بقلم: أ.د/ حسن رجب
*أستاذ الدراسات الصينية، جامعة قناة السويس – مصر
شبكة طريق الحرير الإخبارية/ CGTN العربية/
بقلم: أ.د/ حسن رجب
*أستاذ الدراسات الصينية، جامعة قناة السويس – مصر
من المعروف أن الصين هي مهد الحضارة البشرية عبر تاريخها التليد الذي يمتد ٥ ألاف عام، وتعتبر الثقافة الصينية من أقدم الثقافات التي مازالت باقية حتي الأن، فهي حضارة وثقافة متواصلة ومستقرة ولم تندثر كما اندثرت الحضارة الاغريقية في اليونان، والحضارة السومرية في العراق، والحضارة المصرية القديمة، بل ظلت الصين أهم دولة فاعلة وحاضرة في شرق أسيا لمدة تزيد عن خمسين قرنا من الزمان حيث استطاع الصينيون عبر هذا التاريخ، ان يشكلوا ثقافة غنية ومتميزة، حيث كانت الثقافة الصينية دائما هي الزاد الروحي، الذي تتسلح به الأمة الصينية في رحلة تقدمها وتطورها عبر التاريخ، وأن حكيم الصين كونفوشيوس والكونفوشيوسية كانت نواه هذه الثقافة التي توارثت من جيل إلي جيل، وشكلت تدريجيا الأسلوب المميز للكونفوشيوسية.
وبالرغم من الضربات الموجعة التي وجهت للكونفوشيوسية في فترات من تاريخ الصين الحديث، إلا أن أفكار كونفوشيوس كانت أكثر تغلغلا في الطبقات العميقة للثقافة الصينية، وفي الوعي ولاوعي الصينيين، استطاعت أفكار كونفوشيوس أن تؤثر في الصين المعاصرة من خلال العادات والتقاليد ومن خلال الجدل المستمر الذي تثيره أفكار كونفوشيوس بين المثقفين. ولذلك اعتقد أن ما قامت به دولة الصين علي المستوي الرسمي من تأسيس الصين للمعاهد كونفوشيوس في مختلف أنحاء العالم، هو تقديرا لكونفوشيوس حكيم الصين، واعتراف من الصين المعاصرة بمكانة هذا الحكيم، ودليلا علي مكانة كونفوشيوس، والتي ماتزال محفوظة في حاضر ومستقبل الصين. ولذلك فأنني اعتبر أن المعلم الكبير كونفوشيوس كان مفكرا ومعلما عظيما وفيلسوفا، نجح في إرساء الأسس الفكرية لتطور الثقافة الصينية، حيث تتمركز أفكار كونفوشيوس التي شكلت الأرضية الأساسية للثقافة الصينية في ثلاث نقاط رئيسية:
١، الروح العملية
٢، الإعلاء من شأن الأخلاق
٣، إرساء تقاليد تقدير التجربة العملية
وبالرغم من أنه كان يؤمن بالقضاء والقدر، لكنه ليس الشخص الذي ينتظر ترتيبات القدر، بل يؤمن كونفوشيوس بضرورة بذل الإنسان كل ما في وسعه للوصول إلي أعلي المراتب، حيث يقول إذا تعلمت شيء، فلا تقنع، وإذا علمت فلا تكل.
وكان لكونفوشيوس منظرا سياسيا بارعا، يبني أفكاره السياسية علي ثلاث نقاط رئيسية:
١، الحكم وفق الأخلاق
٢، مركزية السلطة
٣، معارضة الاستبداد الفردي واحتكار الوزراء للسلطة
حيث اهتم كونفوشيوس اهتمام كبيرا بدور الأخلاق في السياسة حيث بأن يعطي الحاكم القدوة الأخلاقية للناس، حيث يقول “السياسة هي الاستقامة، فذا كان الحاكم مستقيما، هل يجرؤ المحكوم ألا يستقيم”، حيث أعطت هذه الأفكار دفعا قويا، للتطور التاريخي الذي يحتاجه عصر كونفوشيوس.
وفي نفس الوقت تعرضت أفكار كونفوشيوس للنقد، حيث سميت بأنها أفكار محافظة، أي تعمل علي إحياء القديم، حيث كان هناك من رأي أن كونفوشيوس علي حماية نظام حكم الأسرة تشو، وكانت طموح كونفوشيوس خلال حياته أن يغير “العالم الصيني” نحو المبادئ التي يدافع عنها، أي تحويل “عالم ألا مبدئ إلى العالم المبدئ”، لم يكن نشاطه ثوريا بقدر نشاط يطمح لتغير التقاليد القائمة، وتأسيس النظام المثالي.
تعتبر الأخلاق مركز أفكار كونفوشيوس، حيث كان للأخلاق تأثيرا بالغا في تطور الثقافة الصينية، حيث تحدث عن علاقة الإنسان بالأخلاق قائلا: “أن النبيل هو من جعل الأخلاق أعلي المراتب”، حيث يري أن الأخلاق هي الشئ الأكثر قيمة بالنسبة للإنسان من طرحه لمفهوم حب الأخر من خلال تبادل الفضيلة بين الناس، حيث يشرح تلك العلاقة قائلا: “فقد حينما تعامل الناس بقلب محب، سيعاملك الناس بالحب، وحينما تعاملهم بتسامح، سيعاملك بتسامح”، وبناء عليه فإن الاهتمام البالغ الذي أولاه كونفوشيوس للأخلاق والحياة المعنوية تأثرا عميقا في تشكيل وتطور الثقافة الصينية، وهذا التأثير يظهر في جانبين رئيسيين، أولا وجود تقاليد التعاليم الأخلاقي بدلا من التعليم الديني في الثقافة الصينية، ثانيا تقاليد الصمود والالتزام.
فكونفوشيوس ظهر قبل ألفي عام، حيث اتهمت أفكاره بالمثالية وعدم التجديد، والاهتمام بالآداب والفنون أكثر من الاقتصاد، لكن أري أن هذه الأفكار لعبت دورا مهما في تطور واستقرار المجتمع الصيني في ظل الواقع الجديد.