شكلت القرارات الأخيرة التي اتخذتها الصين حول تدابير مواجهة الوباء جرعة أمل كبيرة للاقتصاد الصيني والعالمي على حد سواء. ففي نهاية العام الماضي أعلنت الصين عن تخفيف الإجراءات الاحترازية الصارمة التي كانت تتبعها لمواجهة الوباء وهذا ما سوف يفتح المجال أمام انتعاش الاقتصاد الصيني من جديد خلال العام المقبل بكل تأكيد.

فمع بداية هذا العام أعلنت العديد من المقاطعات الصينية أهداف النمو الخاصة بها لعام 2023 وكانت في معظمها تتجاوز خمسة في المئة في إشارة إلى اتجاه مسار اقتصاد البلاد خلال العام الجاري. حيث أعلنت مقاطعة قوانغدونغ الرائدة في التصنيع والتصدير في الجنوب أنها تستهدف تنمية اقتصادها المحلي بنسبة خمسة في المئة أو أكثر هذا العام. وأعلنت شنغهاي أنها تستهدف تحقيق نمو بنسبة 5.5 في المئة هذا العام، مقارنة بمعدل نمو بلغت نسبته 3 في المئة في عام 2022، وفقًا لرئيس بلدية المدينة، غونغ تشنغ.

ويتصف الاقتصاد الصيني بأنه اقتصاد مرن ولديه الطاقات الكامنة لأن يستجيب لارتفاع معدلات الطلب خلال فترة قصيرة. حيث أن رفع الإجراءات الصارمة حول الوصول إلى الصين سوف ترفع من حركة المستوردين من الصين وسوف تمكنهم من العودة إلى زيارة الأسواق الصينية. حيث وفي ظل إجراءات الحجر الصحي التي كانت تتطلبها الصين للواصلين إليها من خارج البلاد والتي كانت تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع أدت إلى توقف العديد من المستوردين من زيارة الصين أما الان ومع فتح البلاد أبوابها مجدداً فإن كل التوقعات تشير إلى زيادة حركة القادمين والتي سوف تعيد عجلة التصدير من جديد..

وتشير الكثير من التقارير الاقتصادية إلى أن مرحلة النهوض الاقتصادي سوف تبدأ في الربع الثاني من العام الجاري. أما الربع الأول فقد لا يحدث فيه نمواً اقتصاديا كبيرا وذلك يعود لسببين الأول عطلة عيد الربيع الصينية، والسبب الثاني هو تواصل تعافي العديد من المصابين بكورونا والتي قد تستمر كحد أقصى حتى نهاية الربع الأول من هذا العام. حيث وكما تشير التقارير الصادرة عن الجهات المسؤولة عن القطاع الصحي في الصين فإن انتشار الوباء وصل إلى الذروة وبدأت الان موجة انتشاره تنحسر رويداً رويداً وهذا سوف يدفع حركة النشاط الاقتصادي لأن تستأنف حركتها مجدداً بعد أن عانت من التباطؤ حلال الفترة الماضية. ولقد بدأت المؤشرات التي تدلل على ذلك بالظهور فقد أعلن مكتب التجارة في مدينة دونعقوان الصينية بتقدم 92 ممثلاً ل 52 شركة في المدينة بطلبات للمشاركة في معرض تجاري في الأمارات العربية المتحدة من هذا الشهر.

وفي السياق ذاته تشير العديد من ارتفاع عدة رحلات الطيران من وإلى الصين إلى ذلك وفي هذا الخصوص فلقد كشف رئيس شركة مصر للطيران يحيى زكريا إن عدد الرحلات بين مصر والصين سيزيد اعتباراً من آذار القادم إلى 13 رحلة. وكشف أيضا إن الشركة المصرية للطيران تلقت طلبات من نحو 1200 شركة سياحية صينية لتنظيم رحلات إلى مصر خلال عام 2023

البنك الدولي بدوره توقع أن يسجل إجمالي الناتج المحلي في ثاني أكبر اقتصاد عالمي نمواً بنسبة 4.3% خلال عام 2023. وإن كانت هذه التوقعات مؤقتة أو يمكن القول إنها تشاؤمية ويعود ذلك إلى البنك الدولي أخذ بعين الاعتبار ارتفاع نسبة الإصابات بكوفيد -19 خلال الشهر الأخير من العام الفائت.

ومنذ عدة أيام أشار رئيس مجلس الدولة الصيني لي كي تشيانغ في ندوة مع مجموعة من الخبراء الأجانب إلا أنه مع تنفيذ التدابير المُحسَّنة والمعدلة للوقاية من الجائحة والسيطرة عليها، سوف يتعافى اقتصاد الصين بوتيرة متسارعة. بالإضافة إلى ذلك، سننفذ حزمة من السياسات والإجراءات لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد والنمو والتوظيف والأسعار. وأكد لي أن الصين ملتزمة بإعطاء أولوية قصوى للتنمية، والسعي بإصرار إلى الإصلاح الموجه نحو السوق، وحماية حقوق ومصالح المستثمرين الأجانب بشكل أفضل، وتعزيز ثقة الشركات الخاصة، وتعزيز بيئة أعمال دولية موجهة نحو السوق وقائمة على القانون.

إن استمرار اعتماد الصين مبداً الاشتراكية ذات الخصائص الصينية يساهم في التخفيف من حدة الأزمات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي والتي يمر بمرحلة من التضخم شديدة وخاصة في بعض الدول الأوربية ولكن الدور الذي ما تزال تمتلكه الحكومة الصينية في العملية الاقتصادية يعمل على امتصاص أثر تلك الموجات التضخمية ويحمي السوق المحلية وهذا ما أشار إليه رئيس مجلس الدولة الصيني إلا أنه ورغم ارتفاع التضخم العالمي خلال الفترة الأخيرة إلا أن أسعار المستهلكين في الصين ارتفعت فقط بنسبة 2 %.

تتجه الأنظار أيضاً نحو تعافي قطاع العقارات في الصين والذي مر بأزمة نهاية عام 2021 والذي يشكل ما يقارب 30% من الناتج المحلي الإجمالي للصين. حيث يرى الكثير من المحللين إلا أن الخطة التي اعتمدتها الصين نهاية العام الماضي والمكونة من 16 نقطة سوف تساهم في إصلاح الخلل الذي أصاب قطاع العقارات وهو ما سينعكس ارتفاعاً في النمو والطلب في هذا القطاع الحيوي في الصين.

*(ملاحظة المحرر: يعكس هذا المقال وجهة نظر الكاتبة، ولا يعكس بالضرورة رأي قناة CGTN العربية.)