في الـ15 من الشهر الجاري بتوقيت الولايات المتحدة، وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن على مشروع قانون للبنية التحتية بقيمة إجمالية تصل إلى 1.2 تريليون دولار أمريكي، من بينها 550 مليار دولار أمريكي في إطار النفقات الجديدة. وقال بايدن في حفل التوقيع إن مشروع القانون هذا يعدّ “مخططا لذوي الياقات الزرقاء لإعادة بناء أمريكا”، وسيقوم بأكبر استثمار منذ عقود في البنية التحتية مثل الطرق والجسور والسكك الحديدية والمواصلات العمومية في الولايات المتحدة، مما سيخلق عددا كبيرا من فرص العمل وسيخفف الضغط على سلاسل التوريد.
وفقا لمشروع القانون، ستخصص الحكومة الفيدرالية 110 مليارات دولار أمريكي لبناء الطرق والجسور، و66 مليار دولار أمريكي لبناء السكك الحديدية، و39 مليار دولار أمريكي لبناء المواصلات العمومية، و65 مليار دولار أمريكي لبناء انترنت فائق السرعة، و73 مليار دولار أمريكي لتحديث وتوسيع شبكات الكهرباء. كما سيتمّ استخدام 55 مليار دولار أمريكي فى مشروع تجديد أنابيب مياه الشرب. بالإضافة إلى ذلك، خصص مشروع القانون 50 مليار دولار أمريكي لتعزيز البنية التحتية المرتبطة بالتعامل مع تغير المناخ والهجمات الإلكترونية.
وسيحقق تمرير مشروع قانون البنية التحتية البالغة قيمته تريليون دولار أمريكي “حلم البنية التحتية” للعديد من رؤساء الولايات المتحدة. ومع ذلك، من الصعب القول ما إذا كان تنفيذ القانون سيكون بمثابة النعمة أم النقمة على الاقتصاد الأمريكي.
أولاً، سيؤدي الاستثمار في البنية التحتية الجديدة إلى تفاقم أزمة ديون الحكومة الفيدرالية، التي أصدرت ما يقرب من 6 تريليونات دولار أمريكي في إطار جهود الإغاثة من وباء كورونا الجديدة والأزمة التي خلّفها وكخطة للتحفيز الاقتصادي منذ العام الماضي، ما أدى إلى ارتفاع الديون الفيدرالية، وفقًا لتقديرات مكتب الميزانية بالكونغرس الأمريكي. وقد يؤدي التمويل الجديد الذي يزيد عن 550 مليار دولار أمريكي في قانون البنية التحتية إلى زيادة عجز الميزانية الفيدرالية بنحو 256 مليار دولار أمريكي في السنوات العشر القادمة وزيادة الديون الفيدرالية.
ثانيًا، تزايد تدفق الأموال إلى السوق سيؤدي إلى تفاقم مخاطر التضخم المالي في الولايات المتحدة. نظرًا لأن الحكومة الأمريكية اعتمدت بشكل أساسي على هذه الإستراتيجية، وكذلك إصدار الأوراق النقدية للتعامل مع تأثير الوباء على الاقتصاد وحياة الناس، فقد ارتفعت الأسعار في الولايات المتحدة هذا العام وبلغ التضخم المالي مستويات عالية جديدة. ووفقًا للبيانات الصادرة عن وزارة العمل الأمريكية في الـ10 من الشهر الجاري، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي (CPI) بنسبة 6.2% على أساس سنوي في أكتوبر، وهو أعلى مستوى منذ عام 1990. وقد يؤدي الاستثمار في البنية التحتية إلى إطلاق جولة جديدة من مخاطر التضخم.
أخيرًا، فإن الاستثمار في البنية التحتية البالغة قيمته تريليون دولار أمريكي ليس سوى “كوب ماء لن يطفئ النار في عربة القشّ” كما يقال، وتأثيره على التحفيز الاقتصادي محدود. ووفقًا لتقييم أجرته الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين (ASCE) في بداية هذا العام، فإن الطلب على الاستثمار في البنية التحتية الأمريكية يصل إلى 13 تريليون دولار أمريكي، حيث تبلغ فجوة الاستثمار حوالي 5.6 تريليون دولار أمريكي. وحتى مع الاستثمار البالغ 1.2 تريليون دولار أمريكي من إدارة بايدن، لا تزال فجوة الاستثمار في البنية التحتية في الولايات المتحدة عالية وتصل إلى أكثر من 5 تريليون دولار أمريكي. مع معاناة الاقتصاد من عبء ثلاثي يتمثل في الوباء والديون الفيدرالية والتضخم، فإن استثمار تريليونات الدولارات في البنية التحتية له تأثير محدود للغاية على تعزيز النمو الاقتصادي الأمريكي.
بالإضافة إلى مشروع قانون البنية التحتية، يعتزم بايدن وأعضاء الكونغرس من الديمقراطيين أيضًا تمرير مشروع قانون “إعادة بناء مستقبل أفضل” بقيمة 1.75 تريليون دولار أمريكي، من أجل الإستعداد لانتخابات المنتصف في العام المقبل، ولديهم الكثير من الحيل لتمرير المشروع. إلاّ أنّ القيام بذلك لن يؤدي إلا إلى تقريب الدين الفيدرالي للولايات المتحدة من حافة “الهاوية” وقد يؤدي حتى إلى أزمة اقتصادية جديدة.