شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
مذبحة خوجالي .. عدوان زرع الموت وقتَل الإنسانية
مَذبحة القُرون اغتالَت البَراءة والسَّلام.. وحَطّمت كل مَعاني الإخاء والمَحبة والعَيش السلِّمي المُشترك
بقلم/ الأستاذة منال علي
ـ التعريف بالكاتبة: صحفية إذاعية بالبرنامج الأوروبي في الإذاعة المصرية، و مختصة بشؤون دول البحر الأبيض المتوسط و بلدان أسيا، وصديقة مُقربة من الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.
تحُيي أذربيجان في أواخر فبراير/ شباط من كل عام، ذكرى أليمة أصابت كل أذري وإنسان شريف في هذا الكون الواسع. أنها مأساة مدينة وشعب خوجالي، المَذبحة التي يَعتبرها العالم وأصحاء العقول والقلوب، واحدة من أبشع وأقذر المآسي والفجائع التي لحقت بالإنسانية وأدمتها وشوّهت رسالتها الإلهية السّمحة منذ بداية الخًلق، ذلك أن منفذيها الأرمينيين المُدجّجين بأدوات الموت، أصروا على قتل حَيوات الناس، فلم يكتفوا بتدمير أجساد الأذربيجانيين العزّل، إذ استكملوا انتقامًا لا سبب له ولا مسوغ، فأحرقوا الحجر والبشر، وقطّعوا لحم الإنسان الأذري إربًا إربًا، لكأنهم في غابات وحوش ضارية لا إنس فيها ولا ملائكة تراقبهم لتنتقم لفظائعهم.. وحوش الموت هؤلاء لم يدركوا بسلوكهم الشيطاني أنهم في كرة أرضية يأنس فيها الإنسان بأخيه الإنسان، فأصروا على ممارسة الموت بحق الآخرين، فكانت إدانة عالمية لهم على شاكلة محكمة نورنبرغ الدولية لمجرمي الحرب العالمية الثانية من النازيين والفاشيين الإجراميين.
لقد مرّت أذربيجان في تاريخها خلال سنوات طويلة بفظائع ارتكبها العدو على أرضها – الأم، راح ضحيتها وشُرّد بسببها الكثير والكثير من أبناء الشعب الأذربيجاني البريء، ففي خوجالي مثلاً، راح ضحية المذبحة المقترفة ضد الإنسانية جمعاء، وليس ضد الشعب الأذربيجاني فقط، أعداد كبيرة من الأذريين المسالمين والعُزّل. كان الأرمينيون هم من ارتكبوا المذبحة المروعة التي وُصفت على ألسنة شهود عيان بأنها الأكثر وحشية في العصر الحديث.. لقد سفكت الدماء وسالت على الأراضي التي اسودت حزنًا وقهرًا على مئات المدنيين الذين راحوا ضحية مجزرة وحشية، بينهم أطفال ورضّع ونساء وشيوخ، ومازالت أذربيجان تذكر ما قامت به القوات المسلحة الأرمينية الإرهابية في ليلة اتشحت فيها مدينة خوجالي، ثاني أكبر مدن قرة باغ الأذربيجانية بالسواد، من مذبحة جماعية أرمينية رسمية وعلنية، حيث لقي 613 شخصًا حتفهم، منهم 63 طفلًا، و106 إمرأة، و 70 عجوزًا، وفقًا للمعطيات الرسمية. آنذاك، بلغت الوحشية غير المسبوقة إبادة 8 عائلات كاملة، و27 أسرة لم يبقي منها إلا فرد واحد فقط، هذا غير 25 طفلا فَقدوا كلا الأبوين ، و130 طفلا فقدوا أحد الأبوين ، و230 أسرة فقدت أربابها ليشهدوا على تلك الحالة المستورَدة أرمينيا من جهنم، ارتكبتها القوات الأرمينية في غفلة من العالم ليلة 26 فبراير و التي استمرت يومًا كاملًا تقطع فيه لحوم هؤلاء الأبرياء من الأذربيجانيين و تسلخ جلودهم أحياء و تنزع رؤوسهم ليبقى الجسد ممزقا بلا رأس ليدلل بما لا يدع مجالا للشك على مدى بشاعة تلك الجريمة الوحشية التي ارتكبها الأرمن المسلحون ضد الأذربيجانيين العزّل ولتبقى أذربيجان تذرف الدمع المدرار في مواجهة أسئلة مَن نجوا من تلك المجزرة: مَن نحن؟!.. ومِن أين أتينا؟! وأين ولدنا ؟!.. فلقد تسببت تلك الجرائم الفظيعة في تشريد هؤلاء الأبرياء من مدنهم الأذربيجانية هربًا من مقتل بنيران الأرمن الذين مارسوا عليهم كل أساليب و “فنون” القتل الوحشي والتنكيل، حتى بلغ حد التمثيل بجثث ذوييهم أمام أعينهم… و لكن بقيت أسئلة الضحايا ممن تبقوا من تلك المجزرة بلا أجوبة، وإن كان لها إجابة، فهي واحدة: إنها العنصرية العرقية المَقيتة التي مارستها العصابات الأرمينية على مدنيين عزَل من أهالي مدينة خوجالي، ثاني أكبر المدن الأذرية المتحضرة منذ فجر المعرفة.
لماذا خوجالي؟!!
قد يتبادر إلى الأذهان سؤال هو: لماذا اختارت تلك القوات الأرمينية مدينة خوجالي تحديدًا لتنفيذ تلك الإبادة الوحشية وارتكاب تلك الجرائم المُحزنة بكل تلك القسوة والتي صارت دليلًا قاطًعا ودامغًا على مدى توحّش القوات الأرمينية على الشعب الأذربيجاني الأعزل، والتي كان من بينها بقر بطون النساء الحوامل، وتقطيع الانوف والآذان، والتي للأسف أكد بعض شهود العيان الذين زاروا خوجالي – المدينة المقبرة، مباشرة بعد ذلك العدوان السافرـ أن ما نُقل من حقائق عن تلك المجزرة ليس أكثر من مجرد قطرة في محيط الوحشية التي دأبوا عليها عبر تاريخ احتلالهم للأراضي الأذرية، إذ كانت مدينة خوجالي في ذلك الوقت تتميز بتعدّدها العرقي، فقد كان يتعايش فيها الأذريون، والروس، والأرمن تعايشًا سلميًا، تسوده المحبة وملامح الود، إلى أن قررت تلك العصابات الإرهابية الأرمينية المجرمة تحويل مدينة خوجالي إلى مقبرة جماعية، بهدف بث الرعب في قلوب الأذربيجانيين اللذين لم يعرفوا بأي ذنب قتلوا، وتحولت شموع مستقبلهم من الأطفال والبالغين على حد سواء إلى أشلاء متناثرة على أراضيهم المغتصبة،غير أن تلك الإبادة لم تكن غير أدمية فقط، ولم تقتصر على القتل و التشويه والتمثيل بالجثث، بل شملت المقدسات والحضارات والمباني الأثرية..، لقد أرادوا بها أيضًا الإبادة ومحو التاريخ الأذري لكي لا يبقى لأذربيجان وأي أذري أثر في التاريخ، فمذبحة خوجالي التي حدثت عام 1992، تُعد مأساة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فمن وجهة نظر القانون الدولي فهي جريمة إبادة وجريمة ضد الإنسانية برمتها، لأنها انتهكت كل الأعراف والقوانيين الدولية، ولأنها لم تكن بين جيشين نظاميين، بل كانت مذبحة على يد جيش نظامي مُكوّن من قوات أرمينية معزّزة بوحدات سوفييتية قتالية عسكرية ضد مدنيين أبرياء في مدينة خوجالي لبأذربيجانية، وبناء عليه صدرت اربع قرارات من مجلس الأمن استنكارًا لَما حدث قتل جماعي في خوجالي، ومطالبة بانسحاب القوات الأرمينية من أراضي أذربيجان دون قيد أو شرط، مع تعويض اللاجئين، اللذين وصل عددهم إلى مليون لاجئ ومشرد في معسكرات أقيمت على عجل في أذربيجان، تشمل تعويضًا عن ممتلكاتهم، وعَما أصيبوا به من أضرار مادية ومعنوية.
ولكن هيهات، فلم تلتزم أرمينيا ذات الصلف المعهود بها، بلتلك القرارات، بل ولم تعرها أي اهتمام، فاتخذت الجمعية العامة في الأمم المتحدة قرارًا في الرابع عشر من مارس ألفين وثمانية تحت عنوان (الحالة في الأراضي المحتلة في أذربيجان)، و بناء عليه أكدت مجددًا استمرار احترام ودعم سيادة جمهورية أذربيجان وسلامتها الإقليمية داخل حدودها المعترف بها دوليًا، والتأكيد على ضرورة انسحاب القوات الأرمينية من كافة الأراضي الأذرية انسحابًا فوريًا و كاملًا ودون شروط، وبشكل عام تستند الجوانب القانونية والسياسية لتسوية هذا النزاع إلى معايير ومبادىء القانون الدولي التي أرستها قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 822 لعام 1993 وباقي قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن، فضلًا عن الوثائق ذات الصلة لمنظمة الأمن و التعاون الاوروبي و الهيئات الدولية الأخرى.
ردود الفعل الدولية
صدرت العديد من الأحكام لصالح أذربيجان منها حكم صدر من المحكمة الأوروبية في 2010 طالب بعودة الأراضي الأذربيجانية المحتلة بدون قيد أو شرط. وهناك أيضًا منظمة المؤتمر الإسلامي والتي تغير اسمها إلى منظمة التعاون الإسلامي، و أصدرت قرارات في مؤتمر 2010 في دوشنبيه بجمهورية طاجيكستان، وكذلك مؤتمر القاهرة 2013 وأكدت على ضرورة انسحاب أرمينيا من الأراضي الأذربيجانية المحتلة بدون قيد أو شرط، وأيضا نصت على ضرورة التعويض عن الآثار التي دمرت و منها أثار إسلامية و اثار ثقافية و كثير منها تم تدميرها في المناطق التي احتلتها أرمينيا.
العدالة لخوجالي
وُلِدت حملة العدالة من أجل خوجالي من خلال دعوات الزعيم حيدر علييف زعيم الأمة الأذربيجانية، وأيضا قرار منظمة التعاون الإسلامي التي عقدت في كمبالا عام 2008 بالدعوة لإحياء ذكرى شهداء هذه المذبحة، حتى يعلم العالم أجمع مدى بشاعة المجذرة التي ارتكبها الأرمن ضد الأذربيجانيين في هذه المنطقة. وفي نفس العام قامت السيدة ليلى علييف نائب رئيس صندوق حيدر علييف بأذربيجان بتدشين موقع لهذه الحملة بعنوان (العدالة لخوجالي). من خلال هذا الموقع تم تعريف كل القراء بما تم في مكان خوجالي من مجازر عملية إبادة جماعية يندى لها جبين البشرية والإنسانية كلها، والتعريف بالتاريخ الديموغرافي والجغرافي والاقتصادي لهذه المنطقة قبل الاحتلال لإظهار مدى بشاعة ما ترتب عليه بعد ذلك العدوان الأرمني لتلك المناطق.
و جدير بالذكر، أن أثر هذه الجريمة لن ينتهي أبدا لأنها موثقة في كثير من صحف العالم التي انتفضت لهذه المجزرة التي استوحش فيها الأرمن على الإنسانية وعلى أبناء أذربيجان من أطفال و نساء و شيوخ، وما يدعو للأسف أن من بين هذه الصحف صحفًا تنتمي إلى ما يعرف باللوبي الأرميني المتواجد في كثير من مناطق الشرق الأوسط وبعض الدول الأوروبية، التي كانت قد تحدثت وتفاخرت بالعتاد الحديث الذي يتمتع به الأرمن، وكيف أنهم أصبحوا يملكون، الآن، قوة من السلاح المنوع الذي مكّنهم من تنفيذ هذه الجرائم الوحشية والتي تنوعت بين القتل و الحرق، حيث أقاموا محرقة شملت حرق ما يزيد عن 100 قرية مسلمة في أذربيجان، الأمر الذي يفضح وضاعة مَن قاموا بتلك الأفعال المشينة والمنافية لأبسط معاني الإنسانية.
كما تطرقت لنفس الموضوع كل من صحيفة لوموند الفرنسية في 14 مارس عام 1992 حيث أكدت أن كثير من الصحفيين وجدوا جثثًا مسلوخة، أي محروقة الجلد والشعر والأظافر، مما يظهر “تفنن” العصابة الأرمينية الإجرامية في تعذيب الشعب الأذربيجاني، و تناولت أيضًا صحفًا عالمية أخرى تلك التعديات الوحشية مثل الواشنطن بوست في عددها الصادر في 28 مارس، وفاينانشيال تايمز التي تحدثت عن هذه المجزرة في ذات التاريخ.
وجدير بالذكر، أن كل هذه الفظائع وصفها أيضًا أحد ضباط الجيش، وكان يشغل منصب رائد، ويُدعى لينت كرافتس، حيث تحدث الرجل عما شاهده من فظائع تدمي القلوب لأجساد منزوعة الرأس تزيد عن المئة جثة. وأكد على صحة تلك الشهادة مركز ميموريال الروسي للدفاع والقانون، حيث تناول تلك المجزرة ووثق ما يقرب من حرق 200 جثة في مدينة أغدام المتاخمة لخوجالي، بالإضافة إلى أكثر من450 جثة تم إطلاق النار عليها ما بين رجالًا و نساءً و أطفالًا، مما يؤكد على أن كل ذلك كان مجرد غيث من فيض من مجمل الآثار السلبية و المقيتة التي تسبب فيها ذلك الاحتلال الأرميني الغاشم والظالم لأراضي أذربيجان، فلقد ألحق ذلك العدوان أضرارًا جسيمة بالحياة الثقافية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، وما ترتب عليه من تبعات أن أصبح واحًدا من كل ثمانية أشخاص مهجرين في البلاد ومنتشرين عبر الأراضي الأذرية. فضلًا عن مقتل الآلاف من المدنيين الأذربيجانيين في أكبر عملية تطهير عرقي انتهكت وبشكل صارخ حقوق الإنسان و القانون الدولي، لكن تعرض أذربيجان لإحدى أبشع وأدمى المأسي في القرن العشرين لم يزيدها إلا قوة فوق قوتها، فهي البلد المثابر والعنيد وهي الأمة الطموحة التي توحِّد أعراقًا كثيرة تحيا جلها بسلام تحت رعاية الزعيم القائد العام إلهام علييف العظيم، الذي وعد وأوفى بإعادة بناء كافة المدن المدمرة، وأنه سيجعل قرة باغ جنة الله على الأرض، فما مات حق وراءه مطالب، وعندما يريد الشعب الأذري الحياة، رغم كل ما حل به، فلابد أن يستجيب القدر، ولكن ستبقى خوجالي في ذاكرة الأمة والإنسانية جمعاء تصرخ وتذكّر كل أصحاب الضمائر الحية بأبشع الجرائم التي ارتكبت بدم بارد وبنفس شريرة وبروح مريضة في حق شعب أعزل منزوع السلاح، أدار ظهره بطمأنينة لمَن ظن أنه لن يخون فخان، وجأت طعنات الغدر متلاحقة تسطّر ساعات دامية من الوجع والحسرة والقهر واندفعت الطلقات المتلاحقة التي أودت بحياة الزهور وأزهقت أرواح بريئة طاهرة من ابناء أذربيجان العزيزة.
فالأمن و السلام للشرفاء و الخزي و العار للعدوانيين ولمَن خان.