*صحيفة الدستور الاردنية/
الاكاديمي مروان سوداح*
في خواتيم يَناير المُنصرم أصبحت (صفقة القرون) التي عَقدتها روسيا مع الكيان الغاصب لفلسطين نافذة المَفعول، وبدأت تصب في صالحها لأول مرة في تاريخ علاقاتها المُتوترة مع (تل الزهور)، والتي اتّسمت وتتسم فعلاً للآن بالمواجهات المُبَاشِرة والتحدّي في (الشرق الأوسط).
لم تكسب موسكو طوال تاريخها شيئاً من الكيان الصهيوني، برغم موافقتها السابقة على تأسيسه دون مسوغات إنسانية وتاريخية وواقعية وحقوقية، وسَمحت كذلك بهجرة أعدادٍ ضخمة من يهودها لهذا الكيان خلال سنوات البيريسترويكا اللعينة وليدة صهيون، ليصبحوا بين لحظة وضحاها مواطنين فيه، ضمنهم عُلماء وأسماء شهيرة في مختلف حقول العلوم والمِهن، لكن غالبيتهم انتظم في أعمال سوداء ووضيعة عكست على نحو جَلي المَهانة التي ألحقها بهم الكيان في سياق تجذّر نهج التفرقة العنصري فيه تجاه اليهود الشرقيين وضمنهم اليهود العرب، لاعتبارهم بمنزلة دونية. بهؤلاء المُهاجرين – المُستوطنين الجُدد، غدت اللغة الروسية لغة الشارع في الكيان، وإلى جانبها سادت العادات والتقاليد ونمط الحياة الروسي، وأدّت هذه الظاهرة لاحقاً، لاعتماد خطوط جوية مباشرة بين روسيا وفلسطين المُحتلة وتعاون ثنائي شامل.
وفقاً للإعلام الروسي والصهيوني، توصّلت موسكو و (تل الزهور) إلى (صفقة القرون)، والتي أفضت خواتيمها لإطلاق سراح الشابة (الإسرائيلية-الأمريكية) (نعمة يسسخار)، التي أُودعت سجن روسي لمدة «10» شهور، من أصل «7»سنوات ونيّف، بتهمة حيازة المخدرات، وتمت الصفقة بحضور الرئيس فلاديمير بوتين و (النتن ياهو)، ونصّت على استعادة موسكو لسيادتها على أراضي وعَمائر «المسكوبية» التاريخية، الواقعة مباشرة على خط التّماس بين قسمي القدس العربية الشرقية والغربية، وهذا شكّل نصراً وعِيداً حقيقياً لروسيا بعدما مُنعت طويلاً من ترويس أملاكها المُهوّدة والمُصهيَنة.
يُعتبر مَجمع (المسكوبية) منذ زمن سحيق، واحداً من الأطيان الروسية الكثيرة في «فلسطين الروسية» كما جرت العادة تسميتها، فقد استولت الصهيونية بالقوة على هذا المَجمع، ورفضت إعادته لأصحابه الروس منذ قيام الكيان الصهيوني في فلسطين، ومَثّل ذلك تحدّياً حقيقياً رافقه أرق مُزمن للسلطات السوفييتية والروسية و لِـ(بطريركية موسكو وسائر الروسيا)، ويَضم المَجمع وفقاً للمَنشور، كاتدرائية الثالوث الأقدس ومجموعةً من المباني ذات استخدامات عدّة، أهمها فندق مُخصّص للحُجَّاج الروس. ويؤكد التاريخ أن سلطات الانتداب البريطاني حوّلت (الموسكوبية) إلى مركز للشرطة والمخابرات وتعذيب المناضلين العرب، واستمر كذلك خلال سنوات الاحتلال الصهيوني الذي حوّله إلى سجن مُوحش لتعذيب الفلسطينيين.
نجاح (الصفقة) يُسجَل للرئيس بوتين بأحرف من ذهب، لكونه حقّق فيها ما لم تحققه روسيا تاريخياً منه، عدا تكنيسها مَجاميع الإرهابيين من سورية. ولهذا صِرنا نقرأ تحليلات عالمية تتحدث عن أن موسكو «تعلّمت أخيراً!» أهمية عَقد الصفقات بعيداً عن تقديم تنازلات مجانية للغير، بخاصة لكيان الصهيونية والغرب. وبَعدَ «حقبة يسسخار»، يبدو أن موسكو تَعِدُ نفسها لاستعادة المزيد من أملاكها في فلسطين دون أن يَحصل (نتن ياهو) على لقب البطل!
*متخصص بالشأن الروسي ورئيس رابطة القَلميين العرب أصدقاء روسيه.
شكرا للقائمين على النشر بالموقع وعلى رأسهم الاخ عبد القادر خليل حفظكم الله..