في هذا الأسبوع، افتتحت الدورة الـ27 لمؤتمر الأطراف في “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ” (COP27) في شرم الشيخ– مدينة ساحلية بمصر، التي استضافت مؤتمر تغير المناخ لأول مرة، وتم انعقاد هذا المؤتمر في دول الشرق الأوسط مرة أخرى بعد 10 سنوات. على خلفية تفاقم أزمة المناخ والأزمات المتعددة والمتشابكة في مجالات الطاقة والغذاء والتضخم الخطير، أعربت دول الشرق الأوسط وفي مقدمتها مصر والسعودية والإمارات بنشاط عن نداء الدول النامية، وأكدت مجددا على التزاماتها بالأجندة العالمية لمواجهة تغير المناخ، وعملت على دفع التعاون في مجال تغير المناخ على الصعيدين الإقليمي والعالمي، الأمر الذي لاقى تقديرا واسع النطاق من المجتمع الدولي، وقاد التعاون في مجال تغير المناخ إلى “وقت الشرق الأوسط”.
—— دول الشرق الأوسط هي رائدة في الدفاع عن “العدالة في مجال تغير المناخ”
يترسّخ “مبدأ المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة” في قلوب الشعوب في مجال تغير المناخ. غير أن الدول المتقدمة في السنوات الطويلة تهتم فقط بكلامها الرائعة ولا تهتم بأعمال التنفيذ، مما أدى إلى اتساع الفجوة بين دول العالم من حيث القدرة والتمويل والتكنولوجيا لمواجهة تغير المناخ. أما في هذه الدورة للمؤتمر، فبذلت مصر وغيرها من الدول النامية الغفيرة جهودا مشتركة لتحقيق اختراقا مهما. قد تم إدراج مسألة “الخسائر والأضرار” التي ترفضها دوما الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة (ملاحظة: الدول الصناعية المتقدمة تعوِّض الدول النامية المتأثرة بالأضرار الناجمة عن تغير المناخ) في جدول الأعمال لأول مرة بعد المفاوضات الشاقة، الأمر الذي أسهم في إبراز “العدالة في مجال تغير المناخ” والدفاع عنها بالتضامن بين الدول النامية.
كما أشار إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، يجب على الدول المتقدمة اتخاذ خطوات ملموسة أكثر للوفاء بتعهداتها، ومعالجة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ على الدول النامية والدول الأقل نموا. أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري أنه يجب على الدول المتقدمة الوفاء بتعهداتها حول تقديم 100 مليار دولار سنويا إلى الدول النامية من أجل العمل المناخي.
وأطلق القادة الآخرون لدول الشرق الأوسط في المؤتمر أصواتا داعية إلى تحقيق الإنصاف والعدالة، حيث أشار رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية بشكل ثاقب إلى أنّ جميع الدول الفقيرة في العالم تدفع ثمنا في الوقت الحالي لانبعاثات الدول الغنية في مجال تغير المناخ. وأشار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان إلى أنّه من اللازم أن يكون الجميع متساوين في انبعاثات الكربون. وأكّد الملك الأردني عبدالله الثاني بن الحسين أنّه لا أحد متفرج في معركة إنقاذ كوكب الأرض. وأكد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد أنّ المجتمع الدولي لديه ما يكفي من احتياطيات المعلومات والمعارف والتقنية لمواجهة تغير المناخ، وما يحتاج إليه هو الدعم المالي والتنفيذ.
—— دول الشرق الأوسط هي ممارسة في مواجهة التحديات لتغير المناخ
إن دول الشرق الأوسط بصفتها أكبر منطقة لإنتاج وتصدير الطاقة الأحفورية في العالم، وضعت سلسلة من التصميمات الرفيعة المستوى لدفع استراتيجية الحد من الكربون وخفض الانبعاثات، والإسراع في التنمية المنخفضة الكربون والتحول الأخضر. وجدّدت دول الشرق الأوسط التأكيد على عزمها على مواجهة تغير المناخ في هذا المؤتمر، وقطعت تعهدات مهمة حول التعاون في مواجهة التحديات لتغير المناخ.
قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنّ مصر بذلت جهودًا كبيرة لمواجهة تغير المناخ، وقد أطلقت الاستراتيجية الوطنية، وستسرع وتيرة التحول الأخضر من خلال زيادة حصة الطاقة المتجددة. وشدد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أنّ الجانب السعودي سيواصل دفع مبادرتي “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر” بثبات لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات. وقال الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان إن الإمارات تهتم بالاستثمار في الطاقة المتجددة وتعمل جاهدة على تقليل انبعاثات الكربون رغم كونها واحدة من أكبر منتجي النفط. وقال الملك الأردني عبدالله الثاني بن الحسين إنّ الأردن تعمل على تنفيذ خطة الإنعاش الأخضر ورؤية للتحديث الاقتصادي على التوازي، إذ أن حوالي 29% من الكهرباء الأردنية تم توليده بالطاقة النظيفة. وتعهد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد بأن العراق سيزيد من استثماراته في المجالات الهامة لتغير المناخ، بما يهيِّئَ بيئة إيجابية للتنمية الخضراء. وقال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان أنّ السودان سيشارك وينفِّذ مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر”. وقال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إنّ إسرائيل ستبادر ببناء شرق أوسط أخضر ومتجدد بأقصى جهودها.
