التركيز على المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط

تنقسم المصالح الجوهرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل أساسي إلى جانبين، وهما حماية مصالح الأمن القومي الأمريكي والسيطرة على موارد الطاقة في الشرق الأوسط.

فيما يتعلق بالمصالح الأمنية، يجب على الولايات المتحدة أولاً الحفاظ على التوازن بين حليفتها إسرائيل وشركائها العرب، ليس لضمان أمن إسرائيل فقط، بل لمراعاة مواقف وردود فعل الدول العربية أيضا؛ ثانيا، مكافحة الإرهاب وتجنب إعادة وقوع هجمات “11 سبتمبر”؛ ثالثا، ضمان عدم امتلاك إيران أسلحة نووية.

وفيما يتعلق بمصالح الطاقة، يجب على الولايات المتحدة منع خصومها من السيطرة على الطاقة في الشرق الأوسط. على الرغم من أن تطوير النفط الصخري المحلي في الولايات المتحدة قد حقق نتائج، إلا أن هذا لا يعني تراجع في أهمية طاقة الشرق الأوسط. فقدرة الولايات المتحدة على التأثير في الشرق الأوسط تعني التأثير على إمدادات النفط لأوروبا وآسيا، وحتى أسعار النفط والغاز الطبيعي الدولي.

تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط

في العقود القليلة الماضية، نفذت الولايات المتحدة عدة تدخلات مسلحة أو غير مسلحة في الشرق الأوسط، كانت نتيجتها زيادة الفوضى في المنطقة، وهو ما وضعها لاحقا في وضع أكثر إحراجًا، ونتج عنه تراجع مستمر في نفوذها هناك.

يعتقد بعض الناس أن سحب الولايات المتحدة لقواتها من أفغانستان بسرعة والاستيلاء السريع لطالبان على السلطة في أفغانستان هو إشارة إلى أن المشاركين في المنطقة لم يعد بإمكانهم الاعتماد على قوة الولايات المتحدة التي تزداد ضعفا باستمرار. قال المحلل السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله في صحيفة ((ذا ناشيونال)) الإماراتية: “حان الوقت لتقليل الاعتماد على واشنطن في المجالات الاستراتيجية”.

شنت الولايات المتحدة حرب العراق، وأسقطت نظام صدام ودعمت ما يسمى بـ “النظام الديمقراطي” في العراق، إلا أن الحكومة العراقية الحالية تقترب أكثر فأكثر من إيران المعادية للولايات المتحدة بسبب الدين والثقافة والتاريخ وما إلى ذلك. مؤخرا، أصدر البرلمان العراقي قرارًا يطالب بسحب الدول الأجنبية لقواتها من العراق، وهو ما يعني دعوة إلى مغادرة الجيش الأمريكي، هذه الدعوة سلبت الولايات المتحدة ماء وجهها كقوة عظمى.

على مستوى اللعبة بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط، فشلت الولايات المتحدة في كسب اليد العليا. بعد تدخل روسيا في الحرب السورية في عام 2015، لم تنجح في الحفاظ على نظام بشار فقط، بل توسطت في الصراع بين القوات الكردية والتركية في شمال شرق سوريا أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت العلاقة بين روسيا والحليفين الاستراتيجيين للولايات المتحدة – السعودية وتركيا أكثر تقاربا، وهو ما يؤثر بشكل كبير على الجوسياسية والأمن الإقليمي للشرق الأوسط. ويزيد في الوقت ذاته نفوذ روسيا في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ.

من منظور دول الشرق الأوسط، بعد أكثر من مائة عام من التدخل الصارخ للقوى الأجنبية، تراكمت لدى دول الشرق الأوسط درجة معينة من الاستياء وعدم الثقة في البلدان خارج المنطقة، خاصة الولايات المتحدة، واستمرت الدعوة إلى تقرير مصير الشؤون الوطنية في الازدياد.

تريد الولايات المتحدة التخلص من “الفوضى” التي ظهرت في الشرق الأوسط بأسرع وقت ممكن، وذلك للتركيز على المنافسة بين القوى الكبرى. ومع ذلك، ومن منظور واقعي، فإن القضايا الساخنة المعقدة في الشرق الأوسط مثل القضية الفلسطينية الإسرائيلية والقضية النووية الإيرانية والقضية السورية، كلها مرتبطة بالمصالح الرئيسية للولايات المتحدة، مما يجعلها تواجه معضلة صعبة – “تريد المغادرة، لكن من الصعب المغادرة، وحتى لا ترضى المغادرة”.