شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
مدينة “شوشا” عاصمة ثقافية لأذربيجان وللعالم الإسلامي
للكاتبة الصحفية د/بارفانا إبراهيموفا
أستاذ بكلية الصحافة –جامعة باكو الحكومية
تحتل مدينة “شوشا” بآثارها التاريخية والثقافية والدينية مكانة مهمة ليس في أذربيجان ومنطقة القوقاز فحسب، بل في العالم الإسلامي بأسره.
لقد كان احتلال مدينة “شوشا” على يد قوات الاحتلال الأرمينية في الثامن من مايو 1992م بمثابة كارثة بكل المقاييس، حيث أن احتلال “شوشا” ذات الأهمية الاستراتيجية جعل من السهل الاستلاء على ممر “لاتشين” الرابط بين أرمينيا ومنطقة “قراباغ”. وفي نهاية المطاف، ضُم إقليم “قراباغ” الجبلية إلى أرمينيا. ومع ذلك، فإن أرمينيا المعتدية لم تكتف بهذا، بل خلال عام ونصف تقريبا احتلت مناطق “كالباجار” و”أغدام” و”جبرائيل” و”فضولي” و”قوبادلي” و”زانجيلان” الأذربيجانية. وبهذا، في غضون عامين، تم احتلال عشرين بالمائة من أراضي جمهورية أذربيجان المعترف بها دوليًا، وكذلك تهجير مليون شخص قسرياً من تلك الأراضي لمجرد كونهم أذربيجانيين.
وتجدر الإشارة إلى أنه في المراحل الأولى واللاحقة من الصراع الذي بدأ بمطالب أرمينيا بأراضي أذربيجان، تبنت منظمة التعاون الإسلامي قرارات تعترف بأن أرمينيا دولة معتدية مؤكدة على الموقف العادل المتعلق بأذربيجان. وفي الوقت نفسه، طالبت أذربيجان بوصفها طرفًا تعرض للاحتلال بوضع حد لهذا الاحتلال وإعادة أراضيها، وذلك في الاجتماعات الثنائية ومتعددة الأطراف وفي المحافل الدولية الرفيعة.
ونتيجة لذلك، تبنت منظمة التعاون الإسلامي وكذلك المنظمات الدولية الأخرى قرارات تدين السياسة العدوانية الأرمينية وتطالب بتحرير الأراضي الأذربيجانية المحتلة. ومع ذلك، وعلى مدار الثلاثين عامًا الماضية، لم يتم اتخاذ خطوات لتنفيذ أي من قرارات مجلس الأمن الدولي الأربعة التي تُطالب بوحدة أراضي أذربيجان وحرمة حدودها، وبتحرير غير مشروط للأراضي الأذربيجانية المحتلة، وكذلك تؤكد على حقيقة احتلال أرمينيا لـ”قراباغ” الجبلية والمناطق المحيطة بها. وعلى الرغم من إجراء محادثات في إطار مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوربي منذ ما يقرب من 30 عامًا، فلم يتم اتخاذ أي إجراءات عملية لإنهاء احتلال الأراضي الأذربيجانية.
وقد أدت الاشتباكات المتتالية بين الطرفين على خط التماس إلى بدء عمليات عسكرية واسعة النطاق في 27 سبتمبر 2020، حيث قام الجيش الأذربيجاني بالرد على العمليات التي شنتها القوات المسلحة الأرمنية لاحتلال أراضي جديدة تابعة لأذربيجان. وحقق الجيش الأذربيجاني نصراً ساحقاً في حرب “قراباغ” الثانية التي استمرت 44 يومًا. وتم تحرير الأراضي الأذربيجانية القديمة من الاحتلال، وبذلك تم إنقاذ المعالم التاريخية والثقافية والدينية الموجودة في هذه المناطق، بما فيها من مساجد وأضرحة.
والجدير بالذكر أنه كان يوجد قبل الاحتلال 67 مسجدًا في منطقة “قراباغ” الجبلية والمناطق المحيطة بها معظمها آثار تاريخية للحضارة الإسلامية. وقد دُمر أغلبها على يد قوات الاحتلال الأرميني منذ عام 1992. ولم يحترم الأرمن الذين يعيشون في الأراضي بشكل غير قانوني القيم الدينية الإسلامية، وقاموا بتدنيس المساجد، وتربية الحيوانات فيها بما في ذلك الخنازير، وهم بذلك لا يقومون بإهانة الأذربيجانيين فقط، بل العالم الإسلامي كله.