—— دول الشرق الأوسط تربطها الشراكة المتميزة للتعاون في مواجهة تغير المناخ
أطلقت دول الشرق الأوسط سلسلة من التعاونات المتعددة الأطراف أو الثنائية وشاركت فيها خلال المؤتمر (COP27)، وحققت النتائج العملية العديدة، الأمر الذي يجسد روح الشراكة المتمثلة في العمل المشترك على مواجهة التحديات لتغير المناخ وبناء مستقبل أخضر يدا بيد.
عُقدت النسخة الثانية لقمة “الشرق الأوسط الأخضر” ومنتدى مبادرة “السعودية الخضراء” تحت الرئاسة المشتركة من قبل السعودية ومصر على هامش المؤتمر. وأصدر الجانب السعودي بعد القمة بيانا تعهدت فيه أن دول الشرق الأوسط ستسعي إلى التعاون الدولي في مجال تغير المناخ حتى تحقيق أهداف “الشرق الأوسط الأخضر”. كما أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أنّ الجانب السعودي سيدعم تنفيذ مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر” بـ2.5 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة.
كما عُقدت القمة الأولى لمبادرة “تنسيق العمل المناخي في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط” بنجاح تحت الرئاسة المشتركة من قبل مصر وقبرص وبحضور الممثلين الرفيعي المستوى من دول الخليج العربية وتركيا وإسرائيل وغيرها من الدول على هامش المؤتمر (COP27)، حيث تعهد الممثلون بمواجهة القضايا البيئية مثل التصحر وشح المياه عبر تقاسم المعارف وابتكار التكنولوجيا والسبل الأخرى التي تتماشى مع العصر، وتوفير حلول للحفاظ على الأمن الغذائي في المنطقة.
إضافة إلى ذلك، وقعت مصر والإمارات على اتفاقية التعاون في مجال الطاقة الجديدة في المؤتمر، التي تنص على بناء محطة الكهرباء بالطاقة الريحية في مصر وهي أكبر من نوعها في العالم. وتم توقيع المذكرة بين عمان والسعودية بهدف زيادة تعميق التعاون بين البلدين في مجال الطاقة المتجددة وتقنية التقاط الكربون، والعمل سويا على دفع التحول الأخضر لقطاع الطاقة.
—— الصين ودول الشرق الأوسط تتحرك من أجل تحقيق التنمية الخضراء والمستدامة
تسعى كل من الصين ودول الشرق الأوسط إلى الدفاع عن مبدأ “المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة” رغم تباين ظروفها الوطنية، وتسعى إلى الحفاظ على الحقوق والمصالح المشروعة والمجال الإنمائي للدول النامية، وتسعى إلى دفع حوكمة المناخ العالمي نحو اتجاه أكثر توازنًا ونفعا وكسبا للجميع. في السنوات الأخيرة، شاركت الصين ودول الشرق الأوسط بنشاط في المشاريع الخضراء والموفرة للطاقة في المنطقة، حيث تم إنشاء عدد كبير من محطات الطاقة النظيفة التي تعمل بالفحم ومحطات الطاقة الحرارية الضوئية ومحطات الطاقة الشمسية ومحطات تحلية مياه البحر والمختبرات المشتركة للتنمية الخضراء في منطقة الشرق الأوسط، مما أتاح فرصًا مهمة لحل المشاكل في عملية تحول هيكل الطاقة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول المنطقة.
استشرافا للمستقبل، سيقبل التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط في مجال تغير المناخ على أفق أوسع. أكد السيد شي جينهوا الممثل الخاص للرئيس شي جينبينغ والمبعوث الصيني الخاص بشؤون تغير المناخ في المؤتمر (COP27)، على أنّ المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني الذي اختتم بنجاح أسهم في ترسيخ عزيمة الصين على السير في طريق التنمية الخضراء، إن عزيمة الصين وموقفها من تحقيق أهداف بلوغ الذروة الكربونية والحياد الكربوني والمشاركة النشطة في حوكمة المناخ العالمي لن تتراجع ولن تتغير. إننا على اليقين بأنّ الصين ودول الشرق الأوسط ستحقق مزيدا من إنجازات التعاون في مسيرة مواجهة التحديات لتغير المناخ وبناء المعادلة الخضراء والمنخفضة الكربون لحوكمة الطاقة العالمية.