CGTN العربية/
كويجيو هي واحدة من العديد من المستوطنات الصغيرة المنتشرة في جبال ليانغشان في مقاطعة سيتشوان جنوب غربي الصين.
كافح سكان ليانغشان على مدى أجيال من أجل العيش، ولكن حتى يومنا هذا، فإن ظروف المعيشة هناك ليست مرضية، وهذا لن يستمر طويلا إذا كانت الصين ستقضي على الفقر المدقع بنهاية هذا العام.
أطلقت الصين حملتها لمكافحة الفقر منذ حوالي 40 عاما، وساعدت منذ ذلك الحين أكثر من 800 مليون شخص في تحسين معيشتهم، وذلك يعتبر أكبر عدد من أي مكان آخر في العالم. إن تحقيق ذلك ليس أمرا سهلا بالنسبة لبلد عانى المجاعة منذ وقت ليس ببعيد. الآن اقتربت الحملة من نهايتها التي تعتبر المرحلة الأكثر صعوبة حيث أن الحكومة عازمة على جعل الفقر المدقع شيئا من الماضي قبل نهاية هذا العام.
مكّن التصنيع والبنى التحتية والسياسات الداعمة الأشخاص الأكثر ضعفا في البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي، لكن في بعض الأماكن الفقر متجذر بعمق لدرجة أنه يلزم وضع نُهج جديدة.
لمساعدة انتشال الذين ما زالوا في الفقر المدقع، أرسلت الحكومة أفضل موظفيها لإكمال المهمة.
يُطلق على هؤلاء الموظفين رسميا المسؤولون المكلفون بالقرية، بينما يُعرفون عادة بمسؤولي تخفيف من حدة الفقر، وبالنسبة للقرويين، فهم الأشخاص المناسبون لأي مشكلة، مهما كان صغيرة أم كبيرة. في قرية كويجيو، تعرفت عليهم وهم بان يانغ، شن روي وبانغ بو وشن يويه.
قبل بضع سنوات، انتقل هؤلاء الموظفون إلى القرية وشكلوا فريقا مقيما بمهمة واحدة: ضمان خفض معدل الفقر إلى 0% بحلول عام 2020.
ما يفعلونه ليس كوظيفتك المكتبية النموذجية من الساعة التاسعة إلى الخامسة يوميا. حيث أن معرفة الأسباب الجذرية للفقر في كويجيو وإيجاد حلول لها تتطلب التواصل مع الناس هناك والتعرف على مشاكلهم وهمومهم ورغباتهم.
خلال إقامتي في القرية، أمضيت الوقت معهم في الصعود والنزول في الممرات الموحلة للذهاب من باب إلى باب للتحقق من وضع السكان والحصول على تحديثاتهم المالية، ومتابعة الأنابيب المتسربة وأسطح المنازل المتداعية والطلاب الغائبين على الدراسة. كان الوقت القليل الذي قضيناه في مقر المكتب والذي نستخدمها أيضا كمسكن، هو لتناول وجبات سريعة وحضور اجتماعات يومية وتنظيم ورش عمل تدريبية للبالغين.
تم تحقيق الكثير منذ وصول هؤلاء الموظفين إلى القرية، حيث أصبحت الكهرباء وإشارات الهاتف المحمول تغطي القرية. ويوجد الآن خارج كل منزل صنبور متصل بنظام إمدادات المياه. هذا ليس المكان الأكثر مثالية لتنظيف الأطباق أو غسل اليدين، لكنه يعتبر تحسنا كبيرا مما كان عليه في الماضي، حيث كان على القرويين نقل الماء من مسافات طويلة. رغم كون القرية خارج شبكة البنى التحتية، لديها طريق ترابي محفور حديثا يربطها بالقرى الأخرى عند سفح الجبل وخارجه.
مع ذلك، لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، بما في ذلك نقل القرويين إلى منازل آمنة. لا يزال سكان كويجيو يعيشون في منازل تقليدية من الطوب مع أرضيات ترابية وأسقف خشبية. تفتقر معظم الأسر إلى الأجهزة المنزلية التي توفرها الحياة العصيرة، مثل التلفزيون أو غلاية الماء. أدى تقليد الطهي في داخل المنزل على نار مفتوحة إلى تسويد الجدران الداخلية وترك رائحة كريهة تحرق العيون.
