CGTN العربية*
تراجعت أسعار النفط عالميا يوم الاثنين بشكل حاد، حيث انخفضت العقود الآجلة لخام برنت إلى نحو 35.84 دولار للبرميل، وهبطت أسعار النفط في أسواق آسيا بأكثر من 20%، فيما انخفضت أسعار النفط منذ الجمعة الماضية وحتى اليوم بنسبة 30%، وهو ما أطلق عليه البعض انهيار أسعار النفط، فيما سماه محللون اقتصاديون ببداية حرب أسعار بين المملكة العربية السعودية وروسيا، المنتجين الرئيسيين للنفط في العالم.
رفضت موسكو التوصل إلى خفض الإنتاج اليومي للنفط، الأمر الذي يدفع الرياض بدورها إلى إعلان ما وصفته وسائل الإعلام بأنه حرب أسعار النفط. يناضل عملاقا الطاقة في الوقت الراهن للحصول على حصة أكبر من السوق، لكن التنافس بينهما قد يكون له بعض العواقب الوخيمة على العالم.
وكان رد فعل أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم سلبا للغاية على انهيار أسعار النفط، فتراجعت الأسهم الأمريكية في بداية التعاملات يوم الاثنين حيث انخفضت جميع المؤشرات الرئيسية الثلاثة بأكثر من 7 بالمئة، مما جعل البعض يتساءل عما إذا كانت أزمة اقتصادية عالمية أخرى قد بدأت نتيجة “العاصفة العارمة
ما وراء “حرب الأسعار”؟
وفيما يتعلق بما حدث من خلاف بين منظمة “أوبك” وروسيا، أشار “شو ون هونغ”، باحث صيني متخصص في الاقتصاد الروسي، إلى أن الاقتصادي العالمي يمر الآن في حالة الشكوك وعدم اليقين، مضيفا أن عدم نية روسيا في المشاركة في خفض إنتاج النفط منسوب إلى أن لها رغبة في الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية حتى لا تتوجه لإنتاج نفطها الصخري من جهة، واستباق الفرص عند مواجهة المخاطر الناجمة عن تباطؤ الاقتصاد العالمي من جهة أخرى.
ومن غير المحتمل أن تتخلى كل من السعودية وروسيا عن موقفهما من خفض إنتاج النفط، لا يمكن للجانبين فعلا تحمل أعباء الانخفاض الحاد والمستمر لأسعار النفط، فقد يتم التوصل مرة أخرى إلى حلول وسط بين المنتجين الرئيسيين في حال تجاوزت عواقب حرب الأسعار الخط الأحمر بينهما.
التأثير
من السابق لأوانه القول ما إذا سيحدث أزمة أخرى، ولكن من المتوقع سيصبح الأمر أكثر وضوحا بحلول نهاية الأسبوع بعد أن يتوفر للمستثمرين والحكومات العالمية الوقت الكافي لتهدئتهم، وتقييم ما يحدث بهدوء، واتخاذ قرارات ذات صلة تحدد كل شيء وفق مسار مناسب. ويعتبر أفضل سيناريو هو أن الأسواق تستقر وتتكيف بسرعة مع ما قد يكون “الوضع الطبيعي الجديد” الذي يشهد فيه أسعار النفط المنخفضة في المستقبل المنظور.
الحكومات التي تعتمد ميزانياتها بشكل غير مناسب على صادرات النفط ستعاني أكثر من غيرها على الأرجح خلال هذا التوقيت، على الرغم من أن اقتصاداتها يمكن أن تخفف من العواقب الأشد إذا كانت لديها احتياطيات كافية للاعتماد عليها.
وفي هذا الصدد، يقول الأكاديمي والخبير في الشأن الاقتصادي الخليجي الدكتور صالح المسن إن هذا الانهيار العالمي لأسعار النفط سيؤثر حتما على الوضع الاقتصادي على الدول الخليجية والسلطنة واحدة منها وذلك لأنها دول تقوم ميزانيات معظمها على النفط، مضيفا إلى أنه إذا استمر انهيار أسعار النفط العالمي بهذا الشكل ولفترة طويلة فقد لا تستطيع بعض الدول البترولية أن تفي الحاجات الأساسية كما قد لا تغطي موازنات بعضها حتى الرواتب والأجور ومن ثم فقد يشكل الأمر عبئا إضافيا على الدين العام لتلك الدول.
من الصعب التكهن بالأشكال التي يمكن أن يتخذها بخلاف التحذير من التداعيات السياسية والإنسانية المحتملة، لكن ينبغي تتبع هذه السيناريوهات بشكل حقيقي من قبل جميع أصحاب المصلحة لضمان ألا تؤدي إلى نشوب صراعات محلية أو دولية
أما بالنسبة للاقتصادات العالمية الأكثر تنوعا، فقد تتذكر دروس الركود العالمي لعام 2008 وتتذكر أن أفضل حل لهذه الأزمة الاقتصادية العالمية الصاعدة المحتملة هو حل متعدد الأطراف.
الكتل الإقليمية
مع وضع ذلك في الاعتبار، يمكن أن تعمل مجموعة العشرين كمنصة أساسية للتوصل إلى أفضل إجماع ليرد على العواقب المتداخلة الناتجة عن انهيار أسعار النفط. علاوة على ذلك، فإن أهمية الكتل الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي بقيادة روسيا ومنظمة شانغهاي للتعاون قد تصبح بطبيعة الحال أكثر بروزا حيث تدرك الاقتصاديات الرائدة في العالم مسؤوليتها تجاه جيرانها. وقد تقدر مبادرة الحزام والطريق التي تطرحها الصين وتسعى لارتباط العالم من خلالها على تربط هذه الكتل بشكل متكامل وإكمال دور مجموعة العشرين.
من المرجح أن يكون لانهيار أسعار النفط عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، لكنه لن يزداد سوءا إلا إذا ذعر الجميع. لذلك، تقع على عاتق جميع أصحاب المصلحة المعنيين مسؤولية التزام الهدوء وتنظيم الحلول الجماعية في أقرب وقت ممكن.