** الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والإستراتجية
“إن الصداقة بين
الصين والجزائر نشأت في أيام الضراء، وتتجسد الصداقة بين الشعبين في نضالهما ضد
الإمبريالية والاستعمارية. ولن ينسى الشعب
الصيني أبداً الدور الهام الذي لعبته الجزائر في استعادة المقعد الشرعي لجمهورية
الصين الشعبية في الأمم المتحدة، فكل الشكر والتقدير للجزائر على دعمها الثابت
للصين في القضايا المتعلقة بالمصالح
الحيوية والهموم الكبرى لها. “
هذا مقتطف من تصريح رئيس الصين الشعبية شي جين بينغ اتجاه
الروابط المتينة التي تجمع الشعب الجزائري والصيني والتي تؤكد ان تطوير علاقات
الصداقة والتعاون الصينية الجزائرية على نحو شامل وتعميق التعاون الإستراتيجي بين
البلدين يمثلان سياسة ثابتة للصين. و تحقق أبعاد شاملة في مستويات كافة ونطاقاً
واسعاً، وهي كلها عوامل تدفع و تنم عن علاقات ثنائية إلى مستوى أعلى. و هو ما أكده
مؤخرا الرئيس شي جين بينغ مشيرا إلى أن الصين تعتبر الجزائر دائماً صديقاً عزيزاً
وأخاً حميماً وشريكاً وثيقاً.
تعد العلاقات الجزائرية الصينية من بين أهم العلاقات في التاريخ
الإنساني ويعود ذلك إلى زمن بعيد و بالضبط
إلى ما قبل تحرير الجزائر من
الاستعمار الغاشم وتأسيس الدولة الديمقراطية الشعبية، فقد أيّدت الصين الشعبية
نضال الشعب الجزائري وكفاحه المشروع من أجل تحرير وطنه وسيادته ورفعته و تحقيق
حياة فضلى لأبنائه، وساندت بكين قولاً وفعلاً جبهة التحرير الوطني الجزائرية، مما
أرسى قاعدة حقيقية وصلبة للتعاون الذي تم تكريسه أبدياً. وخلال السنوات الاخيرة،
تعرض التعاون بين الصين والجزائر في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية
والثقافية والصحية الى تجارب زمنية، فأضحت تتعمق بإستمرار وبلاانقطاع، فانتقلت الى
طور الازدهار الحقيقي المبني على التآخي
و كان دعم دولة الصين واضحا و لم ينسى الشعب الجزائري وقوفه و
موقفه من القضية الجزائرية خلال الخمسينيات ، اين أيّدت الصين ثورة التحرير الوطني
الجزائرية المجيدة لاستئصال المستعمرين من تراب الجزائر و كان هذا الموقف بمثابة
السند القوي الذي زلزل الأرض تحت اقدام جنيرالات فرنسا و حلفائها و كانت دولة
الصين من بين الدول الأولى التي ساندت القضية الجزائرية و و اعترفت بعد ثلاثة ايام
فقط من شهر سبتمبر سنة 1958 بتأسييس الحكومة المؤقتة
لتتعزز هذه العلاقات اكثربمرور الزمن و تصبح الأكثرانتاجا و
رقيا في كافة المجالات السياسية و الدبلوماسية و تبقى هذه العلاقات بين بكين و
الجزائر علاقات صداقة تقليدية دائمة و راسخة في اذهان سكان البلدان سواء من ناحية
الكفاح او من ناحية التوجه الايديولوجي المشترك .
هذا و كانت دولة الصين الشعبية منذ زمن سابق و بعيد بمثابة
السند القوي للدولة الجزائرية اين قامت بارسال أول فريق طبي الى الجزائر، يُعد
الاول من نوعه الذي ارسلته بكين الى افريقيا أيضاً. ومنذ ذلك العهد، لتواصل حكومة
بكين دعمها للجزائر و تقوم بارسال عشرات الفرق الطبية، المجهزة و المدعمة بالأطباء
والممرضين حيث ارسلت الصين الشعبية الى الجزائر 21 فريقا طبيا عمل فيها اكثر من
2800 شخص ، زيادة على ذلك المساهمات فى تطوّر القضية الطبية الجزائرية، وانقاذ
الجزائريين ليس من ألغام فرنسا التي زرعتها في أرض الجزائر لتقتيل الشعب الجزائري
وإلحاق الإعاقات الجسدية به فحسب، بل وعملت على ارسال بعثات من الاطباء والممرضات
الصينيين الى الجزائر ، فكان هؤلاء بذوراً للصداقة الاكثر إثماراً بين الجماهير
الشعبية متحدين بروح نضالية وإنسانية تتحدى المتاعب والاخطار، و كان هدفها انقاذ
المرضى ورسم الابتسامات على شفاههم و لما ضرب الجزائر فى شمالها زلزال عنيف كانت
درجته 6.2 على سلم ريشتر فى مايو عام 2003، مما اسفر عنه خسائر فادحة في الارواح والممتلكات.
