وخلال ذات الاجتماع أكد رئيس الجمهورية أن الدولة يمكنها التصدي لهذه الهجمات بفضل الوسائل المتوفرة لديها.
بالموازاة مع الوسائل التي تملكها الدولة في المجال، يعمل مجموعة من الإعلاميين الناشطين في القطاع الخاص في مجال الصحافة الالكترونية على التصدي للمعلومات المغلوطة المنشورة حول الجزائر، من خلال فضحها، وكشف زيفها، وتقديم المعلومة الصحيحة والمؤكدة من مصادر موثوقة.
الجرائد الإلكترونية.. جدار الصد
رغم قدم التجربة الجزائرية في مجال الصحافة الإلكترونية، وتأطيرها قانونيا منذ سنة 2012 إلا أن تدابير وشروط هذه الممارسة لم تحدد إلا سنة 2020 من خلال المرسوم رقم 20-332 المحدد لكيفيات ممارسة نشاط الإعلام عبر الانترنت، الأمر الذي فرض نفسه بعد الحملات المغرضة للأخبار الزائفة التي تستهدف مصالح الجزائر والجزائريين.
تنظيم القطاع فتح المجال أمام الكثير من الممارسين لأخذ المبادرة في مجال الجرائد الإلكترونية التي أولى الكثير منها عناية فائقة لنشاط محاربة الأخبار الزائفة، كما تخصص البعض الأخر في هذا النشاط في ظل الكم الهائل من المعلومات المفبركة المتداولة عبر الفضاء الأزرق بالخصوص، خاصة وأن مصادر الأخبار الزائفة المتداولة غير محددة، وفي كثير من الأحيان صادرة عن مواقع مجهولة الهوية، وموطنة خارج حدود نطاق dz..
“دزاير توب” أحد هذه المواقع، استطاع أن يحجز مكانة له في هذا الفضاء حيث يحصي شهريا نحو 3 ملايين إلى 4 ملايين زائر. مدير الموقع الذي تحصل على الاعتماد لدى الوزارة المعنية “بسلاسة وسرعة كبيرة ودون أدنى عراقيل” يعتبر أن منح الاعتماد للمواقع في حد ذاته انجاز مهم في القطاع لأنه يسمح للعاملين به بالوصول إلى مصادر الخبر بسهولة، كما يزيد من مصداقية الموقع كمؤسسة إعلامية.
يمكن للجرائد الإلكترونية أن تؤدي وظيفتها الإعلامية من خلال محتوى مناسب جماليا وفنيا من خلال مختلف القوالب والأنواع الصحفية في مجال الصحافة الالكترونية، كما يسمح لها تلفت انتباه القارئ للتضليل الذي تمارسه بعض المواقع الأجنبية عليه، شرط أن تتوفر هذه الجرائد على المقومات التي تمكنها من ذلك، فحسب معمر ڨاني، لا بد أن يكون لها عدد كبير من المتابعين، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، على أن تنشر لهذا الجمهور مضامين بطرق جذابة وتفاعلية “تركز على السرعة والإيجاز، كالفيديوهات والإنفوجرافيك والصور والفيديوجرافيك وغيرها”.
وتعد مصادر الخبر الموثوقة أحد مقومات النجاح بالنسبة لمحدثنا، فموقع دزاير توب مثلا يعتمد بشكل كبير على المصادر المباشرة “كرئاسة الجمهورية ومصالح الوزير الأول ووزارة الدفاع الوطني، من خلال المادة الإعلامية اللتي تقدمها هذه المؤسسات، إضافة إلى الحوارات واللقاءات الصحفية مع المسؤولين، فضلا عما تنشره وكالة الأنباء الجزائرية”.
مواقع التواصل الاجتماعي.. أرض خصبة للدعاية المغرضة
تزامنت تصريحات رئيس الجمهورية مع حلقة جديدة في مسلسلل فضائح مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لفيسبوك، وهذه المرة قالت مسؤولة منتجات سابقة لدى فيسبوك أن الشركة “لم تفعل الكثير لمنع المحتوى الذي يروج للكراهية والانقسام”.
وقالت فرانسيس هوجان أن فيسبوك وإنستجرام وواتساب “لا تتحرك لمنع المنشورات التي تروج لأخبار زائفة أو تدعو للكراهية والعنصرية، لعلمها أنها تساهم في زيادة أرباحها، وأنها لا تهدف إلا لكسب المال وجعل المستخدمين يقضون أكبر وقت ممكن فيها”.
كل هذا يعرفه جيدا من يريدون زعزعة استقرار الجزائر، فيستخدمونه أحيانا بأساليب مباشرة، وأحيانا أخرى بطرق ذكية يستحيل للشخص العادي أن يعرف الهدف منها أو أن يتحقق من صحتها.
بعض الصفحات المنشأة من دول أجنبية، تختفي خلف أسماء جزائرية وتبث منشورات موجهة للجزائريين، ومن حين لآخر تطلق مضامينها المسيئة، بينما تبدو الأخرى وكأنها محايدة وموجهة لجميع الدول العربية أو المغاربية، لكنها تتعمد نشر بعض الأرقام والمقارنات المغلوطة، لتسود صورة الجزائر في عديد المجالات، على المستويين العربي والمغاربي خاصة.
حسب آخر الإحصائيات، فإن عدد الجزائريين الممكن استهدافهم من خلال المنشورات الممولة على فيسبوك هو 25 مليونا، وهو يعادل تقريبا العدد الإجمالي لمستخدمي الإنترنت في البلاد، الذي بلغ 26.35 مليونا إلى غاية فيفري 2021.
تشير الإحصائيات إلى أن الشخص العادي لديه في المتوسط حسابات في أكثر من 6 مواقع مختلفة للتواصل الاجتماعي، والأهم أن شريحة كبيرة من مستخدمي الإنترنت لا يدخلون أبدا للمواقع الإلكترونية، ويكتفون فقط بالسوشل ميديا، ولا يزورون حتى روابط الجرائد الإلكترونية التي تنشرها على منصات مثل فيسبوك وتويتر، وبالتالي يسهل استهداف هؤلاء من طرف ناشري الإشاعات والأخبار المغلوطة، كما يصعب على موقع إخباري أن يؤثر فيهم.
صحفيون تخصصوا في التحقق من صحة المنشورات
عرفت مواقع التواصل الاجتماعي انتشارا واسعا للمعلومات المفبركة والمضللة السنوات الأخيرة، الأمر الذي دفع بعض الصحفيين لإنشاء صفحات متخصصة في التحقق من الأخبار المنشورة، واستطاع البعض منهم استقطاب أكثر من 100 ألف متابع.
وليد كويني أحد هؤلاء، يسير صفحة وموقع “هيئة مكافحة الإشاعات الإلكترونية” منذ 2019، أوضح لـ وأج أن الوقت الذي أطلقت فيه المنصة كان لا يتحمل التأخير، “فيسبوك في ظل الحراك الشعبي، أصبح بيئة تعج بالإشاعات والإخبار الكاذبة، بالإضافة إلى خطابات الكراهية التي كانت تغذي هذه الأخبار الزائفة (..) ما حتم علينا القيام بمراقبة بعض الصفحات وتبيان الحقائق وصد الإشاعات والإخبار الكاذبة، خصوصا تلك الموجهة من الخارج”.
يعمل فريق “هيئة مكافحة الإشاعات الإلكترونية” بمتابعة محتوى الصفحات التي تنشر الإشاعات، وبعد التأكد من الإشاعة أو الخبر المزيف عبر منصات متخصصة وباستخدام الأدوات المناسبة، تنشر الصفحة الخبر الصحيح، مع مقارنته بالخبر المفبرك أو المزيف.
وتبقى هذه الجهود -حسب محدثنا- غير كافية لحد الآن “كونها تنشط بصفة تطوعية ولا تملك الإمكانيات البشرية والمادية اللازمة لتصبح مؤسسات قائمة بدورها، وعليه وجب توفير بيئة سلسلة تدعم مثل هذه المبادرات لتصبح مؤسسات حقيقية.”
من بين 54 تعهدا.. الرئيس تبون يجسد التزامه للصحافة
“تحقيق حرية الصحافة وتعدديتها واستقلالها، وضمان قواعد الاحترافية وأخلاقيات المهنة، وجعلها عمادا للممارسة الديمقراطية، وحمايتها من جميع أشكال الانحراف”، هذا ما جاء ضمن تعهدات الرئيس عبد المجيد تبون الأربعة والخمسين في برنامجه الانتخابي، وما ظل يرافع من أجله ويذكر به في كل مناسبة سانحة بعد انتخابه رئيسا.
كرست رئاسة الجمهورية ثقافة اتصال جديدة من خلال لقاء دوري لرئيس الجمهورية مع ممثلي وسائل الإعلام، الذي قال في إحداها إنه يتبنى “حوارا مستمرا مع الصحافة ويعتمد على محاولات الإقناع وليس القمع”، غير أنه شدد على أن “هنالك أمورا لا نقبلها لا نحن ولا الصحافيون الذين يحتجون هم أيضا على الخلط الواقع بين مفهومي الحرية والفوضى”.
تجسدت التعهدات على أرض الواقع في أفريل 2020، من خلال تعديل قانون العقوبات ليجرم نشر وترويج الأخبار الكاذبة، فأصبح ينص على “معاقبة كل من ينشر أو يروج أخبارا كاذبة عمدا بأي وسيلة من شانها المساس بالأمن والنظام العموميين بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات، على أن تضاعف العقوبة في حالة العود”.
وفي أوت 2021، كلف الرئيس عبد المجيد تبون المجلس الأعلى للأمن باستحداث قطب جزائي جديد لمتابعة الجرائم السيبرانية ومكافحتها، وملاحقة ناشري الأخبار بقصد التهويل عبر مواقع التواصل.
وتم أيضا تجريم خطاب الكراهية، باعتباره أحد أهم الروافد التي تغذي الأخبار الكاذبة المنشورة في مختلف صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الموجهة للجزائر، فتم في أفريل 2020 استحداث قانون يتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما، والذي تضمن أيضا إنشاء المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية.
دورات لتدريب الصحفيين على مكافحة الأخبار الكاذبة
لم يعد الصحفي في سنة 2021 ذلك الصحفي الذي كان يزاول نشاطه قبل عشرات السنوات، والذي يكتفي بكتابة الأخبار التي ينقلها عن مصادرها، فصحفي اليوم أصبح أشبه بشخص متعدد المهام، يجب أن يتحكم في التكنولوجيا قدر الإمكان، مما يتناسب مع الوسائط الجديدة التي أضحى يعمل عليها، ومع القارئ الجديد الذي يخاطبه، لذا فهو يحتاج إلى مهارات أكثر للتحقق من صحة المعلومات التي قد ينشرها، هذا ما أكدته لـ وأج “سامية عايش”، مدربة وصحفية مستقلة.
استفاد العشرات من الصحفيين الجزائريين نهاية 2020 من 11 دورة تدريبية في الأدوات الرقمية المساعدة في العمل الإعلامي إضافة إلى تقنيات التحقق من الأخبار الكاذبة، وكان ذلك من تنظيم وزارتي البريد والاتصال في مقر اتصالات الجزائر، وبشراكة مع مؤسسة جوجل، وتحت تدريب سامية عايش، بتقنية التحاضر المرئي عن بعد.
حسب محدثتنا، فإن هذا النوع من التكوين ضروري، لكنه لا يكفي ليجعل الصحفي جاهزا لتفادي أضرار الأخبار الزائفة، بل يجب عليه قبل كل شيء أن يتحلى بالاحترافية والحذر.
يسلط هذا العمل الضوء على دور الصحافة الإلكترونية في التصدي للأخبار الكاذبة، لا سيما بعد إقرار مرسوم تنفيذي يحدد شروط ممارسة نشاط الإعلام عبر الإنترنت.
يأتي نشر هذا المقال أياما قبل إحياء اليوم الوطني للصحافة، الذي ستكرم فيه أحسن الأعمال الصحفية بجائزة رئيس الجمهورية للصحفي المحترف.