(شينخوا) مع انعقاد مؤتمر ميونيخ للأمن لعام 2025، يُبرز تقرير صدر حديثا عن المؤتمر اتجاها متزايدا نحو التعددية القطبية في النظام العالمي. وعلى الرغم من أن التقرير يسلط الضوء على تحول مهم، إلا أنه يصل إلى استنتاج خاطئ.
إن التقرير الصادر عن مؤتمر ميونيخ الأمني لعام 2025 يضع بشكل صحيح اعترافا واسع النطاق بأن عصر هيمنة القطب الواحد في تضاؤل. ويرى المزيد والمزيد من الناس في جميع أنحاء العالم أن النظام العالمي يتطور إلى نظام متعدد الأقطاب، وهو ما يعد إيذانا بالابتعاد عن هيمنة قوة عظمى واحدة.
بيد أن التقرير أخطأ حين أشار إلى أن دعم الصين الصريح للتعددية القطبية لا يهدف إلا إلى تحدي الهيمنة الأمريكية العالمية. فوجود عالم متعدد الأقطاب حقا لا يعني استبدال قوة مهيمنة بقوة مهيمنة أخرى، بل يعني عالما تستطيع فيه الدول، بصرف النظر عن حجمها أو ثرواتها، أن تدلي بدلوها في صياغة الشؤون العالمية.
وقد دأبت الصين، وهي من أنصار التعددية القطبية منذ أمد بعيد، على الدعوة إلى عالم متعدد الأقطاب متساو ومنظم وإلى عولمة اقتصادية شاملة ومفيدة للجميع. ويتردد صدى هذه الرؤية بقوة مع صعود الجنوب العالمي كقوة رئيسية في تشكيل الشؤون العالمية.
إن زخم التعددية القطبية، باعتباره اتجاها أساسيا في عالم اليوم، تحركه الجهود الجماعية، وليس قلة من البلدان فحسب. فقد أرست حركة عدم الانحياز ومجموعة الـ77 الأساس لمقاومة الهيمنة، فيما عملت منظمات إقليمية مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ومجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي على تعزيز صوت الجنوب العالمي.
وتتجلى التعددية القطبية بوضوح على المنصات العالمية، مع انضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين في عام 2023 وتوسع مجموعة بريكس لتشمل خمسة أعضاء جدد في عام 2024.
فلفترة طويلة للغاية، كان تشكيل النظام الدولي القائم يتم بشكل غير متناسب من قبل حفنة من القوى الغربية، وكثيرا ما تُهمش أصوات الدول النامية واحتياجاتها. فمن القواعد التجارية إلى النظم المالية، ومن الأمن العالمي إلى إدارة المناخ، شعرت العديد من البلدان — وخاصة في الجنوب العالمي — بأنها مستبعدة أو تتعرض لضغوط من أجل الامتثال لإطار لا يخدم أهدافها التنموية.
وليس من المستغرب إذن أن يتردد صدى دعوة الصين إلى التعددية القطبية على نطاق واسع في هذه المناطق. وهي رؤية لعالم فيه لا تُملي دولة واحدة القواعد، وفيه تُحترم السيادة، وفيه يتم تقرير الشؤون الدولية من خلال التشاور وليس الإكراه.
إن الصين لا تسعى إلى فرض نظام جديد بل إلى المساهمة في نظام أكثر توازنا. وإن مبادئ التعددية القطبية، أي عدم التدخل والمنفعة المتبادلة واحترام السيادة، مدرجة منذ فترة طويلة في السياسة الخارجية للصين.
وتعد مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق ومبادرة التنمية العالمية والمشاركة النشطة في مجموعة بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون جهودا عملية لتعزيز التعاون وتوفير المزيد من فرص التنمية للجميع.
هذه ليست إستراتيجيات للمنافسة الجيوسياسية ولكنها تسعى إلى خلق نظام عالمي أكثر عدلا، لا تكون فيه التنمية حكرا على قلة بل حقا مشتركا للجميع.
إن مؤتمر ميونيخ للأمن هو منصة لإجراء حوار هادف، ومن خلال هذه المناقشات يمكن للعالم أن يتحرك نحو مزيد من التفاهم المتبادل. لقد حان الوقت لتجاوز عقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن، واحتضان عالم يسوده التعاون وليس المواجهة، وتجد فيه كل دولة — كبيرة كانت أم صغيرة — مقعدا لها على الطاولة، بدلا من أن تكون طبقا على قائمة الطعام.