حيث كانت الصين السباقة في ارسال فرق اغاثة فورا الى الجزائر
.و نظرا لوزن الصين في المنطقة
العربية و الأروبية و الأسيوية و دور الجزائر الريادي على كافة المستويات فان
غالبية القضايا المصيرية الكبرى كان دوما محل تداول وتشاورفيما بينهما . وفي
المجال الدبلوماسي يبقى موقف الجزائر ثابث اتجاه مناصرة الصين وشرعية تمثيله دولة
و شعبا و حكومة و ترابا ، فالدولتان ظلتا تتفاهمان وتؤيدان بعضهما البعض بكل قوة
على الصعيد الدولي، وكانت الجزائر هي الاولى والسبّاقة الى هذا المجال لدعم وحدة
الصين الجغرافية والجيوسياسية. وفي سبعينات القرن السابق، كانت الجزائر واحدة من
دولتين (البانيا)، اللتان قدمتا المقترحات الحاسمة والحسّية لتسليم الصين مقعدها
الشرعي في المنظمة الاممية، في مواجهة انفصالية تايوان ومن يدعهما من وراء المحيط
علناً وسراً.
من جهتها دولة الجزائر تبقى تحفظ جميل الشعب الصيني دولة و
حكومة من خلال الدعم المتواصل و المساعدات غير المحددة من الصين سواء أ كانت في
نضالها من أجل الاستقلال والتحرر الوطني أو في علمية بناء الدولة الحديثة. وتبقى
الجزائر حسب تصريح عبد القادر بن صالح ممثل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة تحرص
على الصداقة التاريخية بين البلدين، وتأمل في الحفاظ على التبادل الرفيع المستوى
وتعزيز التواصل بين الأجهزة التشريعية وتوسيع التعاون في المجالات الاقتصادية
والتجارية والاستثمارية، وتدعيم الصداقة الصينية الإفريقية، بما يرتقي بالعلاقات
الثنائية إلى مستويات جديدة من مستواها المتميز القائم.
عشرات المؤسسات الصينية تستثمر في الجزائر و تساهم في رقيها
تعمل حالياً عشرات المؤسسات الصينية الكبيرة بالجزائر في كل
مجالات الاستثمار والتجارة والاقتصادي، ويمتد عملها الى تخصصات مختلفة منها الطُرق
والإسكان والإتصالات السلكية واللاسلكية والطاقة والري والمواصلات، وقد غدا الفندق
الذي ساعدت الصين في بنائه عمائر ترمز لعاصمة الجزائر الحديثة، أما الطرقات
السريعة الرابطة بين شرقي الجزائر وغربيّها فيعتبر شريان المواصلات الرئيسي
للجزائر، وهو كذلك الطريق المحوري الاستراتيجي للدول الشمال افريقية. في مجال آخر،
تركّز وسائل الإعلام الصينية على نشر المواد الصحفية عن الجزائر والعلاقات معها،
لذا فإن القارئ يستطيع الوصول الى المعلومات المطلوبة له عن هذه العلاقات بسهولة
كبيرة، .
و تبقى في الأخير العلاقات الجزائرية الصينية إستراتيجية وهي الأقوى
بكل المقاييس، وهو الوصف الذي رسى في الأدبيات السياسية للبلدين، وهو الذي كرره
زعيما البلدين الرئيس الصيني والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، خلال زيارة
سابقة للرئيس الصيني الى الجزائر، التي ستبقى مفتوحة أمام الصين، ومُشرَعةً
أبوابها لبكين، وسبيلاً للدولة الصينية الشعبية من دولة الجزائر الشعبية
.
كل رؤساء الصين السابقون زاروا الجزائر.