ما زال هناك 565 قرويا وهو ما يمثل 70 بالمائة من السكان هناك يعيشون تحت خط الفقر وهو 3750 يوان (533 دولارا أمريكيا) من الدخل لكل شخص سنويا في كويجيو، وفقا للبيانات المتاحة في أكتوبر الماضي.
يكسب السكان عيشهم من العمل في الحقول، لكن ذلك لا يجلب ما يكفي من المال لإطعام الأفواه الجائعة. أدى الارتفاع العالي للقرية إلى انخفاض إنتاج التربة، كما حد من أنواع من المحاصيل التي يمكن أن تزرع وتحصد في حقول المنحدرات الجبلية. تعتبر البطاطا هي شريان الحياة الرئيسي للمزارعين في كويجيو، حيث تزرع بشكل أساسي للاستهلاك الشخصي وبيع ما تبقى من ذلك في المدينة التي تقع على بعد ساعتين بالسيارة من القرية.
لا تقتصر عزلة قرية كويجيو على القيود الجغرافية فقط بل تتسع إلى حواجز الاتصالات. سكان القرية من أقلية يي، واحدة من أكبر الأقليات العرقية في الصين التي تفتخر بتراثها ولغتها. مع انخفاض معدلات القراءة والكتابة بين القرويين، لا يجيد الكثيرون اللغة الرسمية للصين مما قلل من فرص عملهم في الخارج.
أدى الجمع بين العوامل السلبية إلى نتيجة كارثية، حيث بلغ متوسط الدخل الشخصي المتاح في القرية 3200 يوان فقط عام 2018. يعتبر ذلك أقل من 1.25 دولار أمريكي في اليوم ولا يمثل سوى 22 بالمائة من متوسط الدخل للأسر الريفية في الصين في ذلك العام الذي يبلغ 14,617 يوان.
ساعدت الإعانات والمساعدات المالية المباشرة القرويين على تحسين الظروف، لكن المسؤولين يقولون إن كسر دائرة الفقر الممتدة عبر أجيال لا يمكن أن يحدث عن طريق إلقاء الأموال على المشكلة. بدلا من ذلك، هم مصممون على مساعدة السكان في الحصول على الأدوات التي يحتاجونها لتحقيق الاكتفاء الذاتي. كان أكبر استثمار لهم هو في التعليم، حيث تقوم رياض الأطفال بتعليم الأطفال اللغة الرسمية في الصين، والمدارس الابتدائية والمتوسطة تمنح الصبية والفتيات المعرفة والفرصة للتعرفوا على العالم الخارجي. ويتم تقديم ورش عمل لمن هم في سن العمل لتطوير المهارات الفنية واللغوية التي تجعلهم قابلين للتوظيف في سوق العمل.
تغيير الوضع الراهن لم يكن بدون عائق، حيث يفشل بعض المراهقين في فهم أهمية الحصول على دبلوم ويرفضون الدراسة. الأسوأ من ذلك أن العديد من الآباء يفضلون إخراج أطفالهم من المدرسة بمجرد أن يصبحوا أقوياء بما يكفي ليعملوا في الحقول، حيث أن قوتهم الجسدية هي مصدر للدخل الفوري الذي تشتد الحاجة إليه، ويعتبر السماح للأطفال أن يقضوا وقتا في المدرسة تكلفة مرتفعة جدا بالنسبة للأسر التي تعاني من ضائقة مالية.
إن تغيير العقليات المتجذرة عميقا هو معركة شاقة. يعترف المسؤولون أنه في الحالات القصوى، هددوا الآباء بالشرطة لخرقهم قانون التعليم الإلزامي في الصين.
لا يتوقع أحد أن تكون قرية كويجيو نسخة أخرى من شانغهاي أو شنتشن القادمة، لكن يأمل الموظفون أنه عند حلول وقت مغادرتهم يمكن للقرويين أن يواصلوا تغيير العقلية وأن يجيدوا الطرق والمهارات لتحقيق الاعتماد على النفس.