إذا قال أحد في الصين “007”، فهو في الغالب لا يقصد العميل المشهور جيمس بوند في فيلم التجسس البريطاني، وإنما يقصد على الأرجح نظام العمل من الساعة 0 إلى الساعة الـ24، و7 أيام في الأسبوع بدون راحة. وهناك نظام عمل مماثل: “996” أي العمل من الساعة 9 صباحا إلى الساعة 9 مساءا ولـ6 أيام في الأسبوع. كانت هذه ثقافة العمل الإضافي التي سادت في قطاع الإنترنت الصيني.
ولكن في الآونة الأخيرة، أعلنت شركات الإنترنت الصينية العملاقة مثل علي بابا وبايتدنس الشركة الأم لـتيك توك وتينسنت عن تنفيذ نظام العمل “1075” أي العمل من الساعة 10 صباحا إلى الساعة 7 مساءا ولـ5 أيام في الأسبوع، ليحل محل “996”، حيث يجب على الموظف تقديم الطلب إذا أراد أن يعمل إضافيا، وسيتم تقييم أداء المسؤول حسب ساعات العمل الإضافي لمرؤوسيه، أي كلما زادت ساعات العمل الإضافي انخفض دخل المسؤول. وبهذا الإعلان تقترب ثقافة العمل “996” التي نالت انتقادات الجمهور من نهايتها.
أثلج إلغاء ثقافة “996” صدور الكثير من الموظفين الذين يتشوقون إلى عطلات نهاية الأسبوع والعمل لمدة “تقل عن 40 ساعة في الأسبوع” كما ينص عليه “قانون العمل الصيني”، إلا أنه قوبل في نفس الوقت بالرفض من قبل بعض الموظفين، لسبب بسيط: الراتب ينخفض. علاوة على ذلك، مع إلغاء ثقافة العمل الإضافي، ألغيت مزايا إضافية يحصل عليها الموظف في حال انصرافه بعد الساعة 10 مساءا مثل “أجرة التاكسي والوجبات المجانية”.
هناك العديد من الأسباب لانتشار ثقافة “996” في قطاع الإنترنت الصيني.
أولا، في السنوات الماضية، شهد هذا القطاع الناشئ قفزات نوعية، حيث باتت خدمات التوصيل السريع وتطبيقات استدعاء السيارات والتسوق الإلكتروني تغير حياة الصينيين من ألفها إلى يائها. ومن أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة لمستخدمي الإنترنت، شجعت شركات الإنترنت موظفيها على العمل الإضافي بمفهوم “من زرع أكثر حصد أكثر”، وفي المقابل يحصل الموظف على مرتبات عالية.
فوفق تصنيف متداول على مواقع التواصل لـ”رواتب الموظفين في شركات الإنترنت الصينية عام 2018″، احتلت علي بابا المركز الأول، ووصلت نسبة الموظفين الذين يتقاضون رواتب شهرية تتراوح بين 30 و50 ألف يوان(أي ما بين 4700 و7800 دولارا) إلى 63%.
ثانيا، بفعل رأس المال، بدأت المنافسة السلبية التي تعرف محليا بـ”الالتفاف الداخلي” بين شركات الإنترنت، وبالتالي أصبحت ثقافة العمل الإضافي شائعة، بل وتمجدها الشركات وتعتبرها مرادفا لـ”الكفاح”. وفي المقابل، غالبا ما يتم تصنيف الموظفين الذين لا يعملون لساعات إضافية على أنهم “غير مجتهدين”.
لكن مع تحول سوق الإنترنت الصيني من سوق توسع ونمو إلى سوق مستقر، أي وصول عدد المستخدمين وأوقات اسخدام الإنترنت إلى “السقف”، بعبارة أخرى، عائدات الإنترنت آخذة في الاختفاء تدريجيا، لم يعد العمل الإضافي ضروريا كما كان من قبل، ولا بد من إلغاء ثقافة “996” لمواكبة تطور القطاع. والأهم من ذلك أن العمل الإضافي بشكل “996” يخالف القانون.
بعد تطبيق نظام العمل “1075”، قال بعض الموظفين إن أعباء العمل قد لا تقل عما كانت في الماضي، ما يعني أنهم بحاجة إلى “العمل الإضافي دون تعويضات” في المنزل. إذن، هل يؤدي إلغاء ثقافة “996” حقا إلى “تخفيف أعباء الموظفين”؟
*سي جي تي إن العربية.