جريدة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح*
جائحة كورونا تُبرز الأُمّة جمالياتها في أَبهى صورها، ويَستنهض شعبنا قُدراته الخلاّقة للوقوف صفاً واحداً بمواجهة الفيروس اللعين، ويتكاتف بكل شرائحه في معركة قهر الموت نُصرةً للحياة المُقدّسة وقِيم الجَمال ولإسناد كل جديد ومُثمر فيها.
الأستطاقية، أو الجَماليات؛ علم الجَمال؛ قيمة كُبرى يَختزنها الإنسان، وتستعيد عافيتها وتزدهر في الأزمات الشاملة الحادّة والفاصلة والأخطر، ليَرد ترسها البلاء عن كل مواطن. في الأغلب، تستعيد الأوطان خلال الجوائح قِيمها الجمالية – بكامل تجلياتها الروحية والمادية وروافعها التاريخية وعافيتها – لتصون سلامة الأجيال.. ففي استقرار المجتمع سلامة للأُمة بكاملها من الماء إلى الماء، وسلامةً تشمل العالم والإنسانية.
خلال هجمة كورونا علينا واكتساحها المَعمورة برمّتها، نلمس يومياً اجتراحات عظيمة تُبرِز الروح الإنسانية الوثّابة لشعبنا الطيّب في تعامله الجَمعي. فمن مبادرات شخصية لشبيبتنا الناهضة لإسناد المتقدمين في السّن في الأماكن العامة، وتبرّع اليافعين بإعانة الكهول بأشكال وصّور شتى، إلى نقل “الختيارية” لبيوتهم والتخفيف عن أحمالهم. وبذلك تعكس شبيبتنا علو مكانة شعبنا وجماليات روحه، فهذا فنٌ سلوكي راقٍ لا يمكن للجميع في الكون أن يتقن احترافه. شبيبتنا هذه بالذات هي التي ستقود الوطن ما بعد كورونا، لترفع إسم وطننا عالياً، بقيادة مليكنا الفذ عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه، الذي لا يَغمض له جفن في هذه الأزمة، إذ يَسهر الليالي سوياً مع ولي عهده الأمين، سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني – العسكري القُدوة ومُمَثِّل الشريحة الشبابية المِعطاءة – لإيصال الوطن والمواطن إلى بَرّ السلامة والآمان.
في صراعنا لتحطيم كورونا وكورونات أعداء الأمة الذين تآمروا وما زالوا يتآمرون علينا بتصديرهم الأوبئة لأبنائنا تارة، وفي أخرى شنّهم الحروب المتواصلة علينا، وإتّباعهم القضم الإمبريالي المتواصل لأجزاء عزيزة من وطننا العربي وفلسطين النازفة، واسترقاقهم أوطاننا اقتصادياً وعسكرياً.. في هذه الظروف العصيبة، تعلو سلوكيات حَميدة ولافتة تعكس الروح الطيبة الكامنة في شعبنا وجبروته.
لمست مؤخراً أنشطة واسعة لاقتصاد منزلي مُستحدث، ضمنه زراعة الخضار والأشجار المُثمِرة وتربية الدواجن وغيرها، لسد احتياجات العائلة ولترشيد النفقات. هذه الصور تعرض إلى جمالية متميزة للمواطن الأُردني واللبناني أيضاً؛ فها هو جاري صاحب المَكانة الشهيرة في المملكة، (أبو علي/ مصطفى نعمة)، يدلو بدلوه في تعزيز هذا التوجّه الحميد، مُساهِماً في تخضير بلده الشقيق الأُردن. وها هم المواطنون، وأبو علي إلى جانبهم، يتبادلون فسائل النباتات وزراعتها في حدائقهم المنزلية وعلى أسطح منازلهم لتحويلها إلى جِنان غنّاء. هؤلاء يَستعيضون عن “الفيتامينات النباتية” المُكلفة، بتدوير بقايا الطعام المنزلي الذي يَضمن نمواً سريعاً لـِ(الفلورا)، ويوفّر غذاءَ طبيعياً للدواجن دون ملوثات كيماوية.
شخصياً، بدأتُ منذ زمن طويل بتوفير الجِنان النباتية لعائلتي، إذ صار هذا عملاً يومياً أساسياً ضمن برنامج انشغالاتي المُزدحم، وجنّاتي هذه غدت تُسحر أنظار الضيوف والمارّة، وتُمتِعُ العيون بصورٍ رائقة للعقل والعين في زمن يزدحم برنامجنا اليومي بانشغالات غالبيتها غير مُجدِيةٍ.
في الأزمات تتعاظم الطاقة الإيجابية للمواطن الأُردني الذي تسكنه الجماليات، فهي جزء لا يتجزأ من سلوكياته اليومية، يتميّز بها كغيره من شعوبنا الشرقية المِعطاءة والمختلفة جذرياً عن الأُمم الغربية المُثقلة بالأنانية والفردية؛ فتدحرجوا من فشلٍ راهنٍ إلى فشول متتالية بمواجهة كورونا، ضارعين للمولى العلي العظيم إرشاد الغربيين لتأصيل التعاليم السماوية الشرقية، لتأخذ بعقولهم وقلوبهم إلى الحياة الحق وأستطاقياتها، فيتكاتفوا عندئذ قاهرين كورونا.
*كاتب وصحفي اردني.
صحيح أزمة كورونا أظهرت روح التكاتف و الانسانية وعمقت الروابط بين الدول و لكنها إيضاً فضحت و عرت النظم الإستغلالية و ظهرت خاوية و عاجزة .
ستنصر قيم الحياة الإنسانية