توافق في السياسة و الإيديولوجيات
يزداد سنة بعد السنة
خلال تفحص مسار العلاقات الجزائرية الملفت للانتباه فيها أنها
كانت مميزة جدا و المسجل أيضا أن كل الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة الجمهورية
منذ استقلال الجزائر عام 1962 زاروا الصين، كما أن كل زعماء الصين السابقون ماعدا
ماو تسي تونغ زاروا الجزائر، وأول فرقة طبية غادرت الصين كانت باتجاه الجزائرعام
1963، وكانت الصين من بين الدول الأولى التي اعترفت بالحكومة المؤقتة للجمهورية
الجزائرية قبل الاستقلال، كما أن الجزائر كانت من أشد المدافعين على احتفاظ الصين
بمقعدها الدائم في مجلس الأمن… … هي
أمثلة عن عمق ومتانة العلاقات الجزائرية الصينية تاريخيا وسياسيا واقتصاديا
وثقافيا.
سياسيا تكاد المواقف الدولية لكل من الجزائر والصين تتطابق، وقد
برز هذا التوافق خلال عضوية الجزائر في مجلس الأمن طيلة سنتي 2004 و2005، حيث
تجاوبت الصين إيجابيا مع المشاريع التي تقدمت بها المجموعة العربية بقيادة الجزائر.
مركز الصحراء للدراسات و الاستشارات
جزائريون و صينيون جنبا إلى
جنب في مجال البناء و التشييد.
كثر الحديث في أوساط الشارع الجزائري في الفترة الأخيرة عن
انتشار اليد العاملة الصينية في ورشات الأشغال العمومية كما امتدت أياديهم العاملة
إلى المنشآت القاعدية الأخرى مثل الطريق السيار الذي يمتد من الشرق إلى الغرب و
قطاع البناء العمومية او التابعة للخواص كأفراد أو مقاولين خواص وذلك وسط استحسان
الجزائريين والسبب يعود إلى سرعة الانجاز ونوعية العمل مقارنة بطلبات اليد العاملة
الجزائرية التي تنقصها الخبرة في مجال مهن البناء
و في هذا السياق أشار مركز الصحراء للدراسات و الاستشارات الى
انه مع انطلاق ورشات الأشغال العمومية التي تتعهدها الحكومة الصينية في الجزائر
تدفق آلاف العمال الصينيين إلى البلاد للعمل في هذه الورش، لكن بعضهم تحول إلى
العمل في المجال التجاري وكونوا علاقات مع السكان الجزائريين.
قصد ترسيخ مفهوم الصداقة بين الشعوب من خلال التجارة. جزائريون
وصينيون جنبا إلى جنب سواءا في قطاع التجارة أو الورشات أو في مجال تبادل الخبرات
ويشكل الحضور الصيني في الجزائر أمرا بارزا وملفتا.
فالاستثمارات الصينية المباشرة في الجزائر تتركز في مجال البترول والمعادن. أما عن
التبادل التجاري فإنه في تزايد مطرد من 6،4 مليار دولار عام 2011، إلى 3،3 مليار
دولار في الربع الأول من عام 2012، أي بزيادة قدرها 37،4 في المائة بالمقارنة مع
نفس الفترة من عام 2011.
يعمل الصينيون في الجزائر في كل المجالات تقريبا من الأشغال
العمومية والبناء والسياحة والمحروقات والهواتف وغيرها. ويعود تاريخ توسع الوجود
الصيني إلى بداية عام 2000 مع انطلاق عدد من مشاريع الإنشاءات العامة. فقد تمكنت
الشركات الصينية من الاستحواذ على عدد كبير من هذه الصفقات من خلال تقديم عروض
تنافسية خيالية، وفرضت ندرة الأيدي العاملة الوطنية عليها جلب مئات من العمال
الصينيين لإنجاز مشاريعها.
ومع انتهاء هذه الأشغال بدأ هؤلاء في العمل مع خواص في مجالات
البناء المختلفة في كل مدن الجزائر. كما دخل عدد منهم المجال التجاري وبدءوا
يمارسون التجارة، وتقدر السفارة الصينية تعداد الجالية الصينية حاليا في الجزائر
بـــ35 ألفا.
