة للعلاقات الصينية الإفريقية.

– المميزات التاريخية والسياسية والثقافية التي تمهد دائما لتطور العلاقات بين الطرفين.

– انتهاءً بالالتزام الإستراتيجي بالمصالح المشتركة والتنمية المتبادلة والحفاظ على السلام العالمي.

تجعل الصين تتمتع بميزة تفاضلية لها في توطيد علاقاتها مع أفريقيا بل ويجعلها ذات أولوية، مقارنة مع التكتلات القائمة وهذا ما يشير إليه المفكرون والكتاب والسياسيون في إفريقيا وبخاصة الدول العربية، ويجعل العلاقات الإفريقية مع الصين محل استحسان وقبول رسمي واجتماعي لما تبعثه من اطمئنان وآمان في هذه المجتمعات، وهو يدعم أيضا الاستقرار السياسي المحلي كون التوجه نحو الصين بإقامة شراكة قوية صينية أفريقية على مبادئ قوية أساسها تحقيق علاقة رابح رابح للطرفين وكذا التنمية في الاتجاهين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وهي خصائص تُميز  الصين في علاقاتها الخارجية وانفتاحها على العالم بأسره، القائم على الدفع بالتقارب السياسي والتاريخي والثقافي مما يقلل من الأضرار وأشكال الإستغلال الأخرى التي تفرزها العلاقات الإفريقية مع الدول الغربية.

   ** محمد بن الحبيب – كاتب في مجال السياحة والصناعة التقليدية – عضو الفرع الجزائري للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكُتاب العرب أصدقاء (وحُلفَاء) الصين – عضو الجمعية الجزائرية للتوعية والتنمية الاجتماعية – عضو الجمعية الجزائرية للتراث والبيئة وتحسين المناطق الصحراوية.

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

إقتباسات كلاسيكية للرئيس شي جين بينغ

في مئوية تأسيس الحزب الشيوعي الصيني

أخبار أذربيجان

الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكُتاب العرب أصدقاء الصين

أنا سفير لبلدي لدى جمهورية الصين الشعبية

مبادرة الحزام والطريق

حقائق تايوان

حقائق شينجيانغ

حقائق هونغ كونغ

سياحة وثقافة

هيا نتعرف على الصين

أولمبياد بكين 2022

الدورتان السنويتان 2020-2024

النشر في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

الإحصائيات


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *