CGTN العربية/
“كيف سيتغير العالم؟ هذا سؤال لا نعرف إجابته” هكذا قال ريتشارد هورتون رئيس تحرير مجلة «ذي لانست» الطبية في لقاء له مع شبكة سي جي تي إن في الشهر الماضي في إشارة إلى الاستجابة لجائحة فيروس كورونا.
“بشكل عام، لدينا مساران: الأول هو مسار التعاون، التعاون من أجل حماية بعضنا البعض … والآخر هو الانقسام، ورفض التعاون، وإلحاق الضرر بالمنظمات التي تعزز التعاون، والاعتقاد بأنه بإمكان كل دولة حل مشاكلها بمفردها”.
لا تنطبق كلماته على مجال الصحة فقط. فمن نواح عديدة، تعكس المعركة ضد الوباء صورة جيوسياسية أكبر.
والصين تكون واضحة بشأن المسار الذي تعتزم تبنيه والمضي قدما فيه.
في الوقت الذي وعد فيه بإصدار مزيد من الإجراءات لاستقطاب المزيد من الشركات العالمية إلى الصين، قال رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ للصحفيين في المؤتمر الصحفي الختامي للدورة الثالثة للمجلس الوطني الثالث عشر لنواب الشعب الصيني: “الانفتاح لا غنى عنه لتنمية أي دولة تماما مثل حاجة البشر للهواء. سيختنق الإنسان إذا تم وضعه في مكان مغلق”.
لكن هناك وجهة نظر بديلة، تلك التي اتخذتها الولايات المتحدة تحت إدارة دونالد ترامب، ونفذت سياسة “أمريكا أولا” التي تتمثل في الانسحاب من الاتفاقيات متعددة الجنسيات بما في ذلك اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني، ورفض التعاون مع كل من منظمة التجارة العالمية ومنظمة الصحة العالمية.
كما قال مايكل أنطون، مساعد ترامب السابق في مجلس الأمن القومي، في خطاب شعبي له في جامعة برنستون، إن سياسة ترامب “يمكن أن يتم فهمها على النحو التالي: دعونا جميعا نضع بلادنا في المقام الأول، ونكون صريحين بشأن ذلك، ونعترف بأنه ليس هناك ما نخجل منه. إن وضع مصالحنا أولا سيجعلنا جميعا أكثر أمانا وازدهارا”. في سبتمبر 2019 في الأمم المتحدة، أخبر ترامب قادة العالم قائلا “المستقبل ليس لأنصار العولمة، بل للوطنيين”.
التشكك في الكيانات الدولية
إن ترامب ليس وحده من يواجه التشكك في الكيانات الدولية، لكن الجدل يدور حول الاختيار بين رفضها أو إصلاحها. كان جيم أونيل كبير الاقتصاديين السابق لدى بنك الاستثمار غولدمان ساكس ومستشار الحكومة البريطانية، يتوقع تغيير النظام العالمي، حيث أنه صاغ في عام 2001 مصطلح مجموعة “بريكس” ليطلق على القوى الاقتصادية الصاعدة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين. ويعتقد أن كوفيد-19 قد كشف أوجه القصور في تلك الكيانات الدولية.
وقال أونيل إن “ما أبرزه الوباء هو ما عرفه الكثير منا بطريقة أو أخرى وهو أن نظام الحوكمة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية يكافح من أجل أن يكون فعالا كما كان عليه في العديد من العقود الماضية”.
“أعتقد أن الأمر يتعلق أكثر بالصعوبات التي نواجهها مع تفعيل دور كل منظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وجميع هذه المنظمات التي نشأت أثناء فترة الانتعاش المباشر بعد الحرب العالمية الثانية وبناء على الحجم النسبي للاقتصاد العالمي آنذلك. واليوم، لم يعد الاقتصاد العالمي تحت سيطرة الديمقراطيات الغربية فقط، فأصبح من الصعب الحصول على الشكل الصحيح والفعال للحكم العالمي”.
مع انسحاب الولايات المتحدة من القيادة العالمية، تتساءل المزيد من الدول حول العالم عن كيفية استبدال نفوذها، والصين تلعب دورا رئيسيا في هذه المناقشة.
كما قال الكاتب والمحاضر مارتن جاك: “أعتقد أن مستويات الاهتمام بما يحدث في الصين قد ارتفعت بشكل مطرد على مدى فترة طويلة لأن الجميع يمكن أن يرى أن الصين ستكون قوة مهمة في العالم.”
“التحول الفكري” للصين
أصبحت الصين مثالا للعالم في احتواء جائحة كوفيد-19 كونها الدولة الأولى للتعامل مع ذروتها والأولى للخروج منها. أثناء انعقاد الدورتين السنويتين لهذا العالم، لم تحدد الصين للمرة الأولى منذ عام 1990 هدفا محددا لنمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي للأشهر الـ12 المقبلة لأنها تسعى إلى إعطاء الأولوية لجودة تنميتها الاقتصادية.
قال وانغ هوي ياو، رئيس مركز الصين والعولمة إن عدم تحديد هدف لنمو الناتج المحلي “يشير إلى تحول في الفكر ومرحلة جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين”.
ويصر وانغ، الذي يصف الدورتين السنويتين لعام 2020 بأنهما “لا مثيل لهما في السنوات الأخيرة”، يصر على أن الحكومة لا تزال ملتزمة بالنمو الاقتصادي المستقر.” ولكن بدلا من التركيز الأحادي على هدف النمو المحلي، فإن هذا يعني توجيه الجهود نحو مقاييس أخرى مرتبطة بشكل وثيق بحياة المواطنين، مثل التخفيف من حدة الفقر، والتوظيف، والاستهلاك، ومستويات المعيشة. وهذا يتماشى مع اتجاه العصر الجديد في التوجه للتنمية عالية الجودة بدلا من التنمية على أساس الكم واتباع نهج أكثر شمولية لرفع مستويات المعيشة. “
قال تشانغ جيان بينغ، مدير عام الأكاديمية الصينية للتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي إن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يكون معدل النمو السنوي للصين لهذا العام إيجابيا، وإن الوضع في الصين يكون به اختلافا كبيرا عن البلدان الأخرى، لأنه في السنوات الأخيرة، أصبح النموذج الاقتصادي الصيني أكثر اعتمادا على القوى الدافعة بالاقتصاد الجديد مثل الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس وقطاعات التكنولوجيا.”
أما بعض الدول الأخرى فمن المتوقع أن تكون في وضع أكثر صعوبة.
قال لي بوخيت مستشار الديون السيادية للدولة “طلبت مائة دولة مساعدة طارئة من صندوق النقد الدولي، ليمثل إجمالي عدد الدول التي تقدمت بتلك الطلبات أكثر من نصف أعضاء صندوق النقد الدولي.”
الآفاق الاقتصادية تكشف عن القرارات التي تحتاج الحكومات إلى اتخاذها بشأن رؤيتهم للنظام الدولي.
المواجهة أم التعاون
قال الاقتصادي أونيل، “بسبب المناخ السياسي الدولي الحالي، فإن أوروبا أصبحت في وضع أكثر صعوبة، كما نقرأ جميعا بشكل يومي في الجرائد والأخبار، يحاول الرئيس ترامب الضغط على العديد من الحلفاء الغربيين ليكتسب تعاطفهم مع الموقف الأمريكي. إنه من الصعب جدا على الدول الأوروبية لاعتمادها التاريخي على الولايات المتحدة في الحصول على الدعم ولأن الولايات المتحدة تعد سوق كبيرة لمنتجاتها – كما أنها اعتمدت على دعم الدفاع الأمريكي سياسيا، وبالطبع، دبلوماسيا أيضا.
“ولكن في الوقت نفسه، استفادت الكثير من الاقتصادات الأوروبية، ولا سيما ألمانيا، كثيرا من صعود الاقتصاد الصيني. إنه توازن معقد ودقيق للغاية سيتعين على العديد من الدول الأوروبية اتخاذه”.
يكون مارتن ألبرو، عالم الاجتماع البريطاني الذي ساهم في تعميم مصطلح “العولمة”، أكثر ثقة بأن الكيانات الدولية ستنجح، وقال: “إن التعاون مع المؤسسات متعددة الأطراف مهم جدا لمستقبل العالم وأنا واثق جدا من أن الصين ستتعاون معها”.
“ولكن الشيء الآخر الذي أود أن أقوله هو أن المؤسسات هي فقط أحد العناصر، ولكن هناك عناصر أخرى يجب توافرها لإنجاز الأمور. ويجب أن يكون هناك تعاون في المشاريع العالمية، عليك أن تُظهر للعالم كيفية التعاون”.
“لقد سرع الفيروس التغيير الذي من المتوقع أن يشهده العالم، وأكد على حقيقة أن هناك هيكل عالمي للسلطة. وعلى رأس هذا الهيكل، لدينا الولايات المتحدة والصين. وإنه من الواضح أنه على هذين الدولتين التعاون معا”.
وقال تشانغ جيان بينغ من الأكاديمية الصينية للتجارة الدولية والتعاون الاقتصادي، “من المبكر جدا القول بأن الوباء سيغير مسار العولمة”، مضيفا أن “التعاون الدولي أمر بالغ الأهمية لأن العالم ليس سوى قرية صغيرة تواجه العولمة. فكل دولة تعتمد على الأخرى: لا يمكن لأي بلد التعامل مع الجائحة بشكل فردي”.
“هذه هي الخطوة الأولى: نحن بحاجة إلى العمل معا بشكل وثيق والسيطرة على الفيروس. والخطوة الثانية: نحن بحاجة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي الدولي الأوثق من أجل التعامل مع قضايا الركود الاقتصادي.”