ويبدو أن التجار الصينيون تكيفوا بسرعة مع الحياة الجزائرية ولم
يجدوا صعوبة في التأقلم مع الأوضاع السائدة في الجزائر وهم اليوم ينافسون
الجزائريين بدءا من البناء، الحرف اليدوية الصغرى والتجارة الشرعية وغير الشرعية،
كما أنهم لم يصبحوا مجرد باعة أو مستخدمين، بل مالكين حقيقيين لهذه المحلات
ويحوزون الوثائق والسجلات التجارية خصوصا بعد تسهيل الإجراءات الخاصة بالحصول على
السجلات التجارية، فالتشريع الجزائري عرف تسهيلات في مجال تسجيل المؤسسات التجارية
والتجار، خصوصا بصدور المرسوم التنفيذي رقم 06 – 454 المؤرخ في 11 ديسمبر 2006،
حيث يلغي هذا المرسوم شرط توفر الأجنبي الذي يتقدم بطلب للحصول على سجل تجاري على
بطاقة التاجر التي كان يسلمها المجلس الشعبي الولائي المختص إقليميا، كما أن الملف
الذي يستوجب على الأجنبي تقديمه لم يعد يختلف عن الملف الذي يستوجب على الجزائري
تحضيره.
رغم اختلاف الدين و اللغة و العادات
الجزائر تفضل التعامل مع
الصين و تعتبره بمثابة المتعامل الأول معها
بالرغم من اختلاف الدين و اللغة و العادات ، غير أن العلاقات
بين الجزائر و الصين أخذت بعدا أكثر جدية بعد الزيارات المتتالية لقادة البلدين،
حيث ارتفعت وتيرة التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وارتفعت قيمة التجارة بين
البلدين. وبدأ التعاون في المشاريع الموقع عليها منذ ازيد من ثلاثة عشريات كاملة ،
بما في ذلك مشاريع الزراعة والمياه والفنادق والمطاعم، لتصل المبادلات إلى أرقام
قياسية بعد الزيارة الأخيرة التي قادت الرئيس الصيني إلى الجزائر* و اصبحت الصين
من بين المتعاملين الأوائل مع الجزائر . وقد اكتسح الصينيون عدة مجالات حيوية في
الجزائر، خاصة قطاع البناء، حيث كلفت الشركات الصينية بإنجاز جزء هام من البرنامج
السكني البيع بالإيجار، وأخير مجمع صيني بإنجاز القسم الأكبر من مشروع الطريق
السيار شرق غرب، وهو مشروع استراتيجي فاز بصفقة إنجازه الصينيون واليابانيون رغم
منافسة الشركات الفرنسية والأمريكية، الصفقة افتكها المجمع الصيني “سيتيك أس
أر سي سي”، كما افتكت الشركات الصينية العديد من العقود في قطاع الموارد
المائية، والتهيئة العامة، وهو عامل سيقفز بحجم الاستثمار الصيني في الجزائر.
ولم يقتصر التعاون بين البلدين في المجالين الاقتصادي والسياسي
وإنما شمل كافة المجالات ابتداء بالجانب العلمي، حيث بدأت الصين في إرسال فرق طبية
صينية إلى الجزائر ابتداء من سنة 1963، ، كما* وقعت* الصين* والجزائر* حوالى* 20*
برنامج* تبادل* واتفاقية* تعاون* تتعلق* بالثقافة* والتعليم* والرياضة* والصحافة*.
خلال السنوات الماضية أهدت الصين مئات الكتب المتنوعة والأقراص المضغوط
التي تعرف بالثقافة والحضارة الصينية، وأجهزة إعلام آلي من أحدث منتجات الصين في
هذا المجال استعدادا للمكتبة الوطنية الجزائرية و رغبة من طرف دولة الصين الصديقة للتعاون في
المجال الثقافي و أدوات المعرفة. كما عبر المدير العام للمكتبة الوطنية الجزائرية
عن شكره وعرفانه لجمهورية الصين شعبا وحكومة، مؤكدا عمق التعاون الجزائري الصين في
الماضي والحاضر والمستقبل. كما أثني على
العلاقات الثقافية والاقتصادية العميقة التي تربط بين الصين والجزائر عبر التاريخ
و الملاحظ ان دولة الصين الصديقة ما تزال تستقبل البعثات العملية والجامعية من الجزائر و المسجل خلال السنوات
الأخيرة اهتمام الجزائريون باللغة الصينية ، والتي أصبحت مطلوبة للتعلم.