جريدة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح*
فجأة، وبدون ضجيج إعلامي، اتفق أصحاب النوايا الطاهرة على خدمة جديدة «لمَن لا معين لهم ولا يستطيعون ضرباً في الأرض».. لمَن يَخجلون التوسّل ويَعْتَفِدُون في بيوتهم.. ولمَن لا يَسمح لهم كيانهم البشري وكرامتهم استجداء واستعطاف المارة وأرباب الأعمال.
في جبل عمّان العريق الذي كان منذ تأسيس الإمارة والمملكة مَقراً للسفارت العربية والأجنبية، التي سارعت في نهاية الثمانينات المنصرمة، على ما تسعفني الذاكرة؛ للحاق بركب السفارة الأمريكية التي انتقلت من هذا الجبل إلى منطقة (عبدون)، وكانت آنذاك خاوية من الإنسان والعمران، لكن بعض المؤسسات الأخرى عادت إلى حضن هذا الجبل العريق الذي يتحدث فيه كل حجر عن تاريخ مُورِق، تستلقي فيه سِير عِظامٍ لأناسٍ عِظام، ففي جنابه المهاب على سفح (الرينبو) تاريخ يتحدث عن مؤسسي المملكة من المُلوك الهاشميين، بالإضافة إلى تاريخ هذه وتلك من الشخصيات العريقة والعائلات النبيلة والمؤسسات الحكومية والاجتماعية؛ و (مجلس الأمة) الواقع بين الدوارين الأول والثاني، الذي حوّل إلى متحف، ووزارة الخارجية التي أضحت منذ عهدٍ بعيد مقراً لسفارة جمهورية العراق في الأردن، أما الفنادق العرِيقة والمَحال فقد ازداد عددها وعدّتها.
في القرن المَطوي، لا أذكر مُتسولاً أو عَاثراً في جبل عمّان الذي يُذكِّرنا بـِ(عَمّون) العظيمة في تاريخنا المجيد، ولم يكن فيه مِن طالب معونة مالية وعينية، برغم ضنك الحياة حينها على البعض، إلا أن التكافل والتراحم الإنساني كان شاملاً حكومياً واجتماعياً حتى في المدارس الخاصة العريقة، التي كانت خزينتها تحمل على منكبيها نفقات أعداد كبيرة من الطلاب والطالبات رقيقي الأحوال.
أما اليوم فقد إزدادت أعداد العَمَالة المهاجرة إلى جبل عمّان من عدة بلدان أفريقية وآسيوية، تُرافقها حالات فقرٍ واضحة المَعالم، فكان من الضروري وهذه الصورة المُبكية، أن يتنادى البعض من أصحاب المخابز والمتاجر المختلفة للبدء بمشاريع إنسانية وإن كانت مُكلفة لهم، لتقديم المساعدات العينية لهذه الشريحة مِن بَني الإنسان، كالخبز بأنواعه والملابس والمواد الغذائية، وهو ما يعكس بجلاء طيبة مواطننا الأردني، والتماسك الذي تُحققه أفعال الخير في توفير احتياجات المحتاجين، فتضمحل الحاجة وتختفي بالتدريج.
بعض أصحاب المخابز والبقالات والدكاكين، جزاهم الله خير الجزاء، وضعوا على مداخل مَحَالهم لافتات لاجتذاب المحتاجين، ليتناولوا منها دون سؤال وبدون أي حرج معروضات مجانية، وآخرون تحدثوا إلي كصحفي، عن مشروع «دفاتر كوبونات» الخبز، التي يجري توزيعها على مَيسوري الحال المَحليين والأجانب، حيث يتم التنسيق مع جمعيات ذات صبغة وعلاقات رسمية لإنجاح هذه التجربة الرائدة، بهدف حصر أسماء المُعْوِزين الحقيقيين للمعونات من أفراد وعائلات.
نشد على أيادي جميع مَن تنادوا لتعزيز مبادرات الخير لمَن تنكرت لهم الحياة، ولتخفيف أثقالها عن كواهل الفقراء والمحتاجين، ونطمح إلى توسيع المساعدات المنظَّمة للمُصْفِرين لتعُمهم جميعاً، لتحقيق المزيد من الأمان الاجتماعي والاقتصادي، تعميقاً لقيم المحبة والتكافل والتآزر الوطني، لتعلو أفعال الخير ومعاني النُبل والأخلاق والأخوّة، فتنحسر الكراهية ويُعم الخير كل الناس.
*كاتب وصحفي اردني, رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب أصدقاء (وحلفاء) الصين.