شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بكين 30 مايو 2022 (شينخوا) لم تظهر الأزمة الروسية الأوكرانية المستمرة منذ أشهر أي علامات على التراجع حيث كثيرا ما أُحبطت المحادثات بين موسكو وكييف.
وبالنظر إلى الثقل الاقتصادي لروسيا وأوكرانيا في العالم، ولا سيما إنتاج الطاقة والحبوب، فكلما طال أمد الأزمة، زادت صعوبة قدرة الاقتصاد العالمي على التعافي من آثار جائحة كوفيد-19.
ومع ذلك، في مثل هذا الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلى السلام والتنمية، سلمت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة دفعات من الأسلحة الفتاكة إلى أوكرانيا وفرضت مجموعات من العقوبات على روسيا، مما يهدد بإدامة الصراع الإقليمي ويترك العالم ليدفع الفاتورة.
— أمن الطاقة مهدد
وتحملت صادرات روسيا من الطاقة العبء الأكبر من العقوبات الغربية. وفي 8 مارس، أعلنت الولايات المتحدة حظرا على النفط والغاز الطبيعي المسال والفحم الروسي، تلاه حظر فرضه الاتحاد الأوروبي على الفحم الروسي اعتبارا من أغسطس، وهو جزء من حزمة العقوبات الخامسة ضد روسيا التي صدرت في 8 أبريل، وحظر مقترح على النفط الروسي طرحته المفوضية الأوروبية في أوائل مايو كجزء من حزمة العقوبات السادسة.
لكن العقوبات المتصاعدة ضد روسيا والميل إلى إدامتها تضر في الواقع بأمن الطاقة العالمي، حيث تمثل روسيا، وهي لاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمية، حوالي 18 في المائة و11 في المائة و10 في المائة من أحجام صادرات الفحم والنفط والغاز الطبيعي العالمية، على التوالي.
وقد أضاف انخفاض إمدادات الطاقة وما تلاه من اضطرابات في سلسلة التوريد ضغوطا على الاقتصاد العالمي، وخاصة الاقتصاد الأوروبي.
وكانت روسيا ترسل سنويا 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى أوروبا قبل الصراع، واستبدال جزء كبير من هذا “سيكون صعبا للغاية، مع عواقب بعيدة المدى على سكان أوروبا واقتصادها وعلى دور الغاز في تحول الطاقة في المنطقة”، حسبما ذكرت شركة أبحاث الطاقة واستخبارات الأعمال ريستاد إنرجي التي تتخذ من أوسلو مقرا لها في بيان صحفي في 9 مايو.
وأعلنت شركة غازبروم الروسية الموردة للغاز في 27 أبريل أنها ستوقف بالكامل شحناتها من الغاز إلى بولندا وبلغاريا ، بسبب “فشل الدولتين العضوين في الاتحاد الأوروبي في الدفع بالروبل”، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز الأوروبية بنسبة 20 في المائة.
وللأسعار المتقلبة والمرتفعة وتضخم الطاقة تأثير متفاقم على الاقتصاد العالمي وسبل العيش، حيث توقعت عدة مؤسسات أن تظل أسعار الطاقة الدولية مرتفعة لسنوات قادمة.
وقال البنك الدولي في تقرير في 26 أبريل إن الزيادة في أسعار الطاقة خلال العامين الماضيين كانت الأكبر منذ أزمة النفط عام 1973، وقدر أنه من المتوقع أن ترتفع أسعار الطاقة بأكثر من 50 بالمائة في 2022 قبل أن تتراجع في عامي 2023 و2024.
وتباطأ النمو الاقتصادي في منطقة اليورو في الربع الأول، حيث بلغ التضخم مستوى قياسيا مرتفعا في أبريل، مع ارتفاع أسعار الطاقة بنسبة 38 في المائة على أساس سنوي، لتصبح مساهما رئيسيا في معدل التضخم. وتوقعت المفوضية الأوروبية أن يتوقف تعافي منطقة اليورو من الوباء تقريبا، في حين سترتفع الأسعار بسرعة أكبر إذا حدثت اضطرابات خطيرة في إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا.
ومع ذلك، استفادت الولايات المتحدة من المواجهة بين روسيا والاتحاد الأوروبي. وأعلنت واشنطن في 25 مارس أنها ستوفر ما لا يقل عن 15 مليار متر مكعب إضافي من الغاز الطبيعي المسال للاتحاد الأوروبي في عام 2022. وهذا يعني زيادة بنسبة الثلثين في صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى الكتلة.
— أزمة غذاء وشيكة
وبما أن روسيا وأوكرانيا تلعبان دورا كبيرا في إنتاج الغذاء وإمداداته على الصعيد العالمي، فإن صراعا مطولا بين البلدين من شأنه أن يشكل تهديدات كبيرة للأمن الغذائي العالمي.
وحذر المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ديفيد بيزلي من أن الصراع الروسي الأوكراني كان “كارثة فوق كارثة” وسيكون له تأثير عالمي “يتجاوز أي شيء رأيناه منذ الحرب العالمية الثانية”.
ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن روسيا وأوكرانيا هما أكبر وخامس أكبر مصدرين للقمح في العالم، على التوالي. وهذان البلدان مجتمعان يوفران 19 بالمائة من إمدادات الشعير في العالم، و14 بالمائة من القمح، و4 بالمائة من الذرة، مما يشكل أكثر من ثلث صادرات الحبوب العالمية.
وفي أوكرانيا، المعروفة باسم سلة الخبز في أوروبا، ترك الصراع القمح المزروع قبل أشهر دون حصاد، في حين زرعت الذرة وعباد الشمس عندما اندلع الصراع دون استخدام الأسمدة. وتشير التقديرات إلى أن إنتاج أوكرانيا من الحبوب قد ينخفض بأكثر من 50 في المائة في الموسم الحالي.
وعلاوة على ذلك، فإن روسيا هي المنتج الرئيسي للأسمدة، حيث تمثل 13 في المائة من الإنتاج العالمي. وأدت القيود المفروضة على صادرات الأسمدة الروسية بسبب العقوبات الأمريكية إلى ارتفاع أسعار الأسمدة العالمية، مما أجبر المزارعين في البرازيل والولايات المتحدة ودول زراعية رئيسية أخرى على تقليل استخدام الأسمدة، مما قد يؤثر على المحاصيل المستقبلية.
ووصلت أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، حيث توقفت صادرات الحبوب الروسية والأوكرانية بسبب تعطل الموانئ والعقوبات الغربية.
في بعض البلدان الأوروبية، تباع الضروريات مثل الدقيق وزيت الطهي والخضروات المعلبة بكميات محدودة.
وتواجه المناطق الأقل نموا ظروفا أسوأ. فالقمح هو الغذاء الرئيسي لأكثر من 35 بالمائة من سكان العالم، ومصر وتركيا وبنغلاديش وإيران هي أكبر الدول المستوردة للقمح على الصعيد العالمي، حيث تشتري أكثر من 60 في المائة من حاجتها من القمح من روسيا وأوكرانيا.
وقال المدير العام لـ”الفاو” تشو دونغ يو إن نحو 50 بلدا تعتمد بشكل كبير على الإمدادات الواردة من روسيا وأوكرانيا، وكثير منها من أقل البلدان نموا أو البلدان المنخفضة الدخل التي تعاني من عجز غذائي في أفريقيا وآسيا.
واستجابة لنقص الإمدادات المحلية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، لجأت بلدان كثيرة إلى الحمائية وانتقدت ضوابط التصدير، مما زاد من تأجيج التضخم الغذائي العالمي وتفاقم أزمة الغذاء.
ومنذ بدء الصراع الروسي الأوكراني في فبراير، ارتفع عدد الدول التي تفرض قيودا على تصدير المنتجات الغذائية والأسمدة إلى 23 دولة حتى أواخر أبريل، وفقا للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية. وأعلنت إندونيسيا، أكبر منتج لزيت النخيل في العالم، والهند، ثاني أكبر منتج للقمح في العالم، تعليق التصدير في أبريل ومايو على التوالي.
وقالت أديتيا ماتو، كبيرة الاقتصاديين في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ في البنك الدولي، إن القيود المفروضة على التصدير هي مثال على معضلة السجناء، “حيث تتخذ إجراءات يبدو أنها تصب في مصلحتك الخاصة، ولكنها تجعل حال الجميع بمن فيهم أنت أسوأ”.
— خطر الاضطرابات الاجتماعية
فالغذاء والطاقة أمران حيويان للاقتصاد الوطني ولمعيشة الناس، ولا ينبغي الاستهانة بالمخاطر الاجتماعية الناجمة عن تأثيرهما.
وقال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية في بيان مشترك صدر في أبريل إن “الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية الأساسية ونقص الإمدادات يزيدان الضغوط على الأسر في جميع أنحاء العالم ويدفعان ملايين آخرين إلى الفقر”.
ووجهت تداعيات الوباء الممتد والأزمة الروسية الأوكرانية ضربة قوية لسريلانكا التي تعاني منذ أشهر من نقص الغذاء وارتفاع أسعار السلع الأساسية وانقطاع التيار الكهربائي وانخفاض قيمة العملة، مما أثار احتجاجات حاشدة أجبرت رئيسها على إعلان حالة الطوارئ مرتين في أبريل ومايو.
ويتزايد القلق إزاء الوضع في أفريقيا. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في أوائل مايو إن الصراع الروسي الأوكراني “يفاقم أزمة ثلاثية: الغذاء والطاقة والمالية” في جميع أنحاء أفريقيا.
وحتى أوروبا الغنية نسبيا تعيش أيضا احتمال أن تتدهور أزمة سبل العيش إلى اضطرابات اجتماعية. وفي برشلونة بإسبانيا، نظمت رابطة سائقي سيارات الأجرة ونقابة سائقي الشاحنات الإسبانية مظاهرات وإضرابات احتجاجا على الزيادات في أسعار الوقود، مما عطل مؤقتا إمدادات السلع والمواد الخام.
وفي الأشهر الأخيرة، خفضت المنظمات والمؤسسات الدولية توقعاتها للنمو الاقتصادي والتجاري العالمي وغير ذلك من المؤشرات الرئيسية.