ومن دواعي السرور أن الدولة الأذربيجانية، وكذلك المنظمات غير الحكومية قد بدأت بالفعل العمل الشامل والواسع النطاق لترميم وإعادة بناء الأماكن المقدسة وخاصة المساجد التي تعرضت للتخريب. وتلعب مؤسسة حيدر علييف الخيرية دورًا خاصًا في هذه العملية. وبتعليمات من النائبة الأولى لرئيس جمهورية أذربيجان، رئيسة مؤسسة حيدر علييف الخيرية السيدة مهريبان علييفا، انطلق مشروع ترميم المعالم الدينية والمساجد في “قراباغ” الجبلية التي تعد ثروة وطنية للشعب الأذربيجاني. ويتضمن المشروع ترميم وصيانة وإعادة بناء الأضرحة في هذه المنطقة بمشاركة خبراء محليين وأجانب.
وتجدر الإشارة إلى أن مدينة “شوشا” التي أسسها الأمير “بناهالي خان” حاكم “قراباغ” عام 1752م، أصبحت واحدة من أهم مدن أذربيجان ومنطقة القوقاز في القرن الثامن عشر. وشُيد سور كبير حولها، وبنيت بها دور العبادة، كما أقيمت بها العديد من الأحياء الحرفية. وتُعد “شوشا” التي تتميز بأسلوبها المعماري الخاص معلماً طبيعياً وتاريخياً لمنطقة “قراباغ”، ومهداً للموسيقى الأذربيجانية. وقد أنجبت “شوشا” شخصيات تاريخية بارزة في الثقافة والأدب والفن الأذربيجاني.
وفي السابع من مايو 2021م، أُعلنت مدينة “شوشا” عاصمة للثقافة الأذربيجانية بموجب قرار من الرئيس إلهام علييف. واستضافت “شوشا” مهرجان “خاري بلبل” الموسيقي في 12 و13 مايو 2021، واستقبلت بعد 29 عامًا أعزاءها وضيوفها من جديد كعاصمة للثقافة الأذربيجانية. وحضر المهرجان الرئيس إلهام علييف والنائب الأول للرئيس مهربان علييفا وأفراد الأسرة ولفيف من الشخصيات العامة والسياسية والفنانين. وقال علييف في كلمته بالمهرجان: “إن مهرجان “خاري بلبل” الذي يُقام هذا العام لأول مرة بعد سنوات طويلة، مخصص لذكرى الشهداء. إننا مدينون لجنودنا الأبطال وللشعب الأذربيجاني الذي اتحد سوياً، لقد حقق الشعب الأذربيجاني هذا الانتصار. وهو انتصار لنا جميعا “.
وبصفة عامة، كان هناك 17 مسجدًا في مدينة “شوشا” دمرها الأرمن جميعًا أثناء الاحتلال. ومن بينها ثلاثة مساجد شبه مدمرة تماماً هي مسجد “جوهرآغا العلوي”، ومسجد “جوهرآغا السفلى” (بني هذا المسجد فيما بين عامي 1768-1769م، وكان أيضًا ضحية للتخريب الأرمني أثناء الاحتلال)، ومسجد “ساعتلي”. وتم بالفعل التوجيه لإعادة ترميمها جميعاً. ويجد الإشارة إلى أن الرئيس الأذربيجاني “إلهام علييف” وضع حجر أساس مسجد جديد في مدينة “شوشا” عشية عيد الفطر المبارك، على هامش مشاركته في مهرجان “خاري بلبل” الموسيقي . وسيكون المسجد الجديد أبرز المباني في “شوشا”.
وفي ضوء ما سبق، يمكننا القول بأن مدينة “شوشا” التي تعد جزءًا لا يتجزأ من الدين والثقافة الإسلامية ستأخذ مكانتها المرموقة مرة أخرى في العالم الإسلامي. وستصبح عاصمة ثقافية ليس فقط لأذربيجان، بل أيضاً للعالم الإسلامي كله!
هذه مقالة مهمة جدا للدكتورة بيرفانا ابراهيموفا،
وأنا سوف اتناولها في مقالة بقلمي في الصحافة الاردنية اولا..