جريدة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح*
قبل أقل من أسبوع خرجتُ من داري لإنجاز مهام عاجلة، إلا أنني لم أُنجزها! على بُعدِ عشرة أمتار من منزلي تجمّدت أوصالي في الشارع العام غضباً لمشهدٍ كَادَ يؤدي بي إلى نوبة قلبية.
لا أُخفي إنّني لعَنتُ كثيرين لا أعرفهم لاقترافهم فِعلة بشعة وشنيعة. وانتقاماً منهم، حَلمتُ للحظة أن أحدهم رماهم فأصابهم في «كَعبِ أخيلهم» عقاباً لهم لحرقهم أمتاراً خضراء وجافة بجوار منزلي.. فعوضاً عن جَمعِها بطريقة حضارية لا تستغرق سوى بضع دقائق، اِرْتَأَى العابثون، وأنا لا أعرفهم، حرق موقعين بضربة واحدة! والأسْوَأ من ذلك، أن الفَعَلة أضرموا نيران حقدهم فأحرقوا الأخضر مع اليابس، و.. غادروا المكان، وكأن شيئاً لم يكن!
هذه الفِعْلة تفضح سُرّاق النهار الذين يقبعون عادة في العَتمَةِ البَرَانية طوال أيامهم، مُتخفّين وبعيدين عن الأعين والمجتمع، ليتسنّى لهم اقتراف الموبقات دون محاسبة مِنْ أَحَدٍ، وبلا شهود!
بعض الجيران تابعوا سُرّاق النهار من خلف ستائر نوافذهم، وكشفوا عن أن سِحنهم تولّد استنكاراً وهياجاً نفسياً، ولسان حالهم يقول: إن مَن يَستهدف الطبيعة – الأُم، إنما يَستهدف أُمّه التي أنجبته ومنحته دمها ولحمها الحي.. أُمّه التي «حملته» وربّته طفلاً وصبياً وأنهضته ليغدو شاباً، ثم أسندتهُ بعد زواجه وتأسيسه عائلة.. مَن يَلعن الأرض ويُمِيتها تلعنه ومصيره بشع.. فمَن يَستهدفها إنما يَستهدف الزّرع كله والوطن الكبير برمُته، بطوله وعرضه وتاريخه وحضارته وأهله، و.. يَغتال زُرّاعه أيضاً كبيرهم وصَغيرهم، أفقرهم وأغناهم.. لذا، يَلزم الحذر من السُّراق، وشل حركتهم وحِراكهم قبل تخريبهم أُمّةً بأكملها ونقلهم جهنم إلى شوارعنا وحدائقنا.
في قطعة الأرض الأُولى لم تُحرق الحشائش الجافة فقط، بل وتم إتلاف جزء من شجرة صبّار منزلية تعتبر آية في الجَمالِ والروعة. فللسنة الثانية على التوالي تُستهدف هذه النبتة المُسالِمة بالإعدام حرقاً! هذا يؤكد أن القَتلة هم من طينة غير بشرية، وعلى الأغلب هم أصحاب جهنم، يَلهون بالنار بين بيوتاتنا جِهارًا نهارًا، وفي غياب كل الأجهزة الحكومية ذات الصِّلة!
في قطعة الأرض الأُولى أيضاً، حُرقت عشرات نباتات النخيل التي زرعتُها أنا شخصياً بيدي خلال فصل الشتاء المنصرم، وبالتالي تلاشى حُلمي بتحويل الأرض إلى مُتنزّه يَجمع الجيران ومَن يَشاء مِن عابري المنطقة.
في قطعة الأرض الثانية الواقعة إِلَى جَانِبِ مطعم فخر الدين الفخم، شاهدتُ بقايا ألسنة النيران وهي تهاجم بشراسة شجرتي نخيل، عمر كل واحدة منهن أكبر من عمري، فأنا اذكرهن منذ طفولتي. هناك تحوّلت الأرض الى سوادٍ شبيه بعزاءٍ في ميّت، عوضاً عن تحويلها إلى قيمة جمالية تعمّم على بقية المساحات المشابهة لها في العاصمة، لإبرازها كحديقة جاذبة ومريحة للأنفس والأعين، بخاصة وقوعها إلى جانب هذا المطعم الشهير بزوّاره من الشخصيات الأعلى أردنيا وأجنبياً.
انتظر أن تصل رسالتي إلى الجهات المَعنية لتتخذ الاجراءات اللازمة، ولنرى تغييراً جُلّه اهتمام أشمل وأعمق بعالمِ الـ(فلورا).
*كاتب وصحفي